"المعايرة" بالمرض النفسي.. "جهل" ينافي أبسط الحقوق وتبعات "كارثية"

المعايرة بالمرض النفسي.. جهل ينافي أبسط الحقوق وتبعات كارثية
المعايرة بالمرض النفسي.. جهل ينافي أبسط الحقوق وتبعات كارثية
تغريد السعايدة - دعوات عالمية تخطو نحو الأمام في مجال التوعية بأهمية الصحة النفسية، والإفصاح عن المعيقات النفسية التي يعاني منها أي فرد، كونها تلك الخطوة الأولى للعلاج والتخلص من براثن الاكتئاب والمرض، والحد من الانتحار، ليظهر ما بين الحين والآخر من " ما يزال يجاهر بالمرض وكأنه وصمة عار على المريض". ووفق الدراسات العالمية، أثبتت الارقام أن هناك شخصا من بين اربعة يعاني من اضطراب نفسي، في حين أن هناك 2.5 مليون أردني تقريباً يعانون من أحد أنواع الاضطرابات النفسية كذلك، وأن عددا كبيرا من المرضى في دول العالم لا يتلقون الرعاية النفسية الكافية. حالات انتحار، او محاولة، مرضى قد يهيم بعضهم بالشوارع، لعدم وجود رعاية أسرية ومجتمعية، ومنهم من يبقى حبيس غرفته خوفاً من التنمر والكلام غير اللائق في حقهم، كمرضى نفسيين، وهو الأمر الذي دعا العديد من الجهات الرسمية والأهلية إلى التكاتف في سبيل الحد من وجود نظرة مجتمعية خاطئة اتجاه المرضى، والتي تُعرف بـ"الوصمة الاجتماعية". مؤخراً، ضاجت مواقع التواصل الاجتماعي بأحد ردود الأفعال التي وثقت من خلال تسجيل متداول يبين "ردة فعل عميد إحدى الكليات الجامعية على أحد الطلبة بسبب تغيبه عن المحاضرة لعذر طبي نفسي"، إذ طلب الاستاذ الجامعي من الطالب الوقوف امام الطلبة منادياً إياه بالمريض النفسي. مستشار أول طب نفسي أردني معني بالتثقيف النفسي في المجتمع العربي الدكتور وليد سرحان يبين في حديثه لـ"الغد" أن محاربة وصمة المرض النفسي واجب انساني على كل الأفراد والمؤسسات في الأردن، و"معايرة" أي مريض بمرضه أو نعت اي شخص بهذه الطريقة المهينة نوعاً ما، امر مرفوض على الإطلاق وهو مناف لأبسط الحقوق للمريض. وبعد هذه الحادثة التي اثارت حفيظة الطلبة تحديداً "الشباب" والمجتمع بشكل خاص يتوقع سرحان أن تتبنى الجامعات فكرة أو مشروع لمحاربة الوصمة المجتمعية، وذلك لأن فئة الشباب هي الفئة الأكثر نسبياً التي تعاني من الاضطرابات النفسية، بسبب وجود العديد من الضغوط المعيشية التي تؤثر على المجتمع بشكل عام. ووفق سرحان، فإن "الوصمة وإن كانت ما تزال موجودة، ولكنها تقل في أوساط المجتمع بالتأكيد، ولكن ليس عند كل الناس وبدرجات متفاوتة"، كما يرى سرحان أن نسبة من لا يفصحوا عن امراضهم نسبة ليست عالية وقد لا يفكر الطلاب خصوصا كثيرًا في الإفصاح"، وقد يكون سبب ذلك ما يلمسوه من تنمر او تهكم وعدم التقبل للمريض النفسي. وسرحان وفريقه الطبي، هم المسؤولون في المجموعة المعنية بتنسيق النشاطات المختلفة والجهود للمبادرة العربية لمكافحة الوصمة الاجتماعية ضد المرض النفسي، وتتبنى المبادرة الكثير من المشاريع والبرامج والمبادرات الفردية التي يقوم بها المختصون في مجال علم النفس والتوعية النفسية، في سبيل الحد من اعتبار المرض النفسي وصمة مجتمعية، كون هذا الأمر بحد ذاته يُشكل عائقاً في علاج المرضى الذين يخفون مرضهم ويتحملون آثار ذلك، على أن يتوجهوا للطبيب النفسي الذي يمكن أن يساعده للخروج من دوامته والتخلص من تبعات ذلك. وكان سرحان قد أطلق المبادرة العربية لمكافحة الوصمة الاجتماعية ضد المرض النفسي في شباط خلال هذا العام، والتي يسعى كذلك من خلال منشوراتها ونشاطاتها إلى دحض الأفكار الخاطئة حول المرض النفسي، ونشر الوعي حول تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية، مع العلم أن جميع تلك الأنشطة تستهدف الوطن العربي بأكمله. وأوضح سرحان في هذا السياق أن الوصمة المجتمعية تشكل عائقا أمام المريض النفسي لتلقي العلاج المناسب ما قد يفاقم مآلات المرض على الفرد والأسرة والمجتمع، ويؤثر على انتاجية الفرد وسلوكه، داعيا إلى صياغة استراتيجيات قائمة على برامج وطنية تتبناها الدول العربية لتحقيق هذا الهدف. هذه الحادثة الاخيرة أثارت استياء عدد كبير من الطلبة الذين شعروا بمدى الحزن والإحراج الذي شعر به زميلهم، كون القاعات تعج بالطلبة المختلفة خلفياتهم الثقافية والمجتمعية، وهو ما قد يترك ندبة في حياة الطالب لسنوات طويلة، وقد ينتج عنها شخص معاد منطو، وقد يصل إلى حد محاولة الانتحار، على حد تعبير بعض الطلبة الذين علقوا على هذه الحادثة. ومن خلال المواقع التواصل الاجتماعي، نشر رئيس جمعية العلوم النفسية الدكتور عاطف القاسم الشواشرة بياناً اشار فيه إلى استنكار وشجب الجمعية لتعرض أحد الطلبة للتنمر والاستهزاء والتشهير كونه يعاني من اضطراب نفسي، وفق الأخبار المنشورة، عن الطالب الذي كان في القاعة برفقة 280 طالبا وطالبة من زملائه اثناء احصاء الحضور والغياب. وأضاف البيان أن الجمعية بصفتها المهنية تستنكر أي موقف أو قول يسيء لأي شخص يعاني من اضطرابات نفسية ويكرس الوصمة الاجتماعية للمرض، وتدعو الجامعة ووزارة التعليم العالي ووزارة الصحة إلى متابعة ذلك والتحقق منه تكريسا للعدالة والحماية الاجتماعية. من جهته، يؤكد الخبير في حقوق الإنسان ومواجهة العنف والجريمة مستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان أن مجتمعنا يعاني واقعا أليما موجودا بسبب شيوع ثقافة سائدة مكبلة بالجهل وبالوصمة الاجتماعية والتمييز ضد المصابين بالأمراض والاضطرابات النفسية، وهي منتشرة وللأسف لدى اقارب واصدقاء وزملاء وجيران هؤلاء المرضى، "والطامة الكبرى"، وفق جهشان، ان تكون موجودة لدى مدرسين او عمداء بكلية الطب ضد طلابهم. ويعتقد جهشان ان مواجهة الوصمة الاجتماعية تتطلب من الدولة ان " لا تتراخى وتستهين في مواجهة شيوع الوصمة الاجتماعية ضد المرضى النفسيين"، وعليها أن تضمن جودة الخدمات الطبية والاجتماعية المقدمة لهم، كما يبين اهمية ان تقرر وتنفذ الحكومة والجهات المختصة وتضاعف متابعتها لاستراتيجيات وسياسات وتشريعات متخصصة بالتعامل معهم، إذ إن عدم السير على مثل هذه الخطوات قد يؤدي إلى وضع يتصف بانتهاك حقوقهم والتمييز ضدهم بعزلهم وحرمانهم من الاندماج السليم في المجتمع. وفيما يتعلق بالعنف الذي تعرض له طالب الطب في القضية حديث الساعة الآن، يؤكد جهشان أنه يجب التحقق من المعلومات من انه ارتكب من قبل مدرس بكلية الطب، ومن ثم يجب ان تكون هناك متابعة وملاحقة ادارية من قِبل ادارة الجامعة، وادبيا ومهنيا بالابلاغ عن الواقعة لنقابة الاطباء، وجزائيا وحقوقيا حسب الضرر الذي تعرض له الطالب، حتى يكون هناك ردع وحماية للمريض من تعرضه للتنمر أو التهكم من اي شخصٍ كان. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان