بيع الوهم!

عشرات آلاف الحسابات على السوشال ميديا تداعب أحلام الشباب العربي المتعطل، لتشرح لهم الطرق المختصرة لتحقيق لقب "مليونير"، من دون أن يغادروا فراشهم. إنه تدليس، وبيع أوهام.

اضافة اعلان


الظاهرة ليست عربية، بل هي ظاهرة عالمية أفرزتها ثورة الاتصال الحديثة، وساهمت في تنميتها الظروف الاقتصادية التي تمر بها دول العالم، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب الذين باتوا يتشبثون بأي شيء لكي ينشلوا أنفسهم من غول البطالة.


"سوق السوشال ميديا" باتت غريبة جدا، فهي مليئة بـ"تجليات" كثيرة لعقول تفتقت عن كيفية ممارسة الكذب والخداع والتدليس، ففي الوقت الذي لجأ فيه بعضهم إلى فيديوهات تدريبية على كثير من البرامج والمهارات، وهو أمر جيد ومفيد، اختص آخرون ببيع الأوهام، وكيف أن الشاب يمكن له أن يصبح مليونيرا من دون أن يخرج من باب غرفته، في تكريس لظاهرة الانعزال والانسحاب من النشاط الاجتماعي، ما سيؤدي بالتأكيد إلى تراجع في مهارات التواصل لدى أولئك الشباب، وهي ضرورية لكي يتمكنوا من تسيير حياتهم، وتطوير آليات اكتساب معارف ومهارات جديدة باستمرار.


لكن الأمر يأتي بعكس ذلك تماما، فمن خلال الترويج الكثيف لأنماط الأعمال الجديدة، يتم العمل على "تصنيع" أجيال جديدة سلبية وكسولة وواهية الثقافة والمعرفة، ولا بد أنها ستفقد خصائصها الاجتماعية المميزة تدريجيا، إضافة إلى خسارتها أمورا أساسية في آليات عمل الدماغ واكتساب المعرفة والمهارات، ما سيحول الجنس البشري، في المستقبل، إلى كائنات أقل ذكاء ومهارية، في عالم يشهد نهوضا مريبا ذكاءات في الآلة.


هذا الكلام لا يأتي للانتقاص من مبدأ العمل عن بعد، أو تقديم الخدمات إلكترونيا، بل يستهدف نقد الترويج للكسل، والذي يتمثل في جمل متشابهة يكررها أولئك المروجون، مثل: "ليس من الضروري امتلاك مهارة"، "ليس من الضروري اتقان اللغة العربية أو الإنجليزية"، "ليس بالضرورة معرفة مهارات العمل على برامج التصميم"، وغيره من بدع الاستسهال التي تؤدي إلى تعظيم الكسل البدني والفكري، من خلال التلويح بقدرة الشاب على تحقيق دخل مالي مريح من دون أي جهد، ما سيجعله اتكاليا بالتأكيد، ولن يبذل أي جهود لتطوير نفسه إلا في ما يتعلق بالمعرفة المحدودة للعمل على بعض التطبيقات والبرامج.


المروجون للوهم لا يكترثون كثيرا بما قد يحل بأجيال عديدة من الشباب الذين أغلقت أمامهم أبواب العمل والحياة، ولم يجدوا منفذا سوى تصديق أكاذيب محترفي البث الرقمي، والذين لا همّ لهم سوى حصد المشاهدات واللايكات، والتي تتحول في بعضها إلى "نقود شحيحة" لا تكاد تكفي لشيء.


قبل سنوات قليلة، حذر علماء من الثورة التكنولوجية التي نعيشها اليوم، من أنها تحمل إمكانيات التأثير سلبا على عقول البشر وترفع من مستويات الغباء. التحذير جاء ببحث علمي درس اعتماد الناس على التكنولوجيا في كثير من نواحي حياتهم، وخلص إلى أنه من الممكن التأثير على القدرات العقلية لديهم.


التحذير وقتها، لم يأخذ بالحسبان ما سيأتي لاحقا من تطورات هائلة في الذكاء الاصطناعي الذي تطلب منه فعل أي شيء فيجيبك طائعا. ولا أدخل في الدراسة التأثيرات السلبية لـ"دكاكين الوهم" والتي سوف تؤدي، بالضرورة، إلى توسيع دائرة الخطر. فهل سنبقى نصدق أولئك الكاذبين؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا