راتب العوضات.. أرعب المنافسين لاعبا وكسب احترامهم مدربا

مصطفى بالو

عمان - بكته أزقة مخيم حطين، المكان الذي ولد وعاش فيه ولعب في ناديه، ونثر رفاق دربه الدموع على شريط الذكريات، الممتد كسرب “النوارس” الحزينة، منذ الثمانينيات حتى يومنا هذا في سماء عمان ومحافظاتها، إنه نجم المنتخب الوطني والفيصلي السابق راتب العوضات، الذي وافته المنية صباح أمس بعد صراع طويل مع المرض.اضافة اعلان
لعب العوضات لفريق مخيم “شنلر”، ليصطاد الخبير الراحل مظهر السعيد الذي كان مدربا للفيصلي، موهبته في العام 1988، حيث لعب إلى جانب “عتاولة” في صفوف “الموج الأزرق”، وشارك زملاءه الفوز بكؤوس وألقاب لا تنسى.
تقدم العوضات ضمن كتيبة “النشامى” منذ العام 2001، باعتباره البوابة الدفاعية العصية على اللاعبين في الطرف الأيمن، وودع المستطيل الأخضر لاعبا بعد مشاركته رفاق دربه الظهور التاريخي للمنتخب الوطني في نهائيات كأس آسيا بالصين العام 2004، ليبقى يداعب أحلامه كمدرب في حضن ناديه “الأم”، فتم تعيينه مديرا فنيا للفئات العمرية والفريق الأول، وعاش تجربة ثرية في عدد من الأندية المحلية.
“الضبع” العوضات، المعروف بقتاليته وفدائيته وشراسته مدربا ولاعبا، لم يمهله المرض العضال طويلا، وهو الذي خصته المكرمة الهاشمية، وأرسلته في رحلة علاج تقديرا لتاريخه الناصع في خدمة الكرة الأردنية، إلا أن الحكم الإلهي نفذ، لينزل خبر وفاته أمس الجمعة عن عمر يناهز الـ50 عاما، كالصاعقة على قلوب الأردنيين، الذين نعوه بالدموع والدعاء إلى الله عز وجل، أن يرحمه برحمته الواسعة، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله الصبر والسلوان.
العوضات.. مسيرة حافلة
هي مسيرة تحد رائعة، خاضها على أرض المستطيل الأخضر، رسم خلالها طريقا لأحلامه الكبيرة، متمردا على صعوبات جمة، وهو المعروف بعشقه الكرة في حارته في “شنلر”، ومرافقا لأشقائه في فريق الحارة كأصغر لاعب، والأكثر عطاء في الميدان، لتأخذه أقدامه إلى الوحدات المدشن بالنجوم، ولم يلبث ينفض غبار الإحباط، حتى استقطبه مظهر السعيد الذي أعجب بقدراته، ليقوده إلى صفوف “الزعيم”.
ورغم أنه وقف إلى جانب أسماء رنانة، اعتاد أن يسمع عنها أو يراها على شاشة التلفاز، سرعان ما ثبت العوضات قدميه في خيارات المدربين على الطرف الدفاعي الأيمن، وأحيانا كان ينتقل إلى خط الوسط في الطرف ذاته، حتى غدا “الجوكر” في خيارات المدربين، بفضل إبداعاته وفدائيته وقتاليته لا سيما الرواق الدفاعي الأيمن.
وفتحت أبواب المجد أمام الفتى القادم من زقاق المخيم، ليلمع بريق الكؤوس في مختلف المسابقات المحلية، حيث شارك العوضات الفيصلي التتويج بلقب الدوري في الأعوام 1988، 1989 ،1990، 1992، 1993، 1999، 2000، 2001، 2002 ،2003، ولقب كأس الأردن في الأعوام 1989، 1992، 1993، 1994، 1995، 1998، 1999، 2001 ، 2002، 2003، 2004، ودرع اتحاد الكرة في الأعوام 1991، 1992، 1997 ،2000، وكأس الكؤوس في الأعوام 1993، 1994، 1995، 1996، 2002 ،2004، 2006، إلى جانب صولات وجولات عربية، يبرز منها الظهور المشرف والظفر بوصافة بطولة الأندية العربية والنخبة العربية، وطبع قبلته على اللقب الآسيوي الأول – كأس الاتحاد الآسيوي - في العام 2005.
رحلة وطنية مشرفة
ودافع “الضبع” عن ألوان المنتخبات الوطنية، لا سيما المنتخب الأولمبي والمنتخب الوطني الأول منذ أواخر التسعينيات إلى أن اعتزل الكرة في مباراة دولية احتفالية وداعية أمام لبنان في الثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) العام 2008، وهو الذي يحمل في تاريخه الكروي الوطني 34 مباراة دولية.
وكانت أبرز محطاته مع “النشامى”، تحت قيادة المدير الفني الراحل المصري محمود الجوهري، ومشاركته مع زملائه في المنتخب الوطني، الظهور المشرف للكرة الأردنية في نهائيات آسيا التي أقيمت بالصين 2004، عندما خرج المنتخب الوطني بفارق ركلات الترجيح أمام اليايان بالدور ربع النهائي، فضلا عن مشاركات في بطولات عربية وقارية (غرب آسيا) خلال تلك الفترة، وترجل عن صهوة عطائه لاعبا فذا تاركا إرثا كرويا يشار له بالبنان داخل المستطيل الأخضر.
المدرب المجتهد
وبعد أن ودع الراحل العوضات المستديرة، اتجه إلى عالم التدريب، آخذا بنصيحة أستاذه الراحل مظهر السعيد، وتسلح بأعلى الشهادات من خلال خوضه العديد من الدورات تحت قبة اتحاد الكرة آسيويا ودوليا، وعاد حيث يرف قلبه ويحن إلى ناديه الأم الفيصلي، ليتولى مهام التدريب والإشراف على قطاع الفئات العمرية، وتواجد ضمن أكثر من جهاز تدريبي لفريق الكرة الأول، إلى ان اشتهر بالمنقذ بين جماهير الفيصلي، لا سيما عندما تسلم مهمة تدريب الفريق في ظروف صعبة 2011-2012، وقاده للفوز بلقب الدوري وكأس الأردن.
وتحامل العوضات على نفسه في الموسم الأصعب على الكرة الأردنية - الموسم 2020- وآثر البقاء رغم تعبه ومرضه قبل أن يترك منصبه ليتفرغ لرحلة علاجه.
يملك الراحل العوضات سجلا تدريبيا محليا كبيرا منذ العام 2011، حيث أشرف على تدريب الفيصلي في أكثر من مرة، كما تولى تدريب العديد من الفرق المحلية، مثل البقعة، ذات راس، الشيخ حسين، وخاض تجربة احترافية في تدريب فريق الفيحاء السعودي.
“أحن إلى قبر أمي”
كتب الراحل راتب العوضات وصيته الأخيرة إلى أهله ومحبيه، ورددها شفهيا من بقي بقربه في رحلة علاجه، قائلا:” إذا أخذ الله أمانته، وانتقلت الى جوار الرفيق الأعلى، إدفنوني بجانب قبر أمي في المخيم”، وهو ما ينوي تنفيذه أشقاؤه وأهله وجيرانه ومحبوه، الذين سيشاركون في تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في المكان ذاته.