هل يمكن الاستفادة من جديد السياسة الاميركية?

في حال كان هناك من يريد اتخاذ موقف عملي من التطورات التي شهدتها المنطقة حديثا بغية الاستفادة منها, لا يمكن تجاهل ان تغييرا طرأ على السياسة الاميركية في المنطقة بعد الانتخابات الفلسطينية ثم الانتخابات العراقية.

اضافة اعلان


ظهر ذلك بوضوح من خلال الخطابين الاخيرين للرئيس بوش الابن, الاول ألقاه لدى بدء ولايته الثانية والآخر الخطاب السنوي التقليدي عن "حال الاتحاد" اي حال الولايات المتحدة الامريكية, ولعل ابرز ما يمكن استخلاصه من الخطابين ان الرئيس الاميركي بات يعتبر نشر الديمقراطية والحرية في الشرق الاوسط قضيته الاولى وان لا مفر من اصلاحات سياسية في كل دول المنطقة مركزا بوضوح على المملكة العربية السعودية ومصر. ان بوش الابن يريد باختصار دخول التاريخ من بوابة نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط واماكن اخرى من العالم وذلك بعدما اعتبر ذلك جزءا لا يتجزأ من الحرب على الارهاب, ألم يقل في خطاب بدء ولايته ان بقاء الحرية حية في امريكا "يعتمد اكثر فأكثر على نجاح الحرية في بقاع اخرى من العالم?".


يتبين كل يوم ان الاب الروحي لجورج دبليو بوش اسمه رونالد ريغان, الرئيس الجمهوري الذي استطاع تجديد ولايته على العكس من جورج بوش الاب, لقد هزم رونالد ريغان الاتحاد السوفياتي الذي وصفه بـ"امبراطورية الشر" عندما اجبره على الدخول في سباق التسلح, فقد كشف بذلك هشاشة ما كان يعتبر القوة العظمى الثانية في العالم, التي لم تكن سوى نمرمن ورق, حقق ريغان ما كان كثيرون يتصورونه حلما مستحيلا وها هو جورج بوش الابن يراهن على تحقيق حلم مماثل يتمثل في تحرير العالم خصوصا منطقة الشرق الاوسط من الاستبداد والمستبدين.


على هامش كلامه عن الحرية والديمقراطية وضرورة الاصلاحات في السعودية ومصر والهجوم المباشر على سورية وايران لاسباب لها علاقة بما تعتبره امريكا "ارهابا", يمكن ملاحظة ان ادارة بوش الابن قررت للمرة الاولى منذ فشل قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 بين الرئيس كلينتون وياسرعرفات وايهود باراك ان يكون لامريكا دور نشط بين الفلسطينيين والاسرائيليين, كان واضحا ان بوش الابن لا يريد الاستثمار في السلام على ارض فلسطين من منطلق انه لا يريد اضاعة كل هذا الوقت في قضية, لا فائدة منها في نظره, لم تجلب لسلفه سوى المتاعب.


الآن, بات في الامكان القول ان بوش الابن بات مستعدا للاستثمار في السلام الفلسطيني - الاسرائيلي ويمكن ان يستثمر حتى في سلام سوري - اسرائيلي في حال قبلت دمشق سلسلة الشروط الامريكية, انها شروط مرتبطة بالعراق ولبنان وما تسميه واشنطن "المنظمات الارهابية" كما انها شروط من النوع غير القابل للتفاوض والاخذ والرد اضافة الى انها تشكل رزمة واحدة, اي انه لا يمكن مقايضة شرط بآخر في ضوء الاصرار الاميركي على رفض اجراء صفقات على حساب لبنان كما كان يحصل في الماضي, وهذا امر ترفض دمشق تصديقه, اقله الى الآن.


هذا هو الجديد في السياسة الامريكية الشرق اوسطية, وهو جديد ساهم في صنعه الشعب العراقي الذي تحدى الارهاب والارهابيين وتوجه الى صناديق الاقتراع كما ساهم في صنعه الشعب الفلسطيني الذي صوت لمصلحة السلام مؤكدا انه شعب يريد الحياة وليس صحيحا انه يحلم بالانتحار والانتحاريين وقتل الآخر.
هذا الجديد لا بد من المحافظة عليه, بل هناك مصلحة عربية في المحافظة عليه, وتقضي هذه المصلحة على الصعيد العراقي في دعم التوجه الهادف الى مصالحة وطنية حقيقية في عراق ما بعد الانتخابات, مثل هذه المصالحة, التي تعيد الاعتبار الى السنة العرب بدل تهميشهم وجعلهم يشعرون بانهم مواطنون من الدرجة الثانية, تؤدي الى تحصين الوضع العراقي بدل ان تكون الانتخابات مدخلا لحروب اهلية او لقيام حكومة دينية تسيطر عليها ايران.


على الصعيد الفلسطيني, تقضي المصلحة العربية بدعم السلطة الوطنية وتوجهاتها وذلك بعيدا عن المزايدات والمزايدين الذين يطلقون شعارات فارغة بواسطة الناطقين باسم "حماس" و"الجهاد الاسلامي"؛ هؤلاء الناطقون ينسون انهم يتحدثون ويتفاوضون من القاهرة عاصمة الدولة العربية التي وقعت اول معاهدة سلام مع اسرائيل وذلك بغية استرداد حقوقها في الارض والثروات التي في باطن الارض خدمة للشعب المصري اولا.


ان دعم السلطة الوطنية في هذه المرحلة يعني اول ما يعني الانتهاء من فوضى السلاح والعمل على انجاح قمة شرم الشيخ التي سيشارك فيها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ويحضرها الملك عبدالله الثاني والرئيس حسني مبارك, اضافة الى "ابومازن"؛ فنجاح القمة سيكون نجاحا فلسطينيا لانه سيعيد المياه الى مجاريها بين السلطة الوطنية وواشنطن بما يساعد في العمل جديا على افشال مشروع شارون الهادف الى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بواسطة ما يسمى "الجدار الامني".


اذا لم يحسن الجانب العربي الاستفادة من جديد السياسة الاميركية عراقيا وفلسطينيا وحتى سوريا, ستبقى للرئيس بوش الابن اولوياته المرتبطة اولا واخيرا بنشر الديمقراطية والحرية في الشرق الاوسط وغيره من دول العالم, انها اولويات اقرب الى الحلم وقد يكلف تحقيقها الكثير على الصعيد العربي في غياب تفكير جدي في كيفية تحصين الوضعين العراقي والفلسطيني والوضع الداخلي لكل بلد عربي عموما.