ظفر سيد* - (إندبندنت أوردو) 2 أيلول (سبتمبر) 2023

ماذا ستستفيد الهند من ارتياد القمر؟

Untitled-1
يمكن أن تسهم المهمة الهندية في مساعي الاستيطان على القمر - (ناسا)

تكمن أهمية المهمة الفضائية الهندية في تغيير صورة البلد من دولة فقيرة في العالم الثالث إلى دولة سباقة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
*   *   *
في الأسبوع الماضي، باتت الهند رابع دولة في العالم ترسل بعثة فضائية إلى القمر، وأول دولة تصل إلى قطبه الجنوبي. وإضافة إلى كون هذا التطور إنجازاً عظيماً لمجال التكنولوجيا في الهند، فإن لهذا الهبوط على القمر رمزية بالغة الأهمية، حيث تمكنت نيودلهي بفضل هذا الانجاز من وضع نفسها كقوة تقنية على الساحة العالمية.

اضافة اعلان


تمت تغطية خبر وصول الهند إلى القمر عالمياً في عناوين إخبارية رئيسة تعزز صورة القوة الناعمة للبلد في العالم. ولن ينظر إلى الهند بعد اليوم على أنها دولة فقيرة من العالم الثالث، وإنما كلاعب أساسي في مجال العلم والتقنية. وليست الهند حديثة عهد في سباق الفضاء؛ فقد أرسلت إلى المريخ صاروخاً فضائياً في العام 2014 وهو يدور حول الكوكب منذ ذلك الوقت.


ما الذي يميز الهند عن غيرها؟

 

بحسب البيانات التي قدمتها وكالة "ناسا"، فقد تم إرسال 70 مهمة إلى القمر منذ العام 1958، باء أكثر من نصفها بالفشل (تحديداً 41). وعلى مدى أربعة عقود بعد بداية السباق الفضائي احتكرت الولايات المتحدة وروسيا وحدهما مجال المهمات القمرية. ولكن في العام 1990 أضافت اليابان اسمها إلى القائمة بإرسال مهمة تسمى "هاتان"، تلا ذلك إرسال المهمات من قبل الاتحاد الأوروبي. وفي العام 2019 حاولت الهند الانضمام إلى القائمة بإرسال مهمة "شاندريان-2"، لكنها لم تنجح.

وأحد الأمور التي تميز مهمة الهند الأخيرة هي كلفتها القليلة، حيث كلفت المهمة مقابل 75 مليون دولار، وهي كلفة أقل بكثير من المهمات المماثلة للدول الأخرى. وفي هذا السياق، انتشر عبر منصة "إكس" وعلى نطاق واسع منشور علق عليه إيلون ماسك أيضاً، وذكر أن فيلم الخيال العلمي الهوليوودي "إنترستيلر" Interstellar كلف 165 مليون دولار، في حين تمكنت الهند من إرسال مهمة إلى القمر بكلفة أقل بكثير.
في أواخر الشهر الماضي، تحطمت المركبة الفضائية الصينية "لونا-25" بعد أن اصطدمت بسطح القمر بسبب فقدان السيطرة عليها. وقد كلفت هذه المهمة أيضاً 135 مليون دولار، بحسب صحيفة روسية.


وبالمثل، كانت مهمات الولايات المتحدة إلى القمر مكلفة للغاية مقارنة بالهند. وبحسب تقرير لوكالة "ناسا"، فإن الكلفة الإجمالية لمهمة "أرتيميس" الأميركية التي تضمنت هبوط رجل على القمر تبلغ 93 مليون دولار، لكن هذه المهمة كانت أكثر تعقيداً من مهمة "شاندريان" الهندية لأنها تضمنت هبوط البشر على سطح القمر.


وفي المقابل، أخذت توظف الهند هذه الميزة مسبقًا. وقد بدأ رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، بالفعل في الترويج لصناعة الفضاء الهندية، وهو يشجع العالم على الاستثمار فيها. ويتمثل عامل الجذب الرئيس في هذا التشجيع والذي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تسويق البرنامج في أن كلفة برنامج الفضاء الهندي أقل بكثير من كلف مثيلاته في الدول الغربية، ويمكن التنبؤ بأن الهند ستصبح لاعباً رئيساً في المستقبل في حال بدأ البشر التعدين أو السياحة على القمر.


إضافة إلى ذلك، ثمة الكثير من الدول المهتمة ببرامج الفضاء ولديها رأس المال أيضاً، ولكن تنقصها التكنولوجيا المطلوبة. ويمكن للهند أن توفر لها خدمات بأسعار معقولة. فعلى سبيل المثال، تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة لهبوط مركبة على سطح القمر في العام 2024، لكنها لا تملك الوسائل اللازمة لإيصالها، ولذلك طلبت خدمات شركة الفضاء اليابانية ispace. ومن الممكن أيضاً أن تؤدي العمالة الرخيصة والتكنولوجيا منخفضة الكلفة في الهند إلى إنشاء شركات فضاء منخفضة الكلفة وقادرة على التنافس مع شركات أخرى.


تفاصيل المهمة وأهدافها

قبل أن نخوض في تفاصيل المهمة، نذكر المسميات المهمة المتعلقة بالمركبة الفضائية ودلالاتها، وهي كالآتي:


- "شاندريان" اسم المهمة، والكلمة مركبة من كلمتين ومأخوذة من اللغة السنسكريتية، وتعني "مركبة القمر"، والمهمة الأخيرة كانت الثالثة من سلسلة "شاندريان". وفي العام 2019 باءت مهمة "شاندريان-2" بالفشل.


- "فيكرام" هو المسبار الذي هبط على سطح القمر، وسُمي على اسم مؤسس منظمة أبحاث الفضاء الهندية، فيكرام سارابهاي.
- "باراجيان" هي المركبة القمرية التي ستسير على سطح القمر وتجري تجارب وتسجل ملاحظات هناك، وهي أيضاً كلمة سنسكريتية وتعني "الحكمة".


وبحسب موقع منظمة أبحاث الفضاء الهندية، فإن المهمة كانت لها أهداف منها هبوط المسبار بطريقة آمنة وسلسة، ومراقبة وإظهار قدرات قيادة المركبة القمرية على سطح القمر، وإجراء التجارب وتسجيل الملاحظات على المواد المتوافرة على سطح القمر لفهم تكوينه بصورة أفضل.


إضافة إلى تحقيق هذه الأهداف، ستكون هناك نتائج بعيدة المدى على الصعيدين المحلي والعالمي لهذه المهمة. وذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن هذا الإنجاز هو فوز سياسي واضح لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي سيسهم في مساعي الهند لتصبح عضواً في مجلس الأمن ومجموعة الموردين النوويين.

 

ووفقًا للمجلة، فإن هناك فائدة إضافية للمهمة تتمثل في تعزيز العلوم والتكنولوجيا في الهند، وبخاصة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والاستشعار عن بعد.


في جانب آخر، ساعدت الأبحاث الفضائية الهندية على معرفة مستوى المياه الجوفية وتحديد أنماط الطقس. وبما أن الهند من أكثر الدول تأثراً بنتائج الاحتباس الحراري، فإنها ستستفيد بالتأكيد من هذه الأبحاث.


وستشجع الإنجازات الفضائية التي حققتها الحكومة القطاع الخاص على الاستثمار في هذا القطاع كما هو الحال في الولايات المتحدة، إذ يستثمر القطاع الخاص بكثافة في صناعة الفضاء. وخير مثال على ذلك استثمار شركات الأثرياء، مثل شركة SpaceX التي يمتلكها إيلون ماسك وشركة Blue Origin المملوكة لجيف بيزوس. وقد استثمرت هاتان الشركتان مليارات الدولارات في الأبحاث الفضائية، ومن المقرر أن تزداد استثماراتهما مستقبلاً.

 

الاستيطان على القمر

 

وفي سياق متصل، أعلنت كل من الولايات المتحدة والصين أنهما تعتزمان إرسال البشر الى القمر. ويذكر هنا أن المركبة الهندية، "شانداريان-3"، قد هبطت على القطب الجنوبي للقمر حيث يوجد الجليد. وإذا أراد الإنسان بناء مستوطنة دائمة على القمر فيجب عليه اختيار منطقة يوجد فيها الكثير من المياه -ليس الصالحة للشرب وحسب، وإنما التي يمكن استخدامها أيضاً لإنتاج الأكسجين.


يبعد القمر عن الأرض مساف 384 ألف كيلومتر، وهي ليست مسافة كبيرة بحسب المسافات الكونية، ويمكن استيعاب هذا الفرق بمقارنة بالمسافات الثانية حيث يبعد المريخ تقريباً 14 مليون كيلومتر عن الأرض، أي 364 مرة أبعد من القمر، بينما يقع كوكب زحل على مسافة تزيد على ملياري كيلومتر. وإذا وصل البشر إلى هذه الكواكب، فيمكن استخدام القمر كمعسكر أساسي، تماماً كما يفعل متسلقو الجبال عندما يقضون أوقاتهم في المعسكرات الأساسية للتأقلم مع الجو والمحيط قبل أن يبدأوا تسلق الجبال مثل قمة "إيفرست".


إضافة إلى ذلك، فإن العيش على القمر سيدرب رواد الفضاء على كيفية البقاء على الكواكب الأخرى فترات طويلة من الزمن، وسيساعد على معرفة المشكلات التقنية والبيولوجية التي قد تحدث خلال تلك الفترة. كما يمكن إعداد الوقود وإصلاح السفن الفضائية باستعمال المصادر الموجودة على القمر.


ونظراً إلى أن جاذبية القمر أقل بست مرات من جاذبية الأرض، فإن كلفة إطلاق صاروخ من هناك ستكون أيضاً أقل بكثير من الكلفة الأرض. ولذلك يمكن للقمر أن يلعب دور معسكر الانطلاق بنجاح. وتقول وكالة "ناسا" إن "مهمة أرتيميس" الخاصة بها لا تقتصر على القمر، وإنما تخطط الوكالة لاستخدامها أيضاً في محاولات الوصول إلى المريخ.


استكشاف الـ"هيليوم-3"

 

كتبت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية، أن منظمة أبحاث الفضاء الهندية ستستكشف جود الـ"هيليوم-3" على القمر، وهو نظير نادر على الأرض ولكنه متوافر بكثرة على القمر. ويحتوي الـ"هيليوم" الشائع على الأرض على بروتونين ونيوترونين، في حين أن الـ"هيليوم-3" على القمر يحتوي على بروتونين ونيوترون واحد فقط.


وتكمن أهمية الـ"هيليوم-3" في إمكان استخدامه كوقود نووي. وبحسب بعض التقديرات، فإنه يمكن أن يلبي حاجات الأرض من الطاقة لمدة 250 عاماً مقبلة. كما نقلت الصحيفة عن رئيس منظمة أبحاث الفضاء الهندية، كيه سيفان، قوله: "الدول التي لديها القدرة على جلب هذه الرواسب من القمر إلى الأرض ستقود العملية، وأنا لا أريد أن أكون جزءاً منها بل أريد أن أقودها".


ومع ذلك، فإن العملية ليست بهذه البساطة. فهبوط مركبة فضائية على القمر والتقاط بضعة كيلوغرامات من الصخور أو التربة وجلبها إلى الأرض شيء، والتعدين على نطاق واسع هو شيء آخر تماماً. ومن الواضح أن هذه عملية صعبة ومكلفة للغاية. وحتى لو كان من الممكن إحضار الـ"هيليوم-3" إلى الأرض، فليس من السهل توليد الطاقة منه. وبحسب تقرير لمجلة The Wire، فإن هذه التقنية غير موجودة حالياً في أي مكان في العالم.


*ظفر سيد: صحفي وكانت هندي يكتب في الطبعة الهندية من صحيفة "الإندبندنت".

 

اقرأ المزيد في ترجمات

عسكرة الفضاء: جنود المركبات الفضائية