غياب التعاطف بالأزمات.. فخ سببه سوء اختيار الصداقات

رشا كناكرية

عمان- يمر الإنسان في حياته بمواقف ومشاكل مختلفة تثقل أيامه، ما يصعب عليه تحملها، ليقرر البعض أن يخرج ما بداخله بحثا عن الراحة النفسية، ولذلك يتجه لشخص قريب منه عله يكون العون، ولكن الصدمة تكون عندما يقلل من حجم المشكلة أو الاستهانة بها.اضافة اعلان
مشاعر من الحزن تجتاح الإنسان في لحظة عندما يجد الشخص الذي اختاره ملاذا له يقلل من حزنه بكلمات تقع كالسيف على مسمعه وتزيد ضيقه ليفقد بعدها رغبته في التحدث والبوح، متغافلا بذلك أنه قد يكون السبب بما يمر به من خيبة أمل، فالحقيقة التي يشعر بها بأنه توجه للشخص الخطأ، ليتحدث معه بلا إدراك منه.
وهذا الذي مر به عبد الكريم (37 عاما) عندما كان يشكو لصديقه أحداث أزمة وقع بها، فبدل أن يستمع له بدأ ينظر لها باستهتار وبأن ما يمر به لا يستحق هذه الأهمية، ويعبر عن استيائه بالقول "بدل ما يفهمني استخف بمشكلتي".
ويعترف عبد الكريم أنه مر بخيبة أمل كبيرة بعد الاستجابة التي وجدها من صديقه الذي اعتقد أنه سيصغي له باهتمام، فلم يتوقع أن يقدم له الحل، بحسب قوله، ولكنه كان ينتظر أن يتفهمه ويواسيه بكلمات تخفف من حزنه وضيقه.
"أردت أن يسمعني ويتفهمني فقط" يقول عبد الكريم، وهذا ما وجده في زميل آخر، الذي استطاع أن يحتوي حزنه ويبث لنفسه الأمان، ليدرك بذلك أن عليه اختيار الشخص المناسب ليبوح له.
بينما جمانة أحمد (33 عاما)، فتدرك تماما أهمية أن يصغي الإنسان لغيره، وخاصة المقربين منها الذين يجدون الراحة في التحدث معها، وتقول "هناك مواقف تواجه الإنسان يتوقف عقله ويكون بحاجة لشخص يسمعه ويتفهمه"، وهذا ما تشعر به وتحاول فعله من صديقاتها.
ومن الجانب النفسي للبوح، يبين الدكتور علي الغزو، أن التعاطف والاستماع للآخرين أمر مطلوب، مشيرا إلى أن الشخص الذي يقرر أن يتحدث عن مشكلته ويخرج معاناته للآخرين يختار الشخص الذي لديه ثقة به ويتوجه له، وذلك لأن الموقف الذي يمر به أجبره على التحدث وهو بحاجة لشخص يستمع له.
ويوضح الغزو أن مهارة الاستماع تعتمد على طبيعة الشخص؛ إذ إن هنالك أشخاصا طبيعتهم بأنهم مستمعون جيدون، وغيرهم بطبيعتهم لامبالين، ويأخذون الأمور ببساطة، بينما الأصل أن يستمع للمشكلة بغض النظر عما إذا كانت بسيطة أو معقدة، ويتعامل معها بقدر الإمكان بطريقة بجدية حتى يستطيع أن يصل لحل مناسب، مشيرا إلى أن البعض لا يعطي المشكلة حقها رغبة منه في التخفيف عن صديقه لكي لا يفكر بها أو لتبسيط الأمور، وبالنهاية هذه الأمور تعتمد على طبيعة الشخص وكيف يتعامل مع المواقف التي يمر بها مع الآخرين.
وفقا لموقع (vantagecircle) المتخصص في أساليب تطوير الذات، فإن تنمية مهارة الاستماع تعد من أهم القرارات التي يتخذها الأشخاص لمحاولة فهم مواقف الآخرين بعناية ودقة، بعيدا عن إصدار الأحكام.
ويكشف الموقع أن 55 % من الأشخاص يخصصون وقتهم فقط للاستماع.
هذا وأن مصطلح "تنمية مهارة الاستماع" صاغه عالما النفس كارل رودجرز وريتشارد فارسون العام 1957، حين أكدا أن هذه المهارة هي الوسيلة الأهم في إحداث التغييرات لدى الناس.
ويشير الغزو إلى أن المشكلة تكمن بأن الأشخاص دائما يفترضون أنهم سيجدون الحل أو يرون استجابة إيجابية من الآخرين، ولكن الأهم، برأيه، أن الفرد يجب أن يضع احتمالا ولو 1 % أن الشخص الذي يتوجه له بغم ثقته به وراحته، لكنه قد لا يجد ردة الفعل أو التعاطف والحل المناسب لمشكلته لديه.
ويشدد بذلك على أهمية أن يكون هذا الشعور حاضرا بداخله، فهو يساعده من الجانب النفسي، فتكون ردة الفعل متوقعة له، فكما يفترض أنه قد يجد حلا لمشكلته أو تعاطفا بالوقت ذاته، يجب أن يفترض أنه من الممكن ألا يجد ردة الفعل المناسبة، وهذا بدوره يخفف من الصدمة النفسية عليه.
ويرجح الغزو أن الطرف الآخر قد لا يتعاطف ليخفف من حدة المشكلة اعتقادا منه أنه إذا أخذ الأمور هكذا، قد يريحه ويخفف من المشكلة، وهذا لا يعني أنه غير مهتم للاستماع لمشكلته أو لحجمها، ولكن الدافع الذي جعله يفعل ذلك هو من باب التخفيف على الطرف الآخر وليس من باب التجاهل أو عدم التعاطف والاستماع، بينما الشخص الواعي والمسؤول يتعامل مع المشكلة بجدية مطلقة ويجلس ويتحاور لمعرفة الأسباب المشكلة والحلول الممكنة.
وبذلك، نستنتج أن هنالك نوعين من الأشخاص، بحسب الغزو، الأول يتعامل مع القضية بلامبالاة بالرغم من أنه ليس القصد اللامبالاة بل التخفيف من حدة المشكلة ومن الضغط والعبء النفسي على الشخص حتى ينتقل لمرحلة التحاور، والثاني يتعامل بشكل مباشر ويبدأ بالحوار ويتعامل مع المشكلة بجدية مطلقة، وهنا يأتي الدور على الطرفين كيف يتفهم أحدهما للآخر ويفهمه.
ويشير الغزو إلى أنه في بعض الأحيان، عندما يكون الشخص "متعشم" بصديقه ويعلق عليه آمالا ويجد هذا البرود في الاستجابة، لا شك أنه يولد لديه صدمة نفسية وخيبة أمل كبيرة، والصدمة النفسية تتفاوت بدرجة حدتها بناء على قوة المشكلة وحجمها وقرب الشخص منه، فإن حجم المشكلة يلعب دورا كبيرا في الصدمة التي قد تترتب على هذا الشخص.
ويؤكد الغزو أهمية اختيار الشخص المناسب للتوجه له؛ إذ هنالك أشخاص وليس بالضرورة أن يكون مقربا أو صديقا، وقد لا تربط به علاقة قوية، ولكنه يعرف بخبرته في الحياة وقد يساعده ويسمعه ويقدم حلا لمشكلته، وهنا دور الشخص الذي لديه مشكلة أن يعلم كيف يختار الشخص الذي يتوجه له بالطريقة الصحيحة.
وينوه الغزو إلى أن المشكلة تكمن بأننا عندما يكون لدينا مشاكل نذهب للأشخاص المقربين منا بسبب الألفة، ولكنه في الوقت ذاته بسببها قد لا يأخذ الأمور على محمل الجد وبلامبالاة، لذلك على الشخص محاولة الخروج من هذه الدائرة والتوجه لأشخاص فعلا لديهم تجارب وخبرات قد يجد لديهم الحلول المناسبة لمشكلته والراحة التي يبحث عنها، مبينا أن الخبرة الحياتية والعملية تلعب دورا كبيرا في تعاملهم مع الآخرين، إذ يتمتعون مهارات الاستماع والتواصل التي تساعدهم.
ويؤكد الغزو أنه يجب ألا نلقي اللوم على الشخص المستمع فقط، فالشخص نفسه يتحمل جزءا من المسؤولية والصدمة النفسية التي قد يمر بها في حال لم يجد في الشخص الذي توجهت له المساعدة والتعاطف معه، وبالنهاية هي عملية توازن بين الطرفين.
ويقول الغزو "أنت كشخص يجب أن تختار الشخص الصحيح الذي لديه تجارب وخبرات لكي لا تكون الصدمة النفسية لديك كبيرة، الى جانب وضع توقعات بأنه من الممكن أن هذا الشخص لن يقدم الحل أو يتعاطف معك، وهذا الجزء يخفف من الضغوط النفسية التي قد تتسبب له لاحقا".
وينوه إلى أن الاستجابة السلبية في المرة الأولى ليست مقياسا للشخص، لأن ردة الفعل تختلف باختلاف المشكلة وأسبابها وظروفها، فإن لم يجد حلا لمشكلته في وقتها، فهذا لا يعني ألا أعود له مرة أخرى وأن يصبح لديه تعميم مطلق بألا يلجأ له في حياته، وهذا من السلوكيات التي يتصرف بها الأشخاص للأسف، إذ إنه يفقد الثقة بالآخرين، ولا نريد أن نصل لمرحلة التعميم وفقدان الثقة بالآخرين.
ووفق الغزو، في بعض الأحيان "نحن سبب المشكلة وليس الآخرون"، و"ما ذنب الطرف الآخر ولماذا نلقي عليه اللوم"، بل على الشخص نفسه أن يختار الشخص المناسب ليحل مشكلته، ففي بعض الأحيان، غياب التوقيت المناسب يعد سببا في عدم التعاطف فلا تعلم ظروف الآخرين فقد يكون لديهم هموم ومشاكل، لذلك علينا أن نلتمس للآخرين عذرا، لأننا لا نعلم ما هي ظروفهم، وما الذي يمرون به من تجارب.