الزواج المائع

يصف الكاتب والمفكر البولندي زيجمونت باومان الأثر التي تركته الحداثة على العلاقات البشرية بـ"الحداثة المائعة" التي أدت إلى تفكك المؤسسات الاجتماعية بما فيها مؤسسة الزواج لصالح الانعزالية والتوحد والثقافة الاستهلاكية. أورد باومان في كتابه الحب المائع Liquid Love” " أن العلاقات الإنسانية بما فيها علاقات الصداقة والحب والزواج أصبحت خفيفة وسائبة يسهل الدخول فيها كما الخروج منها، كما ذهب في واحدة من آخر مقابلاته الصحفية إلى أن الأشخاص غالبا ما ينشغلون مبكرا بعد الدخول في رابطة زواج بالتساؤل فيما إذا سيكون من السهل الخروج منه، وهو ما يجعل هذه الرابطة والعلاقة هشة إذ أنه من المفترض أن يؤدي التقاء شخصيتين مختلفتين، لكل منهما طباعه وعاداته وتفضيلاته، إلى أن يجلسا للتفاوض للوصول إلى حلول وسط تبقي على هذه العلاقة، إلا أن ما بدأنا ملاحظته مؤخرا هو استسهال الناس للطلاق الذي أصبح أمرا مستساغا وروتينيا دون أي محاولة لتجنبه وخاصة ان معظم حالاته تحصل خلال سنة الزواج الأولى. أورد هذه المقدمة بين يدي الأرقام المفزعة التي طالعتنا الأسبوع الماضي حول أعداد حالات الطلاق في الأردن والتي بلغت حوالي 26 ألف حالة في السنة أي بمعدل 72 حالة يوميا وهو رقم مفزع بكل المقاييس ويتطلب الوقوف عنده والبحث في أسبابه من قبل المختصين كي لا نصحوا على كارثة بدأت ارهاصاتها تلوح في الافق. لقد شرع ربنا سبحانه وتعالى الطلاق درءا للمفاسد التي قد تترتب على استمراره وكـ"مخرج حريق" عندما يصل هذا الزواج إلى حائط مسدود ويصبح استمراره متعذرا، لكنه وضع له الضوابط التي تحول دون تحوله إلى أُلعوبة أو نزوة. في عالم حلَّ فيه الافتراضي مكان الحقيقي وأصبح جمع الاصدقاءعلى بعد "كبسة زر" على مفاتيح كيبورد حواسيبنا، وفرط عرى صداقتهم على بعد "بلوك"، أصبح الناس يستسهلون الدخول والخروج من العلاقات الاجتماعية في حالة اختلط فيه الافتراضي بالواقعي، وأصبحنا نستعيض فيه عن الأصدقاء الحقيقيين بالأصدقاء الافتراضيين وعن العلاقات الحقيقية بحلوها ومُرها بالعلاقات السطحية والعابرة وذات التكلفة المنخفضة. لقد داهمنا النمط الاستهلاكي للحياة، بوجباته السريعة وقهوته سريعة التحضير وطبه الافتراضي وطلبات الشراء عن بعد على حين غرة فسلمنا له قيادتنا ومفاتيح حياتنا دون أدنى مقاومة، وما هذه الظواهر الاجتماعية التي بدأنا نشهدها الا مقدمات لحصاد مر.اضافة اعلان