تزامنا مع يوم الأرض.. الفيروس الذي عرّى علاقتنا الجشعة مع الطبيعة

تزامنا مع احتفالات العالم باليوبيل الذهبي لأسبوع الأرض العالمي، والذي يهدف لنشر الوعي والاهتمام بالبيئة الطبيعية لكوكب الأرض، وبالرغم من أن جميع المؤتمرات التي عقدت حول العالم في محاولة للبحث عن حلول للتغير المناخي، إلا أن (كوفيد-19) كشف عن محدوديتها في طرق التعامل التقليدية لإيجاد حلول عادلة، وعاد الفيروس ليثير لنا أسئلة صعبة حول العدالة والمسؤولية المجتمعية والالتزام. وشاهدنا كيف أدت الأجواء في يووهان (معقل الفيروس) إلى انحسار تلوث الغلاف الجوي فوقها، وتضاءلت كتل من الهواء الملوث فوق مناطق واسعة من الصين، ومع عودة النشاط التجاري والصناعي فيها، فهل ستعود هذه البلاد الى العلاقة الجائرة من جديد؟ بعد أن أتاحت قيود الحظر للكرة الأرضية وشعوبها فرصة التخلص من هواء رديء ملوث، وإعطاء فرصة للطبيعة والبشر في تجديد الهواء النقي.اضافة اعلان
وبعد أن استعادت الكرة الأرضية أنفاسها لبرهة قصيرة، إلا أنه تتضح الحاجة إلى اتباع نهج جديد يركز على مبادئ العدالة والأبعاد الأخلاقية لمواجهة الآثار المدمرة للتغير المناخي. ومن ضمن الأمور الأساسية التي يجب أن نتفكر بها حين تعود الحياة نوعا ما على ما كانت عليه ولو أنه من الصعب كما قيل لنا بأنه يجب أن نتعايش معه لفترة طويلة، علينا إذا بالتفكر مليا بأن التحدي القائم أمام العالم بعد انقشاع الجائحة الحالية، ليس تحدياً تقنياً فحسب بل أخلاقي أيضاً، والذي يتطلب تحولاً في الأفكار والسلوكيات يؤدي بهيكلنا الاقتصادي والاجتماعي لتوسيع نطاق فوائد التطور على الناس كافة.
إن مبدأ وحدة الجنس البشري والذي بدأت بوادره في التعاون العالمي غير المسبوق، يجب أن يصبح هو المبدأ الحاكم في الحياة على مستوى العالم. فهو يجعل من الممكن النظر إلى تحدي التغير المناخي عبر منظار آخر - منظار يتصور البشرية ككل موحد، لا تختلف كثيراً عن خلايا الجسم البشري والتي ينهشها حاليا هذا الفيروس، وإنما يسعى إلى إعادة صياغة وتشكيل أنماط من التفاعل البشري عفا عليها الزمن واتسمت بكونها غير عادلة، لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا معا. فبهذه الطريقة نصل إلى التفكير إلى أبعد من هذا والتي تسببت في أزمة المناخ، وهي تضييق فجوة الفقر، المساواة بين الجنسين، وما شابه ذلك.
إلا أننا علينا أن نقر بالرغم من أننا ما زلنا نسير بخطى متعثرة للقضاء على تفشي هذا الفيروس، إلا أنها أعطتنا فرصة لاتخاذ الخطوة التالية في عملية الانتقال من حالة تَعَامُل على الساحة العالمية تتأصل جذورها في الوحدة التي تربطنا كواطنين لعالم واحد، بالإضافة إلى هدف عالمي طويل لخفض الانبعاثات. ستتطلب الاستجابة لما بعد هذه الجائحة تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم. وجاء يوم الأرض هذا العام ليحث العالم على تعزيز الانسجام مع الطبيعة والأرض، ووقف الاتجار غير المشروع بالأحياء البرية، ومواجهة التغيرات المناخية، وإزالة الغابات، والحفاظ على التنوع البيولوجي، كما جاء هذا اليوم ليعلمنا دروسا في ضرورة الإصغاء للعلم المتلازم مع الأخلاق، وأنه لا تزال هناك فرصة متاحة أمام البشريّة لإنقاذ الطبيعة.
ومهما بلغت صعوبة الوضع الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا والعالم بأسره في الوقت الحاضر، فإنّنا على يقين بأن الإنسانيّة ستعبُر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف، لتظهر على الجانب الآخر من النفق وقد اكتسبت رؤيةً أوضح وتقديرًا أعمق لوحدتها المتأصّلة وترابطها المُتبادَل. عندها، سيكون لزاما علينا مراجعة علاقتنا الجشعة بالطبيعة وبالآخرين. فضلا عن أهمية الرعاية الصحية، وتخصيص جزء كبير من موازنات الدول عليها، لأن هذا الفيروس الجديد قد عرّى العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وقال الكثير عنها.