"العدل الدولية".. أقل من المأمول!

كم كانت جريئة، وواضحة، عندما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها المتعلق بوقف إطلاق النار، فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، بشكل لا لُبس فيه، وبلا أي مواربة، بينما كانت عكس ذلك تمامًا، بشأن حرب همجية ترقى إلى إبادة جماعية، تُرتكب فيها مجازر ضد الإنسانية، شنتها وما تزال دولة الاحتلال الصهيوني ضد المدنيين العُزل في قطاع غزة، المُحاصر أصلًا منذ العام 2005.

اضافة اعلان


لست خبيرًا قانونيًا، كي أخوض بمصطلحات وحيثيات ومآلات قرار المحكمة، بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، الذي اتخذته يوم الجمعة الماضي، إذ أن المُختصين القانونيين أشبعوه شرحًا وتفصيلًا وتمحيصًا، لكن سأتطرق في هذه العُجالة إلى آلية تعامل دول العالم المُتحضر التي تدعي الحُرية، بما فيها محاكمها ومؤسساتها ومُنظماتها، وكيف تكيل بمكيالين.


وللإنصاف، والذي يُعتبر سابقة في تاريخ «العدل الدولية»، أنها أول مرة تقبل بدعوى أو شكوى مُقامة ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما أن الدعوى التي أقامتها دولة جنوب أفريقيا، قد تفتح الباب، أو أنشأت مدخلًا، احتمالية تكراره في قابل الأيام وارد جدًا وبقوة، من أجل مُحاكمة الاحتلال الإسرائيلي وقياداته، أو على الأقل رفع دعاوى جديدة ضده في هيئات دولية، خصوصًا أن المحكمة أكدت أحقيتها باتخاذ تدابير ضد الاحتلال بجريمة الإبادة الجماعية، الأمر الذي يُشكل مُستقبلًا، إحراجًا لتلك الدول التي تدعم الكيان، بشكل علني.


وعلى الرغم من أن «العدل الدولية»، أمرت «إسرائيل منع ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. وبذل المزيد من الجهود لمُساعدة المدنيين»، في قرار يوحي بأنه اتخذ على استحياء، إذ لم تُأمر بوقف إطلاق النار، كما فعلت مع روسيا، إلا أن هناك خبراء أفادوا «بأنه مُقدمة لإيقاف الحرب، فمنع ارتكاب إبادة جماعية يتطلب وقفًا لإطلاق النار، وذلك ينطبق تمامًا على إدخال المُساعدات الإنسانية».


تلك المُطالبة الأولى، التي لم تبت فيها المحكمة، وتركت الباب مواربًا، لحاجة في نفس مؤسسيها، من أصل ثلاث مُطالبات أساسية دفعت بها دولة جنوب أفريقيا، فالمطلب الأول يتعلق بإدانة «صريحة» للكيان الغاصب لارتكابه جرائم إبادة جماعية.. وللأمانة الموضوعية فإن الفصل بذلك يستغرق أعوام عدة، أما الثاني فيتضمن عودة أهالي غزة إلى مساكنهم، فإن المحكمة لم تتطرق إليه.


الخشية الآن أن يتسرب اليأس وعدم الثقة بمحكمة دولية، سجلت سابقة ضد الكيان الصهيوني، فقد يتبادر إلى البعض أن القضاء الدولي، الذي يُفترض بأنه مُستقل ونزيه، يكيل بمكيالين، ويُحابي طرفا غاصبا ومُحتلا على حساب آخر ضحية، وأن بعض قراراته لا شك بأنها «مُسيسة».. وإلا فما معنى أن تُطالب روسيا بوقف إطلاق النار، ولا تُقدم على ذلك عندما يتعلق الأمر بفلسطين وغزة.  


ثم أن لا أحد يعرف معنى قول «العدل الدولية» «إن على إسرائيل أن تتوقف عن أي إجراء يُمكن أن يؤدي لأعمال إبادة للجنس البشري».. فهل هذا يعني تحريم القتل الجماعي، وتحليل القتل الفردي!، ناهيك عن أنها لم تُصدر قرارًا يُلزم الاحتلال بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.


نقطة أُخرى، المحكمة، التي لا تملك ذراعًا تنفيذية لقراراتها، لم توضح أو تُفند كيف ستُجبر الاحتلال الإسرائيلي على تقديم تقرير مُفصل بكل الإجراءات المتخذة من قبلها، خلال شهر؟، فالصهاينة تاريخيًا لا يلتزمون بالقرارات الواضحة والصريحة، ويضربون بها عرض الحائط، فما بالك بتلك التي تحتمل أكثر من تأويل واجتهاد وتفسير!.. والخوف من أن يستغل الكيان، ذلك الوقت المطلوب لتنفيذ قرارات المحكمة، لإنهاء مهامه القذرة في غزة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا