يخزي العين!!

يخزي العين عليه: شاب مشبشب، له قوام قوي، وكتفان تتحديان الصخر.. فلماذا يمد يده ويكسر روحه، ويدفن ما تبقى من مروءة في سبيل التسول، وفي سبيل الحصول على حفنة من مال بلا جهد ولا تعب ومن دون ذرف قطرة عرق؟!اضافة اعلان
كثيرا ما تحدثنا عن التسول كظاهرة لا حضارية تجتاح مجتمعنا بطريقة مستفزة ومنفرة، وتطرقنا مرارا وتكرارا لضرورة تعاظم كافة الجهود وتوحيدها للقضاء على هذه الوظيفة المربحة التي يمتهنها كثيرون.. ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي!!
اللافت في الأمر، والذي يجعلنا نعيد إثارة الموضوع من جديد، هو أن الظاهرة تتضاعف بشكل هائل، في مقابل أن محاربتها تقل رغم التصريحات التي نسمعها باستمرار من الجهات المعنية عن محاسبة هؤلاء المتسولين والحد من انتشارهم.
التسول يزداد، لدرجة أصبحنا فيها نكره لحظة الوقوف على الإشارة الضوئية التي يتجمع حولها أعداد كبيرة من المتسولين الذين يبدأون بطرح الديباجة المعهودة والمملة، والتي حفظناها عن ظهر قلب.
أحيانا نحاول أن نتذاكى قليلا، فنجعل بيننا وبين الإشارة الضوئية مسافة صغيرة، كي تتيح لنا الهروب أمتارا قليلة للأمام كلما اقترب منا أحد المتسولين الذي يصر على ملاحقتنا.. لكن تفشل خططنا، ويزيد إصراره و"مجاكرته" لجني ما يريد.
ثمة شباب متسولون ومستفزون يقفون على شباك السيارة بقصد ترويج بضاعة يعرفون أنها لا تلزم، وحينما ترد بضاعتهم، يرددون أسطوانة واحدة هي الرجاء والاستغاثة وطلب المعونة، لا تخلو من الحاجة لثمن فطور لإخوانهم الأطفال، وحليب للرضع، وإيجار البيت المتراكم، وفاتورة الكهرباء، وتدفئة المنزل، وثمن أدوية الأمراض التي تغزو أجسادهم، وغيرها من المآسي غير المنتهية لديهم.
هم لا يريدون بيع بضائعهم، لكنهم يحملون منها ما خف وزنه مقابل مال كثير، سيأتي بطرقهم المعهودة، فهم يلبسون ثياب المتاجرة ليخفوا تحتها ثياب التسول.. "الله يوفقك خلينا نستفتح من هالوجه الحلو" هكذا يبدأ الترويج!.
الظاهرة بدأت تزداد وتأخذ منحى التعود من قبل هؤلاء الشباب الذين أعجبتهم فكرة الحصول على النقود بأقل جهد ممكن، والاعتماد هنا يكون على لسانهم "الخبير" باختلاق القصص المأساوية والمحزنة، وبازديادها تزداد الغنائم.
وتصل الأمور أحيانا لأن تكون الظاهرة منظمة، فتتقاسم الشلة المتسولة ما تحوز عليه من الإشارات وساحات المولات بينها، ما يجعلها أكثر تنظيما وأصعب مكافحة.
يتفننون بتصيد الزبائن المحليين، ولا يسلم منهم السياح وأصحاب السيارات التي تحمل لوحات دول عربية، فيقفون أمام شباك سيارة على طول مدة فتح الإشارة، ويبدأون بشرح ظروف تبدو من ملامح وجههم أنها كارثية، حتى يحصدوا المال.
إنهم جيش شباب عاطل عن العمل، يغزو الإشارات والمولات والساحات، يبحث عن عمل سهل يأتي بمال كثير بطرق تسيء للمجتمع، والجهات المعنية تقف مكانها، وتتركه مكانه في الشوارع يبتكر أنماطا جديدة في التسول، بدلا من أن يكون ببيوت العمل والعلم والمهن.
ظاهرة التسول فيها تخريب للمجتمع بمظهرها البعيد عن الإنسانية، لذلك يجب أن يكون هناك توجه حكومي حقيقي لمواجهتها ومحاربة كافة أشكالها، فضلا عن أهمية وجود تكاتف مجتمعي من قبل المدارس والجامعات والأسر، والأفراد بعدم الشفقة على المتسولين ومنحهم المال، وإن كانت حيلهم تضرب على وتر العاطفة.
وقبل ذلك وبعده، فإن التسول يروي حكاية فشل ذريع تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات التابعة لها والمتعاونة معها. فهل ترضى الوزارة بهذا المشهد الآخذ في النمو. وهل تفسر لنا كيف يسرح ويمرح أولئك المتسولون ويتكاثرون في كل مكان كالفطر البري.؟!

[email protected]