فرنسا ما تزال قوة استعمارية

إيفون كينيو* - (لوموند) 11/8/2011
ترجمة: مدني قصري
مع الحرب في ليبيا، والتي كانت لفرنسا المبادرة الأساسية فيها، سقط القناع: سوف نظل قوة استعمارية، ليس لسياستها الدولية معنى سوى خدمة مصالحها الجيوسياسية أو الاقتصادية، وأخيراً خدمة حسابات رئيسها نيكولا ساركوزي المحفوفة بالمخاطر.اضافة اعلان
ينبغي أن نقول هذا بصوت عال وقوي: إن هذا التدخل الحربي الذي يمتد ويتواصل ليس قانونياً ولا مشروعاً. فهو تدخل غير قانوني لأن قرار الأمم المتحدة وضع هدفا محددا ومتواضعا ومقبولا عند الاقتضاء، ألا وهو حماية السكان المدنيين من قمع دموي محتمل، (أقول محتمل)، من قبل معمر القذافي، في صراع داخلي بين الأمة الليبية. والحال أنه، من خلال انزلاقات متتالية، تواطأت فيها أغلبية الصحافة والطبقة السياسية تواطؤاً فاضحا، سرعان ما غيّر التدخل طبيعة مهمته، وأعطى لنفسه هدفا هو الإقصاء السياسي، بل وحتى الجسدي (وهو ما حدث مع أحد أبنائه) لقائد الدولة الليبية، مناقضا بذلك التفويض القانوني الأصلي، تناقضا جذريا.
ومع تغيّر الهدف، تغيرت الوسائل: لم يتم الاكتفاء بشل المجال الجوي، وإنما تم أيضاً التدخل المباشر أو غير المباشر على الأرض (دعونا من النفاق!). وتحت ذريعة تفادي ارتكاب مجزرة ممكنة، قمنا نحن أنفسنا بارتكاب مجازر حقيقية ضد السكان المؤيدين لمعمر القذافي: هل ثمة تمييز بين الأموات؟
وفضلاً عن ذلك، ورغم اتفاق الأمم المتحدة المبدئي، فلست أرى أي شرعية حقيقية في ما نعتقد أننا نبرره بحقّ تدخلٍ عسكري لا يملك أي صفة رسمية، وتتغير تكتيكاته التي تدعي الكرم والسخاء باستنادها لمبدأ حقوق الإنسان، تغيّراً غريباً. ولأن الدول تظل ذات سيادة، إلى أن يثبت العكس، فإن التدخل على نحو ما يجري في ليبيا (وأيضا في أفغانستان، وبالأمس في العراق) يعد خرقا لمبدأ أساسي يمنعنا من أن نقرر بالنيابة عن الشعوب، حتى عندما يكون النظام السياسي الذي يحكم هذه الشعوب يحرمها من سيادتها بسبب غياب الديمقراطية.
إن الشعوب هي التي يتعيّن عليها أن تبلور مصيرها الوطني، وليس للغرب الحق في أن ينصب نفسه شرطياً للعالم، حتى وإن كنا نتمنى أن يعمّ نموذجُه السياسي (ولا أقول الاقتصادي) الكرة الأرضية تدريجيا. أما الذي يُثبت بالفعل صفة النفاق في حق هذا التدخل، فهي الكيفية المنحازة كليا، والتي يتم وفقها تطبيق هذا الحق: ما الذي يمنعنا إلى الآن من أن نتدخل في سورية أو في غيرها من البلدان، حيث الدكتاتوريات الشرسة ما تزال تقمع شعوبها؟ وما الذي ينتظره برنار هنري ليفي، الناشط كثيراً في هذا المجال، لكي يطلب التدخل في بلده الصديق، المغرب، حيث لا يرى بتاتا ما يجري فيها من خرق للحريات؟
نرى إذن أن المبادئ الكبرى المطروحة تخفي وراءها المصالح الاقتصادية، مثل تأمين الوصول إلى البترول، أو المصالح الجيو-استراتيجية، كوجود فرنسا والقوى الغربية في هذه المنطقة من العالم التي قد تطفو كموضوع تاريخي مستقل، والتي قد تفلت في النهاية من الهمينة الاستعمارية الجديدة بدون أن يغضب أحد من ذلك. وأخيراً، أي نفاق هائل آخر في اكتشاف ألوان الظلم الفظيعة التي ترتكبها معظم الأنظمة العربية ضد شعوبها، فيما كنا قبل عام فقط، قبل الأحداث الأخيرة، لا نكتفي بالتظاهر بأننا لا نراها، وإنما كنا نكيل المديح لهذه الأنظمة، وندعمها بلا حياء، وبالوسائل الممكنة كافة.
هنا تظهر حسابات ساركوزي السياسية، هذا الرئيس الذي يفعل ويقول كل شيء ونقيضه، على خلفية من الطموح الشخصي المتعاظم. وكان قد أطرى على القذافي إطراءً هائلا في إطار سياسته الأفريقية، وهو يفكر أيضا في بتروله. وها هو ذا يحوله إلى طاغية دموي يطفو فجأة من تحت المياه، لكي يمنح نفسه الحق في تصفيته. وفوق ذلك، فهو يتظاهر بتجاهل تعقد الأزمة الليبية التي بدأ بعض المراقبين، وهم في ازدياد الآن، يشعرون بها. فهناك البعد العشائري والقبلي للصراع، وطابع الأقلية الذي يميز الثوار، ووجود عناصر بينهم ليست دوافعها دوافع ديقمراطية واضحة، وهي كلها عوامل تقتضي الحيطة والحذر كلما تعلق الأمر بالانحياز إلى جهة معينة انحيازاً أخلاقيا وسياسياً.
إن ما يظل أمرا بديهيا، أن رئيسنا يسعى لأن ينسينا تواطؤه الأخير مع القائد الليبي، ويحاول أن يلمّع صورته العامة استعدادا للعام 2012. وينطبق سلوكه العام بالضبط على سلوك "الداعية السياسي"، كما كان يصفه كانط، "الذي يبتكر أخلاقية تسير وفق مصالح رئيس الدولة". ونحب كثيرا أن يتذكر الناس الذين يدعمونه دعما أعمى أن العكس هو الذي يفترض أن يكون، حيث على الأخلاق في مكتسباتها الشمولية أن تتحكم في السياسة، وأن تدين كل من يخترقها، ابتداء من الاستعمار الجديد الذي تغوص فيه فرنسا.


*فيلسوفة فرنسية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: La France, puissance coloniale

[email protected]