نبيلة الخطيب: تجربة الراحل القيسيّ غنية في بنيتها الشكليّة والمضمونيّة

Untitled-1
Untitled-1

عزيزة علي

عمان - تقول الشاعرة والدكتورة نبيلة الخطيب إن المجموع الشعريّ للشاعر الراحل محمد القيسيّ يمثّل "تجربة شعريّة وإبداعيّة غنيّة لها بنيتها الشكليّة والمضمونيّة، التي تعكس قدرةً فنيّةً تتمظهر فيها فضاءات أسلوبيّة، وبنًى لغويّة، ورؤًى فكريّة، تجسّدت في نسيج النصّ الشعريّ الكلّيّ عنده، وقد أوجدت التقنيّات الفنيّة للنصّ الشعريّ تفاعلاً داخليّاً خلق ترابطاً ووحدةً فنيّةً في إطار النصّ الواحد، وجاءت في مواضعها المناسبة بشكل عفويّ غير متكلَّف، من ذلك: الجناس، والتوازي، والتورية، والأضداد المتوائمة".اضافة اعلان
وتشير المؤلفة في مقدمة كتابها الصادر بدعم من وزارة الثقافة الأردنية بعنوان "شعر محمد القيسي في ضوء جماليات التلقي"، وصدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، إلى انها ركزت على أفق التوقع الذي يمتد عبر مصطلحات نقدية أخرى مثل: التأثير الجمالي، والفجوة مسافة التوتر، وانصهار الآفاق، وكسر أفق التوقع، بهدف تبيان أثرها في المتلقي، وانعكاسها على قيمة المضامين الوجودية، في أفق القارئ لشعر الشاعر.
اما المنهج الذي استندت اليه الخطيب في هذه الدراسة، فتقول انها استفادت من نظرية التلقي والتأويل وفرضياتها وخاصة أفق التوقع فيها، حيث تمثلت هذا الأفق وطبقته على شعر القيسي لإبراز جماليات التلقي في نصه الشعري. وقد تتبعت أشعار الشاعر بالتحليل العميق، والتقصي البعيد لوجوه الإبداع فيه، وربطت كل ذلك بمجريات أفق التوقع وكسره بصفتي متلقية لذلك الشعر ومشدودة إليه.
وتنوه المؤلفة الى أهمية الدراسة في انها تجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي، وخاصة أن شعر القيسي يعكس عبر تقنياته حالة إبداعية مميزة، فهو شاعر صاحب قضية جوهرية اعتمد على أن يجعل نصه قابلاً لقراءة متوترة، كما تكشف الدراسة عن جماليات التلقي، وتمثل مواجهة مباشرة للشاعر مع الذات والوجود بغية التعبير عن مكنوز دلالي عميق.
وبينت الخطيب أن الدراسة ارتكزت على طروحات جماليات التلقّي في سعيها لمقاربة شعر القيسيّ، وجماليّات التلقّي؛ فقد عرضت الدراسة للأدوات التي شكّلت نظريّة التلقّي النقديّة، وبيّنت مدى فاعليّتها في القراءة الجماليّة لشعره في إطار فنيّة النصّ ورؤيته للحياة والوجود.
وخلصت المؤلفة الى ان الدراسة أبرزت القيم الفنيّة والجماليّة كالانزياح والمفارقة والإيقاع والصورة الفنيّة التي حفل بها شعر القيسيّ، وبيّنت مدى تأثيرها في تماسك النصّ الشعريّ، حيث بدا ذلك جليّا من خلال قراءة تحليليّة متشابكة العلاقات في جماليّات النصّ الشعريّ وفق أفق التوقّع، الذي امتدَّ عَبر مصطلحات نقديّة أخرى مثل: التأثير الجماليّ، والفجوة مسافة التوتّر، وانصهار الآفاق، وكسر أفق التوقّع.
رئيس جامعة الزيتونة الأردنية د. محمد المجالي كتب تقديما للكتاب تحدث فيه عن أهمية ما قامت به الخطيب من قراءة معمّقة لجميع دواوين الشاعر الراحل محمد القيسي بطبعاتها المختلفة، واختارت الشواهد الشعرية الدالة التي مثّلت محاور الدراسة خير تمثيل، لافتا الى أن ذائقة المؤلفة الشعرية المميزة كان لها الأثر الكبير في اختيار هذه النماذج المتجانسة شكلاً ومضموناً، وفك أسرار كثير من القصائد الشعرية التي لفها الغموض، مما يؤكد أهمية أن يكون الأديب ناقداً وشاعراً في آن معاً.
وتحدث المجالي عن لغة الخطيب التي جاءت متناغمة مع لغة القيسي، قائلا: نحن أمام شاعرين مثقفين، أحدهما يكتب بريشة فنان مبدع ليحوّل الحياة بزخمها وبؤسها وروعتها إلى قصيدة من خلال لغة راقية تتوثب في ذهنه، وصور معبرة تتواثب من خلال هذه اللغة في خياله، والآخر يُحلل من خلال إيقاع منضبط ولغة تمزج بين التصوير والاستقصاء والتغلغل في التفاصيل المهمة، وهذا يكشف بكل تأكيد عن ذوق نقدي مدرب ومنضبط، وعن ناقدة لا تكتب وفي ذهنها مناهج مسبقة، إنّما تكتب مدفوعة بقوى داخلية ودوافع متصارعة تجعلها أكثر موضوعية وعمقاً في الطرح.
ويؤكد المجالي ان المؤلفة التزمت بمنهجية واضحة سليمة، أفادت فيها من نظرية التلقي والتأويل وفرضيتها وخاصة أفق التوقع فيها، وقد وفقت في تطبيق ذلك على شعر القيسي، ذلك أنّ شعره حافل بالفضاءات الأسلوبية، والبنى اللغوية، والرؤى الفكرية التي تُسهّل على الباحث دراستها في نسيج نصّه الشعري.
ويشير المجالي الى أنّ قيمة هذا الكتاب تأتت من كون المؤلفة تناولت شعر واحد من أبرز الأدباء المعاصرين ممن جاء شعرهم نتاج تجربة وطنية عميقة، اتّصلت بالقضية الفلسطينية أولاً، وبالأحداث السياسية المؤلمة التي عاشها العالم العربي منذ ستينيات القرن الماضي.
وخلص المجالي الى ان الخطيب أقدمت على دراسة أعمال القيسي من اجل تقديم ما يليق بمكانة هذا الشاعر، ويؤكّد دوره الوطني والقومي، ويكشف عن كثير من جوانب الإبداع في شعره، تلك التي ظلت عصية على كثير من النقاد.
اشتملت دراسة هذا الكتاب بحسب الخطيب على الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر محمد القيسي وغيرها من دواوينه، ويشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، الفصل الأول يتناول: الأنا والآخر عند القيسي، ويلقي الضوء على الأنا في تشكيلها وتطورها وتحولاتها، وعلاقتها مع الآخر بين الائتلاف والاختلاف، والثبات والتحول، الممنوع والممنوح، الزائف والحقيقي، السلبي والإيجابي، من خلال تحليل النصوص الشعرية في إطار أفق التوقع.
فيما يتحدث الفصل الثاني عن البنية الشعرية وأفق التوقع من خلال المفارقة التي تشمل مفهومي (Irony) و (Paradox)، بما تصنعه من فجوات ومسافة توتر، أما الفصل الثالث الذي اهتم بالإيقاع الخارجي والداخلي وتحولات كل منهما، سواء في الشكل الذي يتعلق بعتبة الإيقاع؛ الوزن بين البحر والتفعيلة، أو فيما يتعلق بالتقنيات الفنية المتعددة ودورها في تحقيق الإيقاع الداخلي في النصوص الشعرية، وأثر ذلك على أفق توقع القارئ. ثم درس الفصل أيضاً الصورة الفنية وأهم قضاياها؛ مثل الحس والخيال، والجماليات التي تشكلها الصورة بأنواعها في نص مختار من شعر القيسي، وبيان كل تلك الجماليات من خلال تحليل النص الشعري وبنائه في إطار أفق التوقع.