‏لماذا تقف أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مع فلسطين‏

‏متظاهرون يحتجون ضد الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة خارج السفارة الإسرائيلية في سان سلفادور، 14 تموز (يوليو) 2014 - (أرشيفية)‏
‏متظاهرون يحتجون ضد الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة خارج السفارة الإسرائيلية في سان سلفادور، 14 تموز (يوليو) 2014 - (أرشيفية)‏

روجر هاريس*‏ - (ذا بالستاين كرونيكل) 15/12/2023

 

اتخذت بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مع القليل جدا من الاستثناءات التي تمكن ملاحظتها، ‏‏موقفًا منتقِدًا لحملة الإبادة الجماعية‏‏ الإسرائيلية المستمرة في غزة.

اضافة اعلان

 

وربما عبّرت هذه البلدان أكثر من ‏‏أي منطقة أخرى‏‏ عن ‏‏تضامنها مع فلسطين‏‏.

 

ويدرك معظمها أن الشراكة بين الإمبريالية الأميركية والصهيونية الإسرائيلية لا تنطبق على فلسطين فقط، وإنما تنطبق أيضًا على دور إسرائيل كمصاحبة للهيمنة الأميركية في هذا النصف من الكرة الأرضية.‏


في تشيلي، أدان الرئيس غابرييل بوريك الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة. ويقيم أكبر عدد من السكان الفلسطينيين خارج الشرق الأوسط (وبشكل أكثر دقة غرب آسيا) في تشيلي.

 

وبالمثل، انضمت بليز وبيرو إلى إدانة إسرائيل. وفي الوقت نفسه، قطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، في حين استدعت هندوراس وكولومبيا سفيريهما لديها.‏


وكانت كوبا قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل في العام 1973 وفنزويلا في العام 2009. وباستثناء بنما، تعترف جميع دول المنطقة تقريبًا بفلسطين.

 

كما أرسلت كل من البرازيل وكولومبيا وبوليفيا وتشيلي والأرجنتين وفنزويلا مساعدات إلى غزة. وحتى الأرجنتين، التي تضم أكبر عدد من السكان اليهود في المنطقة، انتقدت إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي عند بداية الأعمال العدائية.‏


‏وخاطب‏‏ صموئيل مونكادا، سفير فنزويلا لدى الأمم المتحدة، الجمعية العامة في اجتماعها الذي عُقد في 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، وكان مما قاله: "من المثير للاشمئزاز أن نرى كيف، على الرغم من الوحشية... تسعى حكومة الولايات المتحدة الأميركية والدول التي تدور في فلكها إلى تبرير ما لا يمكن تبريره".‏


كما دعت كوبا وإيران إلى تشكيل ‏‏تحالف عالمي‏‏ لحماية حقوق الفلسطينيين في 4 كانون الأول (ديسمبر)، وأشارتا إلى أن المجتمع الدولي فشل في وقف الإبادة الجماعية ‏‏التي تدعمها الولايات المتحدة في فلسطين‏‏.‏


‏وقبل شهر من هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي شنته "حماس"، كان الرئيس الكولومبي، غوستافو بترو، قد انتهز فرصة افتتاح دورة الأمم المتحدة للدعوة إلى بذل جهد عالمي موحد لتحقيق السلام في إسرائيل وفلسطين (إلى جانب أوكرانيا).‏


ومن المفارقات أن رئيس السلفادور، نجيب أبو كيلة، الذي هو من أصل فلسطيني، تميز في دعمه لإسرائيل بين رؤساء الدول الإقليمية.

 

وكان ذلك إلى أن تولى خافيير ميلي، المؤيد للصهيونية، رئاسة الأرجنتين بعد شهرين من اندلاع الاعتداءات الأخيرة.‏


‏أتباع مخلصون للمُهيمِن‏

 


‏كان انتقاد رئيس كولومبي لإسرائيل علنًا شيئًا لا يمكن تصوره إلى أن فاز غوستافو بترو بالرئاسة في العام 2022. وكان المقاتل السابق الذي تحول إلى سياسي في "حركة 19 أبريل" من يسار الوسط أول رئيس من جانب اليسار في تاريخ كولومبيا بأكمله.

 

وقبل بترو، كانت كولومبيا معروفة بأنها أقرب عميل لواشنطن في المنطقة، وأكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية، والشريك العالمي الوحيد لحلف شمال الأطلسي في أميركا اللاتينية.‏


في وقت سابق هو العام 2013، كان الرئيس الكولومبي آنذاك، خوان مانويل سانتوس، قد تحدث عن وضع بلاده باعتبارها المعادل الإقليمي للدولة الوكيلة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وأعلن أنه ‏‏فخور‏‏ بأن كولومبيا هي بمثابة "إسرائيل أميركا اللاتينية".

 

وفي واقع الأمر، كان لإسرائيل ‏‏دور واسع‏‏ النطاق كتابع للهيمنة الأميركية في كولومبيا. ولطالما كان الجيش الكولومبي والقوات شبه العسكرية الكولومبية المرتبطة باليمين متداخلة بشكل وثيق مع الدولة الصهيونية.‏


‏كانت "قوات الدفاع الذاتي المتحدة الكولومبية"، وهي عصابة لتهريب المخدرات تضم 10.000 إلى 20.000 مقاتل في ذروتها، واحدة من أكبر الجماعات ‏‏شبه العسكرية‏‏ في أميركا الجنوبية.

 

وقد استخدم الجيش الكولومبي الرسمي المتحالف مع الولايات المتحدة هذه المنظمة للقيام بعمله القذر ضد ‏‏الفلاحين‏‏ اليساريين والمنظمات العمالية.

 

وتلقت جيوش "قوات الدفاع الذاتي ‏‏المتحدة" التدريب على يد عملاء إسرائيليين‏‏. وحصل حوالي خمسين فردًا من كوادرها الواعدة على "منح دراسية" في إسرائيل.

 

وباع ‏‏مورد الأسلحة‏‏ الإسرائيلي "غيرسا" GIRSA الذي يعمل انطلاقًا من غواتيمالا بنادق الكلاشينكوف وذخائرها للقوات شبه العسكرية التابعة لـ"قوات الدفاع الذاتي المتحدة في كولومبيا".‏


‏ثمة دولة أخرى في أميركا اللاتينية لها ‏‏علاقة متداخلة‏‏ بشكل وثيق مع إسرائيل، هي نيكاراغوا قبل الثورة الساندينية.

 

خلال فترة طويلة خضعت فيها البلاد لدكتاتورية سوموزا المدعومة من الولايات المتحدة، حافظت إسرائيل على "علاقة خاصة" مع هذه السلالة من المستبدين الوحشيين الذين لا يرحمون. وفي الأيام الأخيرة من الدكتاتورية، قطعت الولايات المتحدة إمدادات الأسلحة عنها ردا على الاشمئزاز العام من الفظائع التي ارتكبتها قوات سوموزا.

 

وفي ذلك الوقت، واصلت إسرائيل إمدادها بالمعدات العسكرية.

 

ثم، عندما قامت الولايات المتحدة بالتحريض على ما سمته مكافحة التمرد بعد التحرير الوطني الناجح بقيادة الساندينية، عملت إسرائيل مرة أخرى كمورد ‏‏لعصابات "الكونترا".‏‏ وبالتوازي مع علاقة سوموزا وإسرائيل كانت ‏‏العلاقات الساندينية الفلسطينية‏‏، التي ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.‏


شراكة إسرائيل مع الإمبريالية الأميركية في المنطقة‏

 


‏للمرة 31 في تشرين الثاني (نوفمبر)‏‏، أدانت الأمم المتحدة بالإجماع تقريبًا الحصار الأميركي المضروب على كوبا بسبب آثاره المدمرة على المدنيين وباعتباره انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة. وكان التصويت بالإجماع باستثناء التصويت بـ"لا" الذي أدلت به الولايات المتحدة وإسرائيل -إلى جانب امتناع أوكرانيا عن التصويت.

 

وهذه الأخيرة، التي أصبحت الآن في الأساس دولة معتمِدة على الولايات المتحدة وتابعًا لها، هي وافد جديد. لكن تل أبيب، من ناحية أخرى، وقفت باستمرار إلى جانب واشنطن في دعم الإجراءات الأميركية القسرية وغير القانونية التي صنعت ‏‏أزمة حادة‏‏ في كوبا.‏


‏في الواقع، ‏‏عملت‏‏ إسرائيل كشريك لواشنطن في تدريب فرق الموت الرجعية وتزويد الجيوش القمعية في جميع أنحاء المنطقة بالأسلحة والمعدات لعقود.

 

و‏‏ذكرت‏‏ ‏‏قناة "الجزيرة"‏ أن إسرائيل دربت وزودت وقدمت المشورة للجيوش في كل من الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان والإكوادور والسلفادور وغواتيمالا وهايتي وهندوراس وبنما وباراغواي وبيرو وفنزويلا، بالإضافة إلى كولومبيا ونيكاراغوا.‏


و‏لم تكن إسرائيل متورطة مع ديكتاتورية سوموزا في نيكاراغوا فحسب، بل كانت لها علاقة مماثلة ‏‏بسلالة دوفالييه‏‏ التي استمرت في الحكم طوال 29 عامًا في هايتي، حيث كانت إسرائيل تبيع الأسلحة لقوات الديكتاتوريين القمعية.

 

وحدث الشيء نفسه مع ديكتاتورية ألفريدو ستروسنر التي استمرت 35 عامًا في باراغواي، وديكتاتورية ‏‏بينوشيه‏‏ التي دامت 17 عامًا في تشيلي، والديكتاتوريات العسكرية في ‏‏الأرجنتين‏‏ والبرازيل.

 

وبالمثل، كانت إسرائيل موردا للأسلحة ومدربًا لفرق الموت في الحروب "القذرة" في ‏‏غواتيمالا والسلفادور‏‏. وفي كل هذه المشاريع المروعة، كانت إسرائيل مرتبطة مفصليًا بواشنطن.‏


‏يوضح‏‏ "مشروع الشرق الأوسط للبحوث والمعلومات" (MERIP) أن العديد من دول أميركا اللاتينية ذات الميول اليمينية تنظر إلى وجود "علاقة عسكرية وثيقة مع إسرائيل كأصل سياسي في استعادة -أو الحفاظ على- العلاقات العسكرية والسياسية مع واشنطن".‏


عندما تحتاج الأنظمة الرجعية في المنطقة إلى عضلات قهر وتطويع للاستئجار، فإن إسرائيل تكون خيارًا أول. وبعد فوز اليميني ديفيد نوبوا بالرئاسة الإكوادورية الشهر الماضي، ‏‏دعا إسرائيل‏‏ إلى المساعدة على استعادة سيطرة الحكومة على نظامها للسجون، الذي استولت عليه العصابات الإجرامية. كما يتم استغلال إسرائيل لتصميم سجون ذات إجراءات أمنية مشددة في الإكوادور.‏


‏وفقًا لكتاب عالم النفس الإسرائيلي بنيامين بيت هلاهمي، "‏‏الصلة الإسرائيلية‏‏"‏، فإن "‏‏إسرائيل تحظى عمومًا بالإعجاب في الأوساط العسكرية في أميركا اللاتينية بسبب صورتها الذكورية من الحزم والقسوة والكفاءة... المؤسسة العسكرية في أميركا اللاتينية هي المكان الذي يوجد فيه معظم أصدقاء إسرائيل وحيث تواصل إسرائيل حشد الدعم واستثماره".‏


‏ومن الأمثلة على ذلك اليميني المتطرف خافيير ميلي، الذي تولى رئاسة الأرجنتين في 10 كانون الأول (ديسمبر).

 

وتعهد في حملته الانتخابية بإعادة ربط ثاني أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبعيدًا عن أكبر شركاء بلده التجاريين، البرازيل والصين.

 

وفي رحلته الأولى إلى الخارج بعد فوزه في الانتخابات، ذهب ميلي إلى الولايات المتحدة، حيث قام بما وُصف بأنه ‏‏حج‏‏ إلى قبر حاخام يهودي أرثوذكسي متطرف وأعلن عن نيته ‏‏التحول‏‏ من الكاثوليكية إلى اليهودية.

 

وكان الرأسمالي الذي وصف نفسه بأنه أناركي قد اتهم‏ البابا المولود في الأرجنتين بأنه شيوعي ومُدَّعٍ للنبوة.‏


أصدقاء فلسطين وأعداؤها‏

 


‏يشكل دعم الصهيونية الإسرائيلية قضية موحِّدَة‏‏ لليمين المتطرف المنقسم في المنطقة، حيث يتحالف المعادون للسامية مع القوميين اليهود، ويلفُّون أنفسهم -‏‏حرفيا‏‏ كما في حالة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو- بالعلم الإسرائيلي.‏


‏عندما حصل خوان غوايدو -الذي أصبح الآن موصومًا ومنفيا مكللا بالعار- لأول مرة على موافقة من الولايات المتحدة لإعلان نفسه "رئيسًا مؤقتًا" لفنزويلا في العام 2019، قام بتصوير الإعلان في زاوية شارع في كاراكاس بينما كان العلم الإسرائيلي يرفرف خلفه. تمامًا كما تم اعتماد العلم الأحمر كراية لليسار، أصبحت راية إسرائيل شارة اليمين في المنطقة. ويمكن رؤية هذه الراية الزرقاء والبيضاء في التجمعات السياسية اليمينية وفي أكشاك السوق التي يملكها المسيحيون الإنجيليون في جميع أنحاء المنطقة.‏


‏تنظر الحركة المسيحية الإنجيلية ‏‏المتنامية في المنطقة‏‏ إلى إسرائيل كجزء أساسي من لاهوتها عن "أيام نهاية العالم"، وقد أصبحت قوة سياسية مؤثرة بين ناخبي غواتيمالا (42 في المائة) وكوستاريكا (26 في المائة) والبرازيل (25 في المائة) وفنزويلا (22 في المائة) وأماكن أخرى. ولم يمارس الإنجيليون بعد نفوذًا سياسيًا كبيرًا مؤيدًا للصهيونية في المنطقة، ولكن لا ينبغي استبعاد هذه الإمكانية مع تطور الأحداث.‏


‏في 12 كانون الأول (ديسمبر)، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يقضي بوقف‏ إطلاق النار‏‏ في غزة. ولم تصوت سوى غواتيمالا وباراغواي من أميركا اللاتينية بـ"لا"، لتنضما بذلك إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين امتنعت أوروغواي والأرجنتين وبنما عن التصويت. وتوحدت بقية المنطقة مع الأغلبية العظمى في العالم البالغة 153 دولة التي أيدت القرار.‏


‏في الوقت الراهن، ما تزال أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي معقلاً لدعم الحرية الفلسطينية. وتحظى قضية فلسطين بشعبية بين الدول التي تسعى جاهدة إلى الاستقلال عن الولايات المتحدة. والعوامل التي تسهم في تكوين هذا الموقف هي الشتات العربي الكبير في المنطقة، وقلة عدد السكان اليهود المؤيدين للصهيونية، وعدم وجود جماعات ضغط قوية مثل ‏(‏أيباك)‏‏. وبالنسبة للكثيرين، يجد النضال من أجل تأكيد تقرير المصير الوطني في ظل الهيمنة الأميركية تقاربًا وثيقًا مع قضية فلسطين.‏

‏*روجر هاريس Roger Harris: عضو في مجلس إدارة ‏‏"فريق العمل المعني بالأميركتين"‏‏، وهي منظمة لحقوق الإنسان مناهضة للإمبريالية عمرها 32 عامًا.‏

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

Why Latin America and theCaribbean Stand With Palestine

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

السلطة الفلسطينية بعد ثلاثين عاماً من "اتفاقية أوسلو"