الفرا.. مصممة أزياء تبعث الحياة بأثواب تراثية بلمسات عصرية

1716733548316157700
جانب من تصاميم الشابة دعاء الفرا-(من المصدر)

غرزة تتبع الأخرى وحكايات حيكت في تطريزات حملت معها ذكريات سنين مضت. في كل خيط حكاية حب وتعب لأيدٍ طرزت أجمل الأثواب الأردنية والفلسطينية. كل ذلك رغبة في الاحتفاظ بقطع تحمل الكثير من الذكريات.

اضافة اعلان


ترحيل الأثواب أو تجديدها هو ما تبرعت به المصممة الأردنية الشابة دعاء الفرا وتتقنه بامتياز. تصنع بحب أجمل التصاميم، وتحول الأثواب بمهارة وإتقان إلى تصاميم معاصرة وأخرى راسخة.


سعت لرسم الابتسامة على وجوه الكثيرين من عشاق التراث. وفي حديث خاص مع "الغد"، بينت أنها جمعت بين التراث والحضارة بعمل متقن ومصنوع بحب. وتقول: "تصميم معاصر بروح التراث، هذا ما أتقن.. حبي لعملي كبير وحرصي على أن تخرج القطعة كما يحب الزبائن، وأجمل، هو الأهم. اليوم استطعت أن أصل لهذه المرحلة".


تذكر الفرا أنها منذ نعومة أظفارها كانت تحب الأزياء، إذ كانت تأتي بالألعاب وتخيط لها الملابس بأشكال وتصاميم مختلفة وهي في عمر لا يتجاوز السبع سنوات. في مرحلة الإعدادية، كانت تحاول تغيير تصميم ملابسها الخاصة بقصها، فكانت تظهر عليها ملامح التغيير، لكنها لم تكن متقنة هذا العمل بعد، مما يؤدي إلى إتلاف القطعة بدلاً من تحسينها. لهذا، كانت تتلقى التوبيخ من والدتها، إلا أن هذا زاد من تعلقها بالتصميم.


وكلما كبرت الفرا، كبر معها الشغف وزاد تعلقها بالتصاميم، مما جعلها تحدد هدفها مبكرا. كانت كلما ترى عرضا لمصممة أزياء، تنظر إليها بشغف وكأنها في المكان الذي تطمح للوصول إليه. لهذا، تخصصت في تصميم الأزياء في المعهد الإيطالي المصري في مصر لتطور موهبتها وتنميها.


الفرا بعد تخصصها في تصميم الأزياء، أدركت أن الإنسان الذي تملأ الخربشات كتبه هو عاشق للرسم وموهوب ولكنه ضل طريقه. موضحة أن كتبها كانت مليئة بالخربشات، ولم تكن تدرك موهبتها في الرسم التي اكتشفتها أثناء الدراسة، فقد كانت موهبتها مختزلة في داخلها إلى أن تخصصت في تصميم الأزياء وخرجت إلى العالم.


وتقول: "عالم تصميم الأزياء كبير وبحر واسع، وأي شخص يدخل فيه يمضي كل يوم وهو يتعلم بلا توقف"، وهي دائما مطلعة على عالم الأزياء لتتطور في عملها، مبينة أنها تعمل على جميع التصاميم وليس فقط الأثواب.


تشير الفرا إلى أنها كانت تصمم قطعها الخاصة كهواية، إذ تعلمت وصممت لنفسها. عند ارتدائها تلك القطع، كان الآخرون يندهشون من عملها ويثنون عليه.

 

وفي أحد الأيام، طلبت منها سيدة تعرفها أن تصمم لها عباءة، وفي ذلك الوقت شعرت بالمسؤولية وأدركت أنها ستنتقل من خانة الموهبة إلى خانة العمل، وتخطو أولى خطوات تحقيق الحلم. وتقول: "عندما تصممين لنفسك لا تكون المسؤولية بهذا الحجم، لكن عندما تعملين للآخرين، تصبح المسؤولية أكبر".

 

تبين الفرا أنها منذ بدايتها في التصميم قبل 6 سنوات، تعمل على ترحيل الأثواب. موضحة أن فكرة ترحيل الأثواب المطرزة ليست جديدة، ولكن هناك الكثيرين ممن لم يعرفوا بها. قبل سنتين، بدأت في توثيق أعمالها على صفحتها على "إنستغرام"؛ حيث نصحها الكثيرون بإنشاء صفحة خاصة بعملها لتكون مرجعا لتوثيق تصاميمها. في البداية، لم تكن الصفحة قوية، ولكن مع مرور الوقت ازدهرت، واليوم تجاوز عدد متابعيها 48 ألفا، حيث شهدت إقبالا كبيرا، وأحب الكثيرون فكرة الترحيل.


ومع أحداث غزة، شاركت الفرا فيديو قصيرا "ريل" لأحد تصاميمها وتحدثت عن الأوضاع في غزة، ولكن هذه المرة بصوتها وتصدر الفيديو "الترند"، وانتشرت الصفحة لتشهد إقبالا واسعا من مختلف البلاد العربية.


الفرا شعرت بالنجاح عندما جاءها شخص من بريطانيا ومعه ثوب والدته لترحيله، وآخرون جاؤوا من الولايات المتحدة لتجديد أثواب والدتهم أو لإعادتها كما كانت.

 

يرافق شعور النجاح مسؤولية كبيرة، لذا تحرص على عدم إتلاف الثوب الذي بين يديها وألا تخرج عن التقليدي. تؤكد الفرا أنها حريصة على كل قطعة، مشيرة إلى أنها لا تزيل شيئا من التطريز، مستذكرة سيدة زارتها وأخبرتها أن الثوب استغرق منها سنتين كاملتين في التطريز، واليوم تريد ترحيله، مما يجعل فكرة القص منه غير ممكنة أو واردة.


وتؤكد أن الحب هو الدافع الأكبر حتى يكون العمل جميلا ومميزا، فما يصنع بحب يصل مباشرة إلى القلب، مبينة أن هنالك أشخاصا يثقون بك ويؤمنونك على قطعة يتجاوز عمرها 50 سنة، وهو شعور لا يوصف "دائما يقال العطاء فيه خير كثير"، وكذلك الأمر بفرحة الزبائن التي تنسيها التعب، ويكفي تقدير عملها.


مكنها "إنستغرام" من الوصول للكثير من الأشخاص الذين تعرفوا على تصاميمها ومهاراتها، وهي تعمل وحدها في مشغلها الخاص.


بالنسبة لها، الأثواب أمانة كبيرة، فالجانب المعنوي لهذه الأثواب عظيم، وفكرة تسليمها لشخص آخر مخيفة، فهي تشعر بمسؤولية كبيرة للحفاظ عليها.


ووفق الفرا، فهي تعمل ما تجده مناسبا لشخصية صاحبة القطعة وما يليق بها، وتختار لها القصة والموديل وتعمل عليه بما يرضي الزبائن.


الحزام هو ما يميز عمل الفرا، مشيرة إلى أنه جزء أساسي من التراث واسمه "الشداد"، والذي كانت النساء يرتدينه فيما مضى. وتؤكد أن إعادة تقديمه ضمن تصاميمها ساعدت في تذكير الناس به وزادت من الإقبال عليه. تقول: "لو كان الثوب لا يحتاج إلى تعديل، فإن الحزام كفيل بنقله من مكان لآخر". وتنوه إلى أن اللونين الأحمر والخمري من المفضلات في التراث الأردني والفلسطيني، ولهذا تختارهما للحزام، وما تزال كل سيدة تحتفظ بثوب واحد على الأقل باللون الأحمر، كما أن الكثير من الفتيات الصغيرات أصبحن يحببن الثوب بفضل تصاميمها.


وبحسب الفرا، فإنها تطمح إلى فتح مشغل خاص بها وتوظيف العديد من السيدات وتعليمهن. وبهذا تحقق هدفها في الحفاظ على التراث، حيث تتلقى العديد من الرسائل التي تطلب منها تعليمهم.


كانت والدة الفرا الداعم الأكبر لها، إذ كانت تشجعها على عدم التوقف عن حلمها وتحفزها لتجلس كل يوم على ماكينة الخياطة ولو لساعة. أولى القطع التي صممتها وخاطتها كانت طقم صلاة، وأهدته لوالدتها التي كانت فخورة به، ترتديه وتنظر له بفرح، وتخبرها كم هي فخورة بها.


مرت الفرا بالكثير من التحديات والعقبات في طريقها، والحياة لم تكن سهلة بالنسبة لها. فالأشخاص السلبيون موجودون في كل مكان حولها، وكان التحدي الأكبر بالنسبة لها هو إثبات جدارتها وتجاوز هؤلاء الأشخاص دون الاكتراث بهم، والاستمرار في طريق تحقيق حلمها.


"صنع بحب" هي عبارة تقال وفعل يُرى في تصاميم الفرا؛ إذ تسعى إلى السير على خط الملابس المحتشمة للمحجبات، مؤكدة أن التراث هو الأقرب إلى قلبها وسيظل يرافق مسيرتها. تقول: "في النهاية، نحن نناضل للحفاظ على التراث لأن هناك من يحاول سرقته"، ولهذا تسعى لحمايته من التدمير والسرقة.

 

اقرأ أيضاً: 

مناف عبيدات توثق "القطبة" في كل ثوب تراثي مطرز