"عينا فاطمة" تشعلان جدل العنف ضد المرأة

مشاركون في وقفة تضامنية بعنوان "طفح الكيل" رفضا للعنف والتمييز ضد المرأة قرب منطقة الدوار الرابع في عمان أمس -(الغد)
مشاركون في وقفة تضامنية بعنوان "طفح الكيل" رفضا للعنف والتمييز ضد المرأة قرب منطقة الدوار الرابع في عمان أمس -(الغد)
رانيا الصرايرة عمان- ما بين مطالبات نسوية تدعو لإيجاد سياسات تشريعية يرافقها العمل على إيجاد منظومة مجتمعية لا تتسامح مع العنف الموجه ضد المرأة وتجرمه، وأصوات تمثل تيارات مختلفة، ترى أن العنف ضد المرأة في الأردن ليس ظاهرة، وأن الحالات المرتبطة بجرائم عنف ضد النساء هي فردية فقط، تشير لغة الأرقام إلى "أن 25.9 من الزوجات اللاتي أعمارهن بين 15-49 عاماً، تعرضن لعنف جسدي أو جنسي أو عاطفي من قبل أزواجهن، في مقابل تعرض 1.4 من الأزواج الذين أعمارهم بين 15-59 عاماً للعنف الجسدي من قبل زوجاتهم"، بحسب مسح السكان والصحة الأسرية (2018-2017) والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة. وفيما يتفق الجميع على رفض العنف المجتمعي، خاصة "الأسري" الذي عادة ما تكون ضحيته المرأة والأطفال، يتضخم الجدل حول التفاصيل المتعلقة بذلك، حيث يوجه البعض سهامهم نحو المنظمات النسوية، ويرون أن خطابها وآليات دفاعها في التعبير عن نبذها للعنف ضد المرأة "غير ناجع، ويحكمه أجندات خارجية وتمويل أجنبي". وفي المقابل تستنكر المنظمات هذه الهجمات التي تصل "حد الشيطنة لها، كلما رفعت صوتها مطالبة بوقف العنف ضد المرأة". الوقفة التي دعت إليها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، السبت الماضي، للتعبير عن مساندة "ضحية جرش"، فاطمة أبو عكيلك، التي اقتلع زوجها عينيها، أثارت بشكل واضح هذا الجدل، والذي احتدم بشكل كبير هذه المرة، وساهمت في إذكاء نيرانه تعليقات تم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي وصلت بعضها إلى توجيه اتهامات واضحة للحراك النسوي. بعد الوقفة، هاجم النائب صالح العرموطي، من تحت قبة البرلمان، القائمين على هذه الوقفة، واعتبرها "هجوما على الدين الإسلامي، وعلى قانون الأحوال الشخصية"، مطالبًا وزير الداخلية باتخاذ "إجراءات رادعة بحق أولئك الذين يمثلون بعضا من مؤسسات المجتمع المدني الممولة من الخارج". نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أيدوا ما عبر عنه العرموطي، وهاجموا الشعارات التي رُفعت بتلك الوقفة، مثل شعار "شرف أختي مش غشاء بكارة"، الذي تبين لاحقا بـ"أنه شعار لم يرفع في هذه الوقفة بل تم رفعه بوقفة مشابهة في فلسطين بعد جريمة قتل الشابة إسراء غريب"، وكذلك هاجم نشطاء شعارا آخر هو "يسقط النظام الأبوي"، واعتبروه دخيلا على قيم المجتمع الأردني وهجوما على دور الآباء. بدورهن، توضح ناشطات في مجال حقوق المرأة "أن هذا الشعار يرمز إلى منظومة التشريعات والسياسات المحلية التي تعامل النساء وكأنهن قاصرات يحتجن للحماية والرعاية". وأظهر مسح السكان والصحة الأسري "أن من بين كل 100 زوجة، تعرضت 26 زوجة للعنف الجسدي أو الجنسي أو العاطفي من قبل أزواجهن، ومقابل ذلك فإن من بين كل 100 زوج، تعرض زوج واحد تقريباً للعنف الجسدي من قبل زوجته". جمعية معهد تضامن النساء "تضامن" علق على ذلك بالقول، "يجب نبذ العنف ضد الذكور والإناث على حد سواء، مع التأكيد على أن الإناث يتعرضن له أضعاف ما يتعرض له الذكور، ويرتب آثاراً جسدية ونفسية واجتماعية تلازمهن مدى حياتهن". ويضيف، في بيان أمس، "أن الدخول في تفاصيل المسح من شأنه كشف حقيقة أن العنف يولد العنف، فسيطرة الأزواج والتحكم بسلوك زوجاتهم والعنف ضدهن أهم أسباب عنف الزوجات ضد الأزواج، حيث أظهر المسح بأن نسبة الزوجات اللاتي ارتكبن العنف الجسدي ضد أزواجهن ارتفعت بشكل كبير لدى الزوجات المعنفات سابقاً من أزواجهن (7.4 ) وانخفضت لا بل تلاشت نسبة الزوجات اللاتي ارتكبن العنف الجسدي ضد أزواجهن لدى الزوجات غير المعنفات من أزواجهن (0.2 )". ووفق "تضامن"، "فإن الزوجات الحاليات (1.3 ) والزوجات العاملات (0.6) والزوجات المتعلمات (0.7 ) أقل ميلا لارتكاب العنف الجسدي ضد أزواجهن، مقابل الزوجات السابقات كالمطلقات والأرامل (3.6 ) والزوجات غير العاملات (1.6 ) وغير المتعلمات (1.6 )، وتلعب الخصائص الأساسية للأزواج دوراً في ارتكاب زوجاتهم العنف الجسدي ضدهم، فالأزواج غير المتعلمين (2.5 ) تعرضوا لعنف الزوجات أكثر من المتعلمين (1.1)، وارتفع عنف الزوجات بشكل ملحوظ ضد الأزواج الذين يتحكمون بسلوك زواجهم (10.4 ) أكثر من الذين لا يتحكمون بسلوك زوجاتهم (0.2 )، ولدى الأزواج الذين لا يشاركون زوجاتهم اتخاذ القرارات العائلية (2.3 )، مقابل (1.1 ) من الذين يشاركون زوجاتهم قرارات العائلة". وأظهر المسح تعرض 81 من الأطفال في الأردن والذين أعمارهم بين 14-1 عاماً، إلى أسلوب عنيف للتهذيب خلال الشهر السابق على المسح. مديرة مركز ميزان إيفا أبو حلاوة، وردا على سؤال "الغد" حول تفسيرها للهجوم الذي تعرضت له المنظمات النسوية التي دعت وشاركت في الوقفة، قالت "البعض يعتبر أن العلاقة بين أفراد الأسرة هي علاقات خاصة يترك للأفراد حرية التصرف فيها، ويعتبرون أولادهم وزوجاتهم ملكية خاصة ولا يسمح للغير والسلطة بالتدخل، كما يجدون خطاب الأجندات والتشكيك والتخوين الذي تستخدمه السلطة مبررا لهم لرفض التدخل باعتبار أن هذه الأجندات ستنظم العلاقات الشخصية لهم". وأضافت أبو حلاوة، "هناك منظومة مجتمعية تقبل العنف وتبرره هذا ليس فقط في الأردن، حيث إن هناك حالة من التراجع القيمي نشهدها على مستوى العالم والإقليم والوطن، حتى أنه لا توجد اتفاقية دولية لمناهضة العنف ضد المرأة". أما الناشطة في مجال حقوق الإنسان، المحامية هالة عاهد، فترى "أن تحرير المرأة بنظر البعض يعني التخلي عن السلطة التي تم منحها للذكور بموجب القانون والأعراف للسيطرة على النساء وخياراتهن، وهم لا يريدون التخلي عن هذه السلطة، والعنف هو أداتهم لتقويم النساء وتربية الأطفال". وقالت عاهد، "الدين يستخدم عند البعض فقط كحجة لإدامة هذه السلطة ومنحها المشروعية، هناك قضايا كثيرة لا تتعارض مع الدين وشهدنا لها معارضة تحت أسباب أخرى مثل المطالبة بمنح الجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب". وأضافت، "أن استمرار لجوء البعض إلى شيطنة الحراك النسوي مرده أن خطاب الحركة الحقوقية النسوية قوي ومدروس فتسقط الحجة أمامه فيصبح الأسهل لكسب المعركة اللعب على العواطف بإلصاق تهم التخوين والأجندات والبعد عن الدين وهدم قيم الأسرة، فكلها قيم مهمة تدغدغ مشاعر الناس".اضافة اعلان