واشنطن وبكين ولعبة النفوذ

خالد دلال لعله الخبر الأبرز حول العالم وما يزال، ومفاده: التوتر وتراشق التصريحات بين واشنطن وبكين بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، المثيرة للجدل لتايوان والرد الصيني الذي جاء على شكل مناورات عسكرية مبالغ بها قرب الجزيرة، كما ترى الولايات المتحدة والحلف الأطلسي من خلفها. وفي الوقت الذي ما تزال واشنطن تدعو بكين للهدوء، ترى الأخيرة أن ما قامت به الأولى هو عمل استفزازي صارخ وانتهاك لوحدة أراضي الصين التاريخية يهدد الوضع القائم منذ سنوات. والسؤال الأهم بعد ما حدث: هل سيزداد التصعيد جراء ذلك، وبالتالي تُقرع طبول الحرب؟ والجواب، حسب تقدير الحال: لا، وذلك ببساطة لأن واشنطن وبكين أذكى من أن يتورط أحد منهما في ذلك لاعتبارات عديدة، أهمها أن البعد الاقتصادي والمصالح بين البلدين، بتريليونات الدولارات، أكبر من أن يؤدي نزاع حول مستقبل جزيرة تايوان إلى صراع لن تنجو البشرية منه بسهولة إذا ما اندلع. الأمر برمته، على ما يبدو وكما يرى البعض، أن الولايات المتحدة، التي اهتزت صورتها دوليا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تود توجيه رسائل لحلفائها أنها ما تزال قادرة على لعب دور شرطي العالم. لكن ما قامت به واشنطن لن يمر مرور الكرام من قبل بكين، التي من المرشح أن تحمل الأيام المقبلة تصعيدا منها قد يكون على شكل تقارب أكبر مع الجار الروسي، الذي سيرحب ويستغل ذلك إن لم يكن قد بدأ بالفعل. وقد تكون واشنطن قد قدمت لموسكو هدية لا تقدر بثمن بزيارة بيلوسي. فروسيا بأمس الحاجة للصين في وجه الغرب، وها هي واشنطن تقدم الأمر لها على طبق من فضة. وفي الحديث عن التداعيات، فها هي الصين تفرض عقوبات اقتصادية على تايوان، وتعلن الأمر كذلك على رئيسة مجلس النواب الأميركي نفسها، إضافة إلى إعلان وزارة الخارجية الصينية عن سلسلة إجراءات لوقف التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات عدة، ومنها تعليق المحادثات الصينية الأميركية حول التغير المناخي، وهذه طامة كبرى. الخلاف مرشح للتصعيد خلال الأيام المقبلة، وقد يكون هناك نوع من التضييق أو الحصار الاقتصادي الصيني على تايوان، وما يحمله الأمر من اضطرابات محتملة في أحد أهم الممرات المائية في العالم، وهو مضيق تايوان وتأثير ذلك على سلاسل التوريد العالمي. ومع كل ما تقدم، فمن المتوقع أن يستمر ضبط النفس سيد الموقف، ولن ينجر الطرفان إلى صراع مباشر، لكن الصين لن تقبل الاستهانة بها مستقبلا والتعامل معها على أساس أنها الأضعف في مسألة تايوان، وهذا ما على صناع السياسة الخارجية الأميركية فهمه. فمن مصلحة الجميع إبقاء الوضع الراهن على حاله خدمة للبشرية المرهقة أصلا بفعل عامين ويزيد على وباء كورونا وحرب روسية أوكرانية لا يعلم أحد كيف ستنتهي، وقد ضربت فعلا سوق الحبوب العالمي وأثرت سلبا وبشدة على عمليات التوريد. الصين دولة عظمى، كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، بناتج محلي إجمالي بنحو 18 تريليون دولار، وهي الأكبر سكانا على مستوى المعمورة (1.45 مليار نسمة)، وهي من الدول التي تؤمن بالحكمة الدبلوماسية في تصرفاتها. والحكمة هي أكثر ما يحتاجه العالم، وهي ما يتطلب من الولايات المتحدة إرسال تطمينات جدية للصين خدمة لمصالحها أولا وللبشرية ثانيا. ومن ذلك مثلا، إبقاء حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس رونالد ريغان" بعيدة عن المنطقة قدر الإمكان تجنبا لبث رسائل خاطئة. على جميع الأطراف الإيمان بالسلام لحل مشكلة تايوان، ولعل لنا عبرة في قول أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين: "لم يكن هناك أبدا حرب جيدة أو سلام سيئ". المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان