في موسم الزيتون.. مادبيون يحيون طقوس القطف و"العونة"

مادبيون يحيون طقوس القطف و"العونة"
مادبيون يحيون طقوس القطف و"العونة"

 بدأت معاصر الزيتون الحديثة في محافظة مادبا تحريك حجارتها، معلنة انطلاقة موسم جني ثمار الزيتون، الذي يشكل أحد موارد المنطقة ونشاطاً موسمياً للأيدي العاملة، ولا سيما النساء.

اضافة اعلان


تتردد أغان شعبية خلال موسم قطف الثمار من قبل العائلات التي تنتظر هذا الموسم بفارغ الصبر؛ حيث يشكل قطاع الزيتون مورد رزق للعديدين في بلدات محافظة مادبا والقرى المجاورة لها.


العناية به اقتصرت حتى الأمس القريب على الأساليب البدائية، فيما دخلت التقنية الحديثة الى هذا القطاع منذ ما يزيد على عشرة أعوام، وعليه انتشرت معاصر زيت حديثة، إضافة إلى ماكينات قطاف وتقليم جديدة ومعاصرة، إلا أن استعمال الماكينات المتطورة يقتصر على عدد من المزارعين، في حين ما يزال المزارعون يعتمدون على الأيدي العاملة في جني المحصول.


ويبدأ جني ثمار الزيتون في محافظة مادبا عادة في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) ويمتد إلى شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، ويرتبط بذكريات عالقة بأذهان المادبيين تحت أشجار الزيتون؛ إذ يعد موسما يجسد صوراً متعددة للتكافل والتلاحم الاجتماعي تحت عنوان "العونة"، وهي عادة توارثها القرويون أباً عن جد، إذ يتعاون أفراد الأسرة الواحدة أو كل أفراد العائلة على جني الزيتون، وهناك تدعو الأسر المحدودة العدد أفراد أسرة أخرى إلى مساعدتها، لأن جني الزيتون يتطلب الكثير من الأيدي العاملة.


وتوسع قطاع معاصر الزيتون في محافظة مادبا من معصرة واحدة ليصبح عددها ما يزيد على 5 معاصر بين قديمة وحديثة، وصولا إلى معاصر أدخلت الحداثة مع الإبقاء على الحجر القديم لجذب المزارعين التقليديين، وباشر عدد قليل من المزارعين بقطاف الزيتون وعصره، فيما ينتظر غالبيتهم زخات إضافية من المطر للتوجه إلى الكروم، حيث تغسل الأمطار حبات الزيتون من جهة، وتزيد في كميات إنتاج الزيت، حسب اعتقادهم.


وبهذه الأوقات، نرى المعاصر مليئة بأكياس الزيتون التي تركها أصحابها بعد أن حجزوا دوراً للعصر، وبضعة أشخاص ممن حان دورهم بالفعل، وفق صاحب معصرة رعد أبو الخيل؛ إذ تعد معصرته الأولى في محافظة مادبا التي تأسست العام 1986، ويقصدها نسبة كبيرة من مزارعي جرينة، ومختلف مناطق المحافظة كونها تعتمد تقنيات تساعد على فصل الماء كلياً عن الزيت، وتعطي إنتاجاً أفضل، حسب صاحب المعصرة أبو الخيل.


يؤكد أبو الخيل، أن المزارع يزداد إنتاجه في المعاصر الحديثة، وبخاصة أن العملية تتم أمام أعين المزارع.


واعتادت أسرة الحاج حسام الحسين التعامل بحرص مع أشجار الزيتون أثناء عملية قطف ثمارها، خشية من إلحاق الأذى بكسر أغصانها، إذ تقوم بجني المحصول وتوريده إلى معصرة حديثة تقع في بلدته "جرينة" التي يغلبها طابع السرعة لعصر الزيتون الذي لا يتوقف عند حدود الطعم وجودة الزيت بمذاقه أو شكله، بل يعد جزءاً أساسياً في الحفاظ على موروث تقليدي سنوي اعتادت عليه وأهالي البلدة.


ويهون التعب والجهد على الحاج أبو محمد وأسرته عندما تأخذه الذكريات إلى معصرة الزيتون الوحيدة في بلدته جرينة، وتحضره ذكريات جميلة كاللقاء ببعض الأصحاب، والنظر مطولاً على المراحل التي يتم فيها عصر الزيتون، مسترجعاً ذكرياته مع معصرة الزيتون، ويعتبر وجودها والحفاظ عليها جزءاً أساسياً من الأصالة والتراث.


ورغم ازدياد معاصر الزيتون وانتشارها في مختلف مناطق مادبا والمناطق القريبة، إلا أن الحاج أبو محمد ما يزال متمسكا بعصر زيتونه في معصرة بلدته الوحيدة التي تقدم زيتا مذاقه جيد وطيب، وفق ما ذكر: "لست الوحيد الذي اعتاد وتمسك بعصر الزيتون في هذه المعصرة، فهي تسوقني لذكريات جميلة في كل مواسم جني ثمار الزيتون وعصرها، بل يوجد الكثير من أهالي البلدة والبلدات المجاورة يأتون لعصر محاصيلهم من الزيتون في هذه المعصرة".


ويحبذ معظم المزارعين قطف "زيتون الطاولة"، أي ذلك المخصص للأكل باليد، وفرط زيتون عصير الزيت بالعصي، وهو ما يترك انعكاسات سلبية على الشجرة، حسب المزارع غالب علي الوخيان من بلدة الفيصلية.


ويبدو الوخيان غير متحمس للتقنيات الحديثة، رافضاً استعمال أي آلة في بساتينه، مؤكدا أنه لا يحبذ طريقة العصر الحديثة، وهو يرسل منتوجه من الزيتون إلى معصرة في المشقر.


وتبذل الحاجة أم علي الشوابكة وابنتها جهداً مضاعقاً بقطف ثمار الزيتون للحصول على مؤونة المنزل من زيت الزيتون، مما يزيدها شعوراً بالبهجة والسرور عندما تقصد بساتين الزيتون، لأن خيرات الأرض كثيرة وحبة الزيتون مباركة وتحتاج إلى الاهتمام والعناية، وليست الحاجة أم علي وحدها من يهتم بزراعة الزيتون في منطقة جرينة، فهناك العديد من الأهالي الذين يهتمون بهذه الزراعة، التي ينقصها الإرشاد والتوجيه، وفق الخمسيني أبو سيف المتابع بدقة لتطور قطاع الزيتون في قضاء جرينة.


وتحدث أبو الخيل عن مراحل عصر الزيتون، قائلاً: "تبدأ بعامل يفرغ الزيتون في حوض ينزل منه إلى "الذراية" التي تفصل الورق عن حبات الزيتون، ويذهب بعدها إلى الغسل، ثم الجرش. وينقل بعدها إلى "الخلاطة"، حيث يغمر بالماء الساخن. وعندما يلين بدرجة تسمح باستخلاص الزيت منه، يرسل إلى المكبس الذي يفصل الزيت والماء عن الجفت، وأخيرًا إلى "الفرازة" التي تسحب المياه من الزيت. وحول ذلك، قدم مصدراً مأذوناً في مديرية زراعة مادبا، النصح بعدم جني ثمار الزيتون إلا بعد اكتمال نموها وظهور علامات النضج الكامل عليها وتلون نسبة تتجاوز 50 بالمائة من الثمار، مؤكدا عدم قطف الثمار من خلال الضرب بالعصي لتفادي التسبب بإيذاء الأغصان أو إحداث الجروح للثمار، مما يؤثر سلبا على كمية الإنتاج والاستعاضة عن ذلك بالأيدي والأمشاط البلاستيكية.


وأكد ضرورة عدم وضع الثمار المقطوفة في أكياس بلاستيكية، لأن ذلك يؤثر سلبا عليها ويؤدي إلى تعفنها ورداءة طعم الزيت وارتفاع نسبة الحموضة.


ويدعو الى وضع الثمار في أكياس وشوالات خيش مع عدم خلط الثمار المتساقطة مع الثمار السليمة وتقليم الأشجار بعد عملية القطف مباشرة. ويعتبر المصدر ذاته أن المقولة الشائعة، التي تفيد بأن الزيتون لا ينتج كل سنة مثل السنة الأخرى، هي مقولة غير دقيقة، لأن الزيتون "يحمل" كل سنة، وأن كمية الإنتاج تتعلق بمدى اهتمام المزارع بأشجاره. 


ويضيف، أن من أهم عوامل تراجع الإنتاج بين موسم وآخر يرتبط إلى حد كبير بطريقة قطاف الزيتون، التي يعمد فيها الكثير من المزارعين إلى "تصفيق" الزيتون بالعصي والآلات المختلفة، ما يتسبب بتكسير البراعم الزهرية، التي هي الأساس في إنتاج حبات الزيتون، إضافة إلى غياب عملية التسميد المنتظمة، ورش الأشجار مرتين في السنة على الأقل، لمكافحة الأمراض، ومنها مرض "عين الطاووس" الأكثر شيوعاً وتقليم الأشجار.

 

اقرأ أيضاً: 

"أوجاع غزة" تحاصر أحاديث العائلات في موسم قطاف الزيتون