حتى لا يتحول التراحم إلى تزاحم

عمر الرزاز*

التزم الأردن والدول المانحة المشاركة في مؤتمر لندن بما يسمى "ميثاق الأردن" (Jordan Compact) بما يتضمنه من التزامات متبادلة؛ مالية واستثمارية؛ مقابل سماح الأردن للاجئين السوريين بالعمل.اضافة اعلان
في مقابل ميثاق الحكومة الأردنية المهم والبنَّاء تجاه الدول المانحة، أصبح ضروريا أن يكون هناك ميثاق للشاب الأردني من الحكومة الأردنية؛ ميثاق يلزم الحكومات المتعاقبة بضمان حقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية في التعليم والعمل والصحة مقابل قيامه هو بواجباته كمواطن فاعل ومنتج.
فالشاب الأردني اليوم يحاول جاهدا فهم أبعاد اللجوء السوري الى الأردن ويجد نفسه أمام هذه الأبعاد في حالة فصام.
ويتساءل أسئلة مشروعة في إطار اللجوء السوري تقع في صميم مفهوم الدولة والأمة؛ المواطن واللاجئ والمقيم والحقوق والواجبات.
انتماء الأردني الفطري الى محيطه، وصلات التاريخ وحتى القرابة التي تربطه بجاره السوري، ومنظومة قيمه التقليدية التي تحثه على الضيافة وإغاثة المحتاج وإيوائه، كلها تدفع باتجاه فتح الحدود والبيوت واستضافة اللاجئين وبدون التفات لحسابات ربح أو خسارة.
وكان هذا فعلا رد فعل آلاف من الأردنيين وبشكل عفوي وخصوصا في السنوات الأولى من الأزمة، والأردني يدرك أيضا أن اللاجئ السوري لم يأت طوعا كعامل وافد، بل قسرا كلاجئ، وأن لديه من المهارات في الزراعة والإنشاءات والصناعات الغذائية والخدمات ما قد يفيد الأردني كمستهلك لهذه السلع والخدمات وربما كمتدرب عليها أيضا.
ولكن نفس هؤلاء الشباب، ومع استمرار الأزمة السورية وبدون أي بادرة حل، واستمرار اللجوء بأعداد هائلة، واستمرار اقتسام المقاعد المدرسية وأسرّة المستشفيات وفرص العمل، يتسلل لهم الإرهاق شيئا فشيئا حول قدرتهم على تحمل المزيد، ويملؤهم الخوف من تداعيات الأزمة عليهم وعلى الأجيال المقبلة.
هذه المخاوف مشروعة ولها ما يبررها في ضوء عوامل خارجية منها حالة اللايقين حول مستقبل سورية، وحالة الخذلان العربي المفجع، وتاريخ طويل من نكران الغرب لوعود يقطعها فور ما تتغير أولوياته.
ولهذه المخاوف ما يبررها أيضا على المستوى الداخلي خصوصا في حال انعدام الثقة في قدرة الحكومة على تحريك عجلة الاقتصاد، وبالتالي توفير فرص عمل كافية، وتراجع مستوى التعليم والصحة وغيرها من الخدمات في المناطق الحاضنة للجوء السوري.
فالشباب يسمعون بوعود تشغيل مائتي الف لاجئ سوري، ولكن لا يسمعون بوعود تشغيلهم!
المواطن الأردني لا يطلب المستحيل وهو مدرك تماما للتحديات ويشعر بالفخر لتماسك وطنه أمام التحديات الخارجية وقدرة قواته الباسلة على حفظ الأمن والأمان؛ المطلوب هو العدالة في تقاسم الحمل والعدالة في الفرص؛ وهذا يتطلب حواراً عميقا حول الالتزامات المتبادلة المطلوبة من قبل الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني حول النهوض بالتعليم والصحة وفرص العمل والاستثمار.
إن قطاع التعليم يتطلب رأب فجوة هائلة في الكم والنوع وخصوصا في المحافظات وقطاع الصحة يترك أعداداً متزايدة من غير المؤمّنين صحيا، وخصوصا العاملين في المنشآت الصغرى وأسرهم خارج أي تغطية صحية.
ومستوى البطالة بارتفاع مستمر وخصوصا بين الشباب والاستثمار من قبل القطاع الخاص في أدنى مستوياته ليس فقط بسبب المحيط الجيوسياسي الملتهب، ولكن لتبني الحكومة لإجراءات آنية ما بين حملات جباية وحملات إعفاءات؛ كلتاهما غير مدروس بعناية أو مستدام.
حل مشكلة البطالة للأردنيين واستيعاب السوريين بشكل يحل محل العمالة الأجنبية الوافدة وبشكل مكمل وليس بديلا للعمالة الأردنية يتطلب مستويات نمو اقتصادي تتجاوز حتى 8 % التي طمحت لها رؤية الأردن 2025!
في وضع كهذا، نحن نعي بأن الحلول ليست سهلة، ولكننا نعلم أيضا أنها ليست مستحيلة.
المهم التوافق عليها وإشراك الجميع بها؛ نحن اليوم في أمس الحاجة الى ميثاق وطني تنموي ما بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني يتضمن التعليم والصحة والتشغيل والاستثمار؛ ميثاق يلتزم به الجميع برفع سوية التعليم من خلال تقديم مؤسسات المجتمع الأهلي والخدمات المحلية بشكل يرفد ويكمل ما تقوم به المؤسسات الحكومية.
ميثاق؛ يلتزم به الجميع بتطوير نظام تأمين صحي شامل يسهم به العامل وصاحب العمل والحكومة وتقدمه مؤسسات القطاع الخاص بحد أدنى من التغطية المتاحة للجميع.
ميثاق؛ يلتزم به الجميع ببرنامج تمكين وطني للمشاركة الشبابية في الحياة العامة والتدريب والتشغيل يعطي كل شاب وشابة فرصة ممارسة دورهم كمواطنين فاعلين ومنتجين.
وميثاق؛ يفتح آفاق الاستثمار للقطاع الخاص المحلي والخارجي يوفر فرص عمل ويرفد الخزينة بالإيرادات الضريبية المعقولة. والقطاعات المتاحة للاستثمار والتشغيل عديدة، ابتداء من خدمات يمكن تقدمها مؤسسات المجتمع الأهلي في قطاعات الصحة والتعليم وصولا الى صناعات مصدرة الى الأسواق الأوربية تبني على ما هو قائم وتتوسع الى قطاعات جديدة.
ميثاق كهذا تلتزم به جميع الأطراف بما لها وما عليها، ميثاق يؤكد لكل شاب وشابة، طفل وطفلة، أباً وأماً بأنه ما تزال الأولوية الأولى للحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
الشباب الأردني لا يريد حبراً على ورق، لذا يجدر البدء فوراً ببرنامج تدريب وتشغيل وطني متاح للشباب والشابات يوفر لهم المهارات التي يحتاجها سوق العمل ويمنحهم الفرصة للبدء بحياتهم العملية في قطاعات إنتاجية.
انخراط هؤلاء الشباب بحد ذاته سيرفع من الإنتاج القومي ويمنحهم الشعور بأنهم بناة الوطن وليسوا عالة عليه.
خيار الأردن الداخلي اليوم ليس حول اللجوء السوري أو عدمه، فهو اليوم أمر واقع. الخيار اليوم حول كيفية التعامل معه ضمن إطار وطني شامل؛ فكيف نحول دون تحوّل حالة التراحم الى حالة تزاحم؟ وكيف ننتقل من تنافس على مخرجات اقتصاد ضعيف الى تعاون وتكامل في تعظيم اقتصاد منتج ومستدام وعادل؟

* رئيس مجلس ادارة منتدى الاستراتيجيات الاردني