انتحار مصعب.. يسلط الضوء على مشاكل الفقر والبطالة ويدق ناقوس الخطر

حادثة انتحار الشاب مصعب أول من أمس، لم تكن حادثة بسيطة، يمكن المرور عليها بسهولة. فحوادث الانتحار في بلدنا احتجاجا على الظروف المعيشية والبطالة، قليلة إذا ما قيست بحوادث شبيهة في دول أخرى. ولذلك، فحوادث من هذه الشاكلة مؤلمة ومحزنة، وتثير التساؤلات حول الأمن المجتمعي في هذه المرحلة الاقتصادية والسياسية الصعبة.اضافة اعلان
فالشاب مصعب أقدم على الانتحار حرقا، بعد أن أغلقت في وجهه الأبواب للعودة إلى عمله في شركة الكهرباء. وبالتالي، لم يعد قادرا على إعالة أسرته. لقد وصل إلى نتيجة أن أحدا لا يستطيع مساعدته في معيشته، وتمكينه من توفير مستلزمات الحياة لأسرته، فوضع حدا لحياته.
والد مصعب فسر سبب إقدام فلذة كبده على الانتحار بالقول: "ابني وجد في الانتحار أفضل وسيلة للتعبير عن فقره المدقع، وحاجته الملحة للعمل". فمصعب فضل الانتحار بسبب معاناته الشديدة لتوفير لقمة العيش له ولأسرته، وبسبب عدم تفاؤله بالمستقبل، فهو يعرف صعوبة إيجاد عمل في هذه الأيام.
نعم، هي حادثة مؤلمة ومحزنة، ولكنها يجب أن تكون حادثة تدفعنا إلى معرفة الأسباب التي أدت إليها ومعالجتها؛ فعلا وليس قولا. ففي الوقت الذي كان مصعب يصب البنزين على جسده الشاب، كان النواب يناقشون البيان الوزاري لحكومة فايز الطراونة، ويؤكدون أن مشكلتي البطالة والفقر هما من أبرز المشاكل التي يواجهها المجتمع. ولكن، للأسف، لم يضع النواب الحلول المنطقية والعملية لمعالجة هاتين المشكلتين الكبيرتين. كما أن الحكومة التي نالت ثقة 75 نائبا، لم تحدد الآليات المناسبة للتعامل مع هاتين المشكلتين، بالإضافة طبعا إلى العديد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
مصعب كان يعرف تماما أن مجلس النواب، والحكومة، ومؤسسات المجتمع المدني، والنقابات، لن تحل مشكلته، ولن تمنحه العمل الذي يؤمن له لقمة عيشه، فأقدم على الانتحار. وحتماً لا يعني ذلك التشجيع على الانتحار، وإنما هي محاولة لتفسير هذه الحادثة الأليمة، ومعرفة الأسباب التي أدت إليها. فالشاب مصعب، بإجماع أصدقائه وزملائه بالعمل، مؤمن وغير عنيف؛ مؤدب ومحبوب، ولم يتوقع أحد لجوءه إلى الانتحار للاحتجاج على أوضاعه المعيشية، ولرفضه فصله من عمله في شركة الكهرباء. ولكنه لجأ إلى ذلك؛ ما يعني أن الأبواب أغلقت في وجهه، ولم يعد قادرا على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلته.
ومن المؤكد أن الأبواب أغلقت في وجه الكثيرين من الشباب والمواطنين، جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية، ما يستدعي دق ناقوس الخطر، ورفع منسوب الحذر. فالحكومة ومؤسسات الدولة مسؤولة بشكل مباشر عن هذه الأوضاع والظروف الصعبة، ويجب عليها أن تتعامل بمسؤولية معها، من خلال تسريع الإصلاح الشامل.
الحديث المستمر من قبل الحكومة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، محاولة لتبرير رفع أسعار المشتقات النفطية، وإلغاء الدعم عن سلع أساسية أخرى بذريعة "إيصال الدعم لمستحقيه من الفقراء والمحتاجين والطبقة الوسطى". ولكن هذه السياسات، والتي تم تطبيق الكثير منها من قبل حكومات أخرى، طالت الفقراء بدرجة أولى، بالرغم من أن الحكومات تؤكد أنها لن تؤثر عليهم. لذلك، يجب أن تبحث الحكومة عن بدائل أخرى غير رفع الأسعار. وهناك اقتراحات عديدة على هذا الصعيد، تتضمن خطوات عملية ناجعة.
الحكومة الحالية مطالبة بالاستجابة للطرح الشعبي بضرورة محاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال التي نهبوها، وإعادة النظر في السياسات الاجتماعية والاقتصادية. وهي مطالبة بتسريع الإصلاح السياسي، لأنه الطريق الانسب لمواجهة التحديات كافة.
 يجب أن تعيد الحكومة النظر في توجهها إلى رفع الأسعار؛ فحادثة انتحار مصعب مع أنها حادثة فردية، إلا أنها تشير إلى الضغط الاجتماعي والمعيشي الذي يتعرض له المواطنون، وتستدعي من الحكومة التدقيق والتفكير الجدي في قراراتها، وآثارها السلبية على غالبية المواطنين.
مسيرات أمس في غالبية المحافظات، دعت الحكومة إلى عدم رفع الأسعار، فهل تستجيب؟ هذه المسيرات هي أيضا مؤشر على مطالب المواطنين والقوى السياسية والشعبية، وعلى الحكومة أن تأخذها بعين الاعتبار، ولا تعتبرها مسيرات حزبية للتشويش على عملها، فهي منذ أن انطلقت مسيرات وفعاليات شعبية هدفها الإصلاح الشامل.