رؤساء أميركا لا يحكمون ولا يقررون

هناك الكثير من المتابعين، يراقبون عن كثب وباستمرار، نتائج استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصًا تلك التي تتعلق بالانتخابات الرئاسية، إذ أظهر آخر استطلاع لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أجرته في التاسع من الشهر الحالي، تفوق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بأربع نقاط، على الرئيس الحالي جو بادين.

اضافة اعلان


بداية، ولكي يكون القارئ على دراية وعلم، فإن الولايات المتحدة الأميركية تحكمها مؤسسات وإدارات بعينها، من خلال ما بات يُطلق عليه «الدولة العميقة»، بعيدًا عن شخص الرئيس أو عقيدته أو اتجاهاته أو برنامجه الانتخابي.. فعلى سبيل المثال، فإن الاستطلاع الأخير لم يتطرق أبدًا إلى السياسة الخارجية، لكلا المرشحين (ترامب، بايدن)، واقتصر فقط على نواح اقتصادية وأُخرى مجتمعية.


أستغرب من أولئك الذين يتابعون الاستطلاعات الأميركية أو حتى الانتخابات الرئاسية هناك، فالرئيس لا يحكم ولا يُقرر بما يمليه عليه برنامجه الانتخابي، أو حتى ضميره، وإن كان الأخير غير موجود في قاموس من يحكمون الولايات المتحدة، فالقضايا المفصلية يبت فيها إدارات ومؤسسات، في غاية الأهمية، تكون خلف الكواليس، بعيدًا عن أعين الصحافة والإعلام.


وما يؤكد صحة هذا القول، أن استطلاع «وول ستريت جورنال»، لم يتطرق أبدًا إلى سياسة الرئيس بايدين الخارجية، على الرغم من أنها متواطئة على أكثر من جهة، في دعم ومُساندة ومُساعدة الصهاينة، الذين يرتكبون مجازر جماعية وتطهير عرقي في قطاع غزة.. إلى جانب الصفقة العسكرية الأخيرة، والتي تضمنت 14 ألف طلقة دبابة عيار 120 ميلليمترًا، ومعدات ذات صلة بقيمة 106.5 مليون دولار إلى الكيان الصهيوني، حيث اكتفت وزارة الخارجية الأميركية ببعث إخطار بسيط إلى «الكونغرس»، تُخبرها بذلك.


وللعلم، فإن تلك الصفقة تمت وسط رفض الجمهوريين طلبًا لإدارة بايدن بإقرار مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل، وكذلك وسط انقسام في صفوف الديمقراطيين بشأن استخدام أسلحة أميركية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة.

 

وبحجة الأمن القومي الأميركي، فإن اليهودي وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، يُصرح وبأعلى صوته بأن مُصمم على الطلب من «الكونغرس» بالمضي قدمًا لتنفيذ الصفقة الكبرى، والتي تتضمن 45 ألف قذيفة لدبابات «ميركافا» الإسرائيلية، بقيمة تصل لنحو 500 مليون دولار.. وهذا يؤكد من جديد أن الصفقة ماضية في طريقها إلى التنيفذ، أوافق أم لم يوافق «الكونغرس».


فلا يغترن أحد، أو يتغنى، بأن لدى الولايات المتحدة، مؤسسات ديمقراطية يتم الرضوخ لقراراتها، وتمتلك القوة الكافية لتنفيذها.. ذلك كذب وافتراء، ولذر الرماد في العيون، وفي حال وجدت فهي عبارة عن «صورية»، بلا أي معنى أو قوة.. وللأمانة الموضوعية فقد تمتلك بعض القرارات قوة عندما تخص قضية مجتمعية محلية، لا تتعدى قطاعات الصحة والتعليم والنقل!.


ليس هناك أي داع، لعقد آمال وأمنيات على فوز ترامب على بايدن، أو العكس، أو حتى شخص ثالث، فهؤلاء الرؤساء جميعًا، بلا استثناء، لا يستطيعون فرض قرارهم، أو على الأقل وجهة نظرهم، إلا بعد مرورها على تلك الإدارات التي تتبع «الدولة العميقة»، وفي حال مرورها، فإنه حتمًا سيتم تعطيلها، بشتى الوسائل، في حالت كانت ضد أهداف أو مخططات هذه الإدارات.. ولنا في اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي، بـ22 تشرين الثاني 1963، أكبر دليل على ذلك.


فتلك الإدارات مسؤولة تمامًا عن شن الحروب، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات أو هندستها بمعنى أصح، وكذلك اتخاذ القرارات المصيرية التي تؤثر على الأمن القومي الأميركي، لا تقيم وزنًا ولا تُلقي بالًا لمؤسسات ديمقراطية على غرار «الكونغرس».. ويصل الأمر بتلك الإدارات إلى إحداث الفتن والأزمات، في مناطق ودول، بحجة أنها «مصلحة أميركية»، ناهيك طبعًا عن دعم دول وتقويتها على حساب أُخرى.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا