ما بين رمضان والعيد: رحلة مرضى "اضطرابات الأكل" تتصاعد.. واختصاصيون يحذرون

تعبيرية
تعبيرية

بالنسبة للكثيرين، كان شهر رمضان منذ أيامه الأولى، فرصة لفقدان الوزن واستعادة رشاقة الجسد قبيل عيد الفطر. ومع ذلك، وجد البعض صعوبة في التحكم بكمية الطعام عند الإفطار، واللجوء لتناول وجبات عدة دون تحكم.

اضافة اعلان


ويرى عدد من الأشخاص في وجبتي الإفطار والسحور فرصة لتعويض ما فاتهم خلال اليوم من صيام. إضافة إلى ذلك، يميلون إلى الإفراط في تناول الطعام خلال أيام عطلة العيد. وواجه بعض الأشخاص تحديات تتعلق بعاداتهم الغذائية خلال شهر رمضان، حيث الإفراط في تناول الطعام، مما يزيد من إحساس الذنب بعد انتهاء الشهر الكريم، في حين يفقد آخرون شهيتهم بالكامل.


تحكي ريما، البالغة من العمر 22 عاما، عن تجربتها خلال شهر رمضان، حيث كانت قد وضعت هدفا لتنظيم طعامها وفقدان الوزن، لكنها وجدت صعوبة في ضبط نفسها عند تناول وجبتي الفطور والسحور. وأعربت عن شعورها بالندم كلما نظرت إلى نفسها في المرآة. ومع اقتراب انتهاء الشهر المبارك، تم تشخيص ريما بمعاناتها من اضطراب الأكل النهم، وهو مرتبط بزيادة الوزن، ما ألقى بظلاله على حالتها النفسية.


اضطرابات الأكل تعرف بأنها مجموعة من الحالات النفسية التي تؤدي إلى تطور عادات غذائية غير صحية. سواء بهوس الطعام، أو فقدان الشهية العصبي. غالبا ما ينظر الأشخاص المصابون بهذه الحالة إلى أنفسهم بطريقة مشوهة.


في حديثها مع "الغد"، أوضحت الدكتورة ديمة الكيلاني، المتخصصة في التغذية، أنه لا يوجد سبب محدد لظهور اضطرابات الأكل، لكن هناك عوامل خطر عدة قد تسهم في تطور هذه الاضطرابات، من بينها العوامل الوراثية والعائلية، تأثيرات الحميات الغذائية القاسية والتجويع بهدف التحكم في الوزن وشكل الجسم. كما تلعب الضغوطات النفسية كالتنمر، والتغيرات الحياتية مثل البلوغ أو فقدان أحد أفراد الأسرة دورا مهما. وتبرز أيضا الثقافة المجتمعية المهووسة بفقدان الوزن كأحد العوامل الرئيسية المؤدية إلى اضطرابات الأكل.


إلى ذلك، هناك أمراض يمكن أن تصاحب اضطرابات الأكل، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم. العامل الأساسي وراء هذه الاضطرابات هو الحالة النفسية، والتي غالبا ما ترتبط بأمراض أخرى كالقلق، الاكتئاب، الوسواس القهري والتوحد.


وأشارت الكيلاني إلى تأثير رمضان على الأشخاص المصابين بالاضطرابات الغذائية، كما هو الحال مع مرضى البوليميا الذين قد يعانون من نوبات الأكل النهمي بعد فترات طويلة من الصيام، مما يؤدي إلى سلوكيات مثل الإفراط في تناول الطعام أو فقدان الشهية العصبي. قد يستغل بعض المرضى فترات الصيام بطريقة غير صحية، بحيث يتجنبون الطعام تماما. وخلال فترة التعافي، قد يتم معالجة بعض الأشخاص من اضطرابات الأكل.


ووفق الكيلاني، من بين الخطوات الأساسية لعلاج اضطرابات الأكل بالأيام العادية، تناول وجبات عدة متوزعة على مدار اليوم وتجنب القيود الصارمة على الأكل. تعد الحميات القاسية والتجويع من العوامل التي تزيد خطر تفاقم هذه الاضطرابات. في حالة الصيام، قد يجد المصابون بالاضطرابات خطرا إضافيا، حيث يمكن أن يؤدي الامتناع عن الطعام إلى تحفيز سلوكيات، مثل الإفراط في الأكل ثم الاستفراغ، واستخدام الملينات بشكل مفرط. وعلى مرضى فقدان الشهية خلال فترة العلاج تناول الطعام بانتظام، خصوصا لمن يعاونون نقصا في التغذية.


وأشارت الكيلاني إلى أن الشفاء من اضطرابات الأكل ممكن، ولكن في بعض الأحيان، قد يتحول الاضطراب من نوع إلى آخر، مثل التحول من فقدان الشهية العصابي إلى البوليميا. الشفاء يعد ممكنا إذا تمت معالجة الاضطراب بالطريقة الصحيحة، على الرغم من أنه قد تحدث انتكاسات. في حالات الانتكاس، يجب وضع خطة علاجية محددة للتعامل معها.


اضطرابات الأكل تسبب مشاكل جسدية متعددة. فمثلاً؛ البوليميا يمكن أن تؤدي إلى التقيؤ المتكرر، ما يسبب مشاكل في المريء وتآكل مينا الأسنان، بالإضافة إلى ظهور الأوردة على الخدود وندوب على الأصابع نتيجة العض عليها، حيث تتسبب الأحماض المعدية المتكررة في هذه الأضرار.


أعراض فقدان الشهية تشمل سوء التغذية بسبب مؤشر كتلة الجسم المنخفض تحت 17، وتؤدي إلى الجفاف، هلوسة، تعب مفرط، إمساك، خمول دائم، وقد يظهر شعر على الوجه والرقبة، إضافة إلى اضطرابات في الدورة الشهرية. أما اضطراب نهم الطعام، فيتميز بتناول المريض كميات كبيرة من الطعام، مما قد يؤدي إلى زيادة الوزن. علامات تطهير الجسم من الطعام، التي تلاحظ عادة في حالات البوليميا وأحيانا فقدان الشهية، تشمل القيء الذاتي، استخدام الملينات أو مدرات البول، أو الإفراط في ممارسة الرياضة لفترات طويلة.


الكيلاني تقدم نصائح سلوكية للتعامل مع اضطرابات الطعام، خاصة عند تناول وجبة الإفطار. ينصح بوضع الطبق والتركيز فيه، مما يعزز ممارسة الأكل الواعي، بمعنى أن يتم تذوق الطعام ومضغه برفق، كما يفضل أن يكون مكان تناول الطعام هادئا ومريحا، بعيدا عن الضوضاء والمحفزات.


كما تشير إلى أن العيد قد يمثل مصدر قلق لمرضى اضطرابات الطعام. مرضى فقدان الشهية العصابي قد يخافون من كعك العيد والشوكولاته، معتبرين إياها تهديدا لنظامهم الغذائي. أما مرضى النهم الطعامي والبوليميا، فقد يخشون الإفراط في تناول هذه الأطعمة.


الحل يكمن في التزام تناول وجبات منتظمة كل أربع ساعات، مع تأكيد أهمية توازن الوجبات التي تشتمل على الكربوهيدرات، البروتينات، والخضار. ينصح باعتماد استراتيجية الأكل الواعي والاستمتاع بالجوانب المتعددة للعيد، بما في ذلك الطعام. من الضروري تجنب التخطيط للحرمان، مع السماح بتناول كميات معتدلة من أطعمة العيد.


يقول الدكتور محمد أبوصليح، اختصاصي الأمراض النفسية وعلاج الإدمان، إن رمضان يمثل تحديا خاصا للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل إن لم يتم اتباع خطة غذائية صحية، وقد يشعر البعض بسبب الامتناع عن الطعام لفترات طويلة، يمشاعر القلق والتوتر.


الفتيات هن الأكثر عرضة لاضطرابات الطعام، كما يزداد الخطر عند الأشخاص ذوي التاريخ العائلي لمثل هذه الاضطرابات. أيضا، يعد اتباع أنظمة غذائية مبالغ فيها من العوامل الخطيرة التي قد تؤدي إلى تطور هذه الاضطرابات. ومن الجدير بالذكر أيضا أن التغييرات الكبيرة في نمط الحياة، مثل الانتقال من المدرسة إلى الجامعة أو بدء وظيفة جديدة، يمكن أن تشكل عوامل خطر.


عوامل الضغط يمكن أن تؤدي إلى بدء اضطرابات الأكل، خصوصا في بعض المهن التي ترتبط ارتباطا وثيقا بشكل الجسم، مثل الرياضة، كالمصارعة والجمباز، وكذلك بين الفنانين وعارضي الأزياء؛ حيث يولى اهتمام كبير للمظهر الجسدي. أيضا، من العوامل الأخرى التي يمكن أن تزيد من خطر تطور هذه الاضطرابات؛ التربية العائلية التي تولي اهتماما كبيرا لشكل الجسم والوزن، مع التعليق المستمر على الأطفال في هذا السياق، وفقا لما نوه إليه أبو صليح.


اضطراب فقدان الشهية العصبي يعد من أكثر اضطرابات الأكل شيوعا وخطورة، قد يؤدي في بعض الحالات إلى الموت. يتسبب هذا الاضطراب في مشاكل جسدية بالغة تتضمن فقدان الوزن الحاد، الإرهاق، تقلب المزاج، والارتباك في التفكير المرتبط بشكل خاص بالجسم والطعام. جسديا، قد يؤدي النقص في العناصر الغذائية الأساسية وتغذية غير مناسبة وغير صحية إلى مشكلات صحية خطيرة. نفسيا، يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب، القلق، العزلة الاجتماعية، وحتى التفكير بالانتحار. في الحالات الشديدة ومن دون علاج، قد تؤدي اضطرابات الطعام، خاصة فقدان الشهية العصبي، إلى الموت.


وبحسب أبو صليح، فإن نقص الفيتامينات الناجم عن هذه الاضطرابات، إضافة إلى ضعف الجهاز المناعي والتدهور وتأثر العضلات، من العوامل ذات الخطورة الشديدة، ويمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة.


ويسعى الناس لتخفيف وزنهم خلال الشهر الفضيل، استعدادا للعيد والظهور بشكل لائق بالملابس الجديدة. هذه الضغوط قد تشكل تحديا كبيرا للأشخاص المصابين باضطرابات الأكل، وقد تؤدي إلى حدوث انتكاسات خلال هذا الشهر.

 

وأوضح أن رمضان، وهو على وشك الانتهاء، يعد فرصة للتغيير؛ حيث يشجع الأفراد على التخلص من العادات السيئة، مثل محاولة الإقلاع عن التدخين. كما يعتبر البعض أن شهر رمضان فرصة لتبني عادات صحية تتعلق بالغذاء.

 

اقرأ أيضاً: 

لا تلم نفسك.. نصائح تساعدك على التعافي من اضطرابات الأكل!

اضطرابات الأكل.. هل يمكن أن تهدد حياة صاحبها؟