محمد البشتاوي يخط "جدل التجارب في الفيلم الوثائقي"

محمد البشتاوي يخط "جدل التجارب في الفيلم الوثائقي"
محمد البشتاوي يخط "جدل التجارب في الفيلم الوثائقي"

عزيزة علي - صدر، بدعم من وزارة الثقافة، عن الآن ناشرون وموزعون، كتاب بعنوان "جدل التجارب في الفيلم الوثائقي"، للباحث في صناعة الأفلام الوثائقية محمد محمود البشتاوي.

اضافة اعلان

 

الناقد الزميل حسين نشوان، كتب كلمة على غلاف الكتاب، يشير فيها إلى أن البشتاوي يضع الفيلم الوثائقي في بوتقة التجربة بسؤاله الذي يقدمه في العنوان بصيغة "جدل"، لإيمانه بالتنوع والتعدد وحدود المغامرة التي يلامسها الفيلم الوثائقي تاريخيا، وهو سؤال يقارب فيه عددا من الأفلام التي بثت على غير قناة من الفضايات العربية، مبرزا جمالياتها وأساليب إخراجها ومعالجتها التقنية والفنية وخصائصها.

 

ويلفت نشوان إلى أن البشتاوي يشرح بعين الباحث والناقد والخبير، عمليات انتقال الفيلم من الفكرة إلى المشاهدة البصرية، ويلقي الضوء على أهمية الفيلم الوثائقي كمدونة تاريخية قادرة على استدعاء الأحداث، وتقديم رواية أكثر صدقية لتفسير الوقائع بعدد من الزوايا.

 

ويرى نشوان أن أهمية هذا الكتاب تكمن في "الجهد العميق والأصيل الذي بذله المؤلف في تغطية تجارب مجموعة من أبرز المخرجين العرب في هذا النوع من صناعة الأفلام، وكذلك في الإضافة النوعية التي يقدمها للمكتبة العربية التي من شأنها أن تغني العاملين والهواة في مجال السينما والأشرطة الوثائقية ومجال الإعلام".

 

وكتب الباحث في الشؤون الثقافية والسينما د. تيسير المشارقة، تقديما للكتاب، يرى فيها أن البشتاوي، في هذه الدراسة، يحاول التأصيل والتأسيس لنظريته الخاصة في التحليل للسينما الوثائقية، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب من الناحية المعرفية. ويمكننا بالقراءة المعمقة لأطروحات المؤلف أن نشتق أو نستخرج الرؤية النقدية والمنهج النقدي والخطوط التحليلية التي عمل عليها في معاينته النقدية للفيلم الوثائقي.

 

ويشير المشارقة إلى أن المؤلف لقي مشقة في الوصول إلى مراجع ومصادر علمية عربية في الفيلم الوثائقي، ولجأ أحياناً إلى مصادر عامة، مما جعله في نهاية المطاف يعتمد على قدراته التحليلية في قراءة بصرية تطبيقية تناولت مجموعة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية تم البحث فيها وعنها بعناية، لذلك، فإن هذا الكتاب يستحق هذا المجهود البحثي والثناء، فهو إضافة نوعية للمكتبة العربية في الفيلم الوثائقي، وسيكون هذا الكتاب عوناً لطلبة الإعلام وصناع الفيلم الوثائقي في الأردن وفلسطين والعالم العربي.

 

يقول المشارقة "إن هذا الكتاب يأتي ليسد ثغرة في المعرفة وفجوة في النقد الفني لهذا النوع من الأفلام"، مبينا أن الكتب المتخصصة في صناعة الفيلم الوثائقي التسجيلي قليلة ونادرة، ويأتي هذا الكتاب للباحث والإعلامي البشتاوي، الذي يتميز، بأبوابه الستة، بقدرة تحليلية للعديد من الأفلام الوثائقية في تصنيف علمي غير مسبوق.

 

يعالج الباب الأول قضايا تمهيدية مهمة في "الوثائقي الإبداعي"، ويتناول مجموعة من القضايا العميقة مثل التجريب السينمائي الإبداعي في إنتاج الأفلام الوثائقية، ويقدم لنا المؤلف ثلاثة تجارب فيلمية عبر معالجات نقدية لها، وهي: "بعيداً عن الوطن" لقيس الزبيدي، "المنام" لمحمد ملص، "تمتمات منى" لإيهاب خمايسة، وتكمن أهمية هذا الباب في أنه يدعونا للتفكير "خارج الصندوق"، والتحليق من عالم التلفزيون إلى السينما والمزاوجة بين التخييل الدرامي والتسجيلي الواقعي.

 

ويشير إلى أن الباب الثاني ينفرد بالتحليل للومضة الوثائقية، ويقرأ فيه المؤلف الحالة الإبداعية في الاختزال والإيجاز والتكثيف، ثم ينتقل إلى تناول خصائص الومضات التسجيلية، من خلال قراءات نقدية في خمس ومضات (أفلام وثائقية قصيرة جدا) مثل: اغتيال جنة، شق، البرج، بحلم، والحياة المعلقة، ويذهب المؤلف في الباب الثالث إلى تحليل تشريحي لفيلم "مقتل السيناتور"، ويمضي بالقارئ من مرحلة تبلور الفكرة الوثائقية مرورا بعملية الإنتاج وصولاً إلى مرحلة العرض على الشاشة. وتترسخ قناعة المؤلف -انطلاقاً من تجربته- بأنه لا مسطرة واحدة في البحث والإعداد، ويقدم لنا النصائح الجوهرية في كيفية صياغة مشاريع الأفلام الوثائقية وكتابة الفكرة ومعالجتها.

 

وعن "تجارب ورؤى وثائقية"، جاء الباب الرابع، ينطلق فيه الباحث في رحلة نظرية تؤسس لمعرفة أفضل في صناعة الفيلم التسجيلي الوثائقي، وذلك من خلال التركيز على مسائل متنوعة "وحدة الموضوع وتعدد الخيوط"، معالجاً المحتوى الموضوعي والرؤية البصرية لفيلم "البدول" لمخرجه محمد سلامة. ويركز الباحث البشتاوي في صناعة الفيلم الوثائقي على تدوير زوايا الرؤية وكيفية الذهاب إلى الهامش أثناء معالجة قضايا مركزية وملحة، مقدماً مثالاً على ذلك في فيلم "اغتيال الحريري"، لمخرجته بهية نمور التي تمكنت من إبراز الجوانب المهمشة والإنسانية، المغيبة إعلاميا في فيلمها.

 

ويواصل المشارقة حديثه، قائلا "في هذا الباب، يرى الكاتب أن الفيلم هو "عبارة عن رحلة بحث"، وهكذا فعل في معالجته لفيلم "عندما يُستهدف الصحفيون"، لمخرجه بشار حمدان، الذي تجول عبر عدسة الكاميرا في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعالم. ثم ينتقل في الباب ذاته إلى مسألة تتعلق بجماليات الصورة وبساطة السرد الوثائقي الذي يفترض أن يتسم بـ"العفوية" في رائعة المخرج خيري بشارة "طبيب في الأرياف".

 

ويرى المشارقة أن البشتاوي لم ينس التركيز على الفيلم التاريخي الذي يلتزم بالصورة الوثائقية، موضحاً جوانب سطوة الصورة في التاريخي، ومؤكداً ضرورة معايشة التاريخ من خلال صورة ناطقة، وأن التاريخ يمكن سرده بصرياً بأناقة في تأسيس للتاريخ المرئي أسوة بالتاريخ الشفهي والمكتوب، مع تفريقه بين هذه الحقول. وتطبيقاً لذلك، قدم البشتاوي فيلم "وعد بلفور"، وفيلم "سودان مايو"، ليؤكد رؤيته ونظريته.

 

ويرى أن المؤلف انشغل في التأصيل النظري للفيلم الوثائقي الاستقصائي في الباب الخامس من الكتاب؛ إذ يرى أن هناك اشتراطات واضحة للتحري والتقصي، وأن الإعلامي في هذا الحقل يبذل مجهودا أكبر في عملية البحث وجمع المعلومات وتحليلها، والوصول إلى مصادر خاصة، وتقديم مادة تتسم بالدقة والعمق، استناداً إلى علم الفرضيات، وتكون النتيجة محاولة الكشف عن جديد يزيل الغموض عن الجهة المسؤولة عن الواقعة تحير الرأي العام، وفي هذا الباب المهم، يدعونا البشتاوي للتركيز في أعمالنا على هذا النوع من التقصي في صناعتنا للأفلام الوثائقية، موضحاً أن هذا الطريق في العمل يواجه الكثير من التحديات.

 

يطرح علينا المؤلف أساليب المعالجة الفنية والبصرية لهذا النمط من الأفلام، مقدماً أربعة أفلام استقصائية تنقب في المسكوت عنه، مختاراً تحقيقات في القطاع الصحي والطبي، وهي: "ابتسامة مهربة"، "سماسرة الدواء"، "تجارب دوائية خلف الأبواب الموصدة"، "هل يصنع القتلة الدواء؟"، تحت عنوان "جهة نظر"، في الباب السادس، يقدم لنا الباحث وجبة ثرية وثمينة في الفيلم التسجيلي العربي، ويتناول مسائل عدة؛ الموسيقا وتوظيفها في علاقة جدلية بين الصورة والنغمة، وكذلك جماليات المكان في الفيلم الوثائقي عبر ثلاثية سلطنة عمان ضمن برنامج "كاميرا ومدينة"، للمخرج عايد نبعة، والوثائقي الفلسطيني وغياب أرشيف مرجعي.

 

ويختم البشتاوي كتابه بـ"ملف مهم" حول الفيلم الوثائقي الفلسطيني، مستنداً إلى مشاركات وأطروحات لعدد من المختصين في هذا المجال؛ فكنا مع قراءات بصرية للناقد الفلسطيني الراحل بشار إبراهيم الذي بذل كل حياته من أجل توثيق السينما الفلسطينية "الروائية والوثائقية"، في حين استعرضت روان الضامن جانباً من تجربتها في إنتاج الأفلام الوثائقية، بينما تطرق إيهاب خمايسة إلى أن "الوثائقي الفلسطيني" ليس مجرد بيان سياسي، ويتناول تيسير المشارقة الجيل الجديد في السينما الوثائقية الفلسطينية، وينهي المؤلف هذا الملف ببحث له حول الشهيد المصور هاني جوهرية.