كيف يمكن للمسيرات المؤيدة لغزة خلق التضامن دون حرف البوصلة؟

جانب من التظاهرات المناصرة لغزة في منطقة الرابية في عمان-(أرشيفية)
جانب من التظاهرات المناصرة لغزة في منطقة الرابية في عمان-(أرشيفية)

في السعي لأجل السلام والتضامن في العالم، كانت المسيرات الشعبية منذ فترة طويلة، أداة قوية للتعبير الجماعي.


وعندما يتعلق الأمر بالدفاع عن غزة، التي تتعرض لإبادة ممنهجة منذ 7 أكتوبر الماضي، فإن نجاح مثل هذه التظاهرات التي يشهدها الأردن منذ أشهر عدة، يتوقف على عدة شروط محورية، أهمها وحدة الهدف والتنسيق والإطار القانوني.

اضافة اعلان


أفعال فئة "ضالة" من المشاركين في المسيرات التي شهدتها عمان الأيام الماضية، وتحديدا في محيط منطقة السفارة الإسرائيلية بالرابية، بعثت برسالة سلبية، المستفيد الوحيد منها هو الكيان الصهيوني الذي بات سياسيوه وقادته ومؤثروه، مندهشين من كمية الجهل التي يتمتع بها بعض من يشاركون في المسيرات.


وفي هذا الصعيد، أكد سياسيون وإعلاميون في تصريحات لـ"الغد"، أن المسيرات المؤيدة لغزة، تكون أكثر نجاحا إن كانت منظمة بشكل جيد ومصبوغة بطابع "سلمي"، تدعمها مجموعة واسعة ومتنوعة ممن يتحلون بالعلم والمعرفة، معتبرين أن التظاهرات الحضارية تبقى في النهاية صوتا جماعيا يتردد صداه بأعلى صوت.


من هنا، قال وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة السابق فيصل الشبول، إنه منذ عدة أسابيع، ظهرت تقارير إعلامية عن عزم الكيان الصهيوني التأثير في الرأي العام الأردني والمصري، معتبرا بأن ما جرى ويجري من فئة معينة في المسيرات والتظاهرات التي تشهدها المحافظات وتحديدا عمان، هو أفضل هدية للكيان المحتل.


وأكد أن كل ذلك يتعمد تنفيذه من بعض المغرضين، في وقت يكثف فيه جلالة الملك عبدالله الثاني، تواصله مع قادة العالم لنصرة غزة ووقف إطلاق النار في القطاع المحاصر.


وقال الشبول إن الشعب الأردني حي في القضايا العربية، واستجابته أعلى من غيره من شعوب المنطقة والعالم، مبينا أن التظاهرات تبقى أسلوبا مألوفا في الأردن الذي منح حرية الرأي والتعبير أولوية. مؤكدا أن الخروج على القانون لا يُعد مسألة حضارية، بل حرف للقيم النبيلة، ويعرض المخطئ للعقاب والجزاء الرادع.


وأضاف الشبول "الأردنيون جميعا قيادة وشعبا ومؤسسات، يقفون في الموقع نفسه مما يجري في غزة"، منوها إلى أن التوصيفات والدور الأردني الملكي والرسمي، أنتج مصطلحات في السياسة الخارجية لم تكن تُستخدم قبل عام 1994 فيما يتعلق بالموقف من الحكومة الإسرائيلية وعدوانها الغاشم على غزة والضفة الغربية وترابط المسارين، وهو ما تحدث عنه جلالة الملك ونبه في أكثر من مناسبة لمخاطر مسألة التهجير.


وقال، إن عواصم غربية عدة كان لديها قبول لتهجير أهالي غزة من أرضهم، وإن هذه المواقف تغيرت وتبدلت بعد أن فهم قادتها مقاصد الضغط الملكي، ورأى القادة الأوروبيون ما يقوم به الاحتلال من إبادة جماعية، تخالف الأعراف والمواثيق والعهود الدولية.


واعتبر الشبول أن استخدام هذه الظروف لمخالفة القانون والإساءة للموقف الأردني، مرفوض، ومحاولة للمزاودات على الموقف الأردني الرسمي، وظهور شعارات ومحاولة استغلالها يعبّر عن ضيق أفق وجهل من جهة وسوء نية من جهة أخرى.


الأمين العام لحزب الميثاق الوطني د. محمد المومني، بين إن المسيرات إذا ما كانت تؤدي إلى نتيجة مفيدة، فعليها أن تنضبط وتلتزم بأحكام القانون. مضيفا أنه يجب عدم الاحتكاك أو الإساءة أو المساس برجال الأمن تحت أي شكل من الأشكال، لأنهم موجودون لتنظيم العمل ولحماية الممتلكات، والتأكد من أن كل شيء يسير وفقاً للنظام العام.


وأكد المومني، أنه يجب أن تكون الهتافات والشعارات منضبطة وملتزمة بالأسس والمبادئ والثوابت السياسية للدولة، لافتا إلى أنه كي تكون هذه المسيرات مفيدة، فيجب الابتعاد عن الإساءة والتشكيك بالموقف الأردني والمزاودة عليه، فهذا فيه إجحاف كبير بحق الأردن الرسمي المتقدم، كما يستفز قطاعا عريضا من الأردنيين الذين يؤمنون بأن دولتهم قدمت الكثير وما تزال للشعب الفلسطيني.


وشدد المومني على أن من لا يلتزم بهذه المعايير، سيحرف البوصلة عن مكانها الصحيح وسيكون مضرًا لقضية أهلنا وشعبنا الفلسطيني، ويوجّه الانتباه الى ما يحدث من تجاوزات خلال المسيرات في عمان.


وقال "علينا أيضاً أن ننتبه لأمر أساسي ومهم، وهو أن "الأردنيين لا يقبلون النصح أو التوجيه الا من دولتهم، لا من قيادة فصائلية فلسطينية ولا من أي كان". وانهم يأخذوا أوامرهم من الأردن وجلالة الملك وليس دون ذلك.


وسواء كان الأمر يتعلق بالدعوة لإنهاء الأعمال العدائية أو رفع مستوى الوعي حول القضايا الإنسانية، فيجب أن يكون للأهداف صدى لدى جمهور عريض وأن تتضمن جوهر القضية.


ومؤخرا، بدا واضحا غياب التنسيق والقيادة في المظاهرات، خصوصا وأن القيادة المُنظّمة هي العمود الفقري لأي مسيرة، كما أن الاحتجاجات التي تتسم بـ"اللاعنف" تحظى بالتعاطف العام واهتمام وسائل الإعلام، مما يؤكد على الأرضية الأخلاقية العالية للقضية.


واعتبر وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة "أننا لسنا بحاجة لوضع مواصفات لأي مسيرات سواء للتضامن مع غزة أو لأي قضية مشروعة، لأننا في الأردن نمارس عبر سنوات طويلة حق التعبير بالاعتصام أو التظاهر سواء في فترة الحراك أو قبلها في قضايا عربية تخص العراق أو فلسطين وغيرها".


وقال المعايطة، إن "المطلوب دائما، أن تكون هناك بوصلة واضحة لأي تظاهر، وهي القضية التي نريد التضامن معها وأن يتم ذلك وفق أحكام القانون". مضيفا أن واجب الدولة توفير الحماية لهذا التظاهر، وهذا ما كان منذ بداية العدوان على غزة حيث كان متاحا للجميع التعبير عن التضامن وإدانة العدوان الصهيوني.


وأضاف المعايطة، أن التعبير بأشكاله المختلفة كان حالة مطلوبة في سياق تشكيل موقف أردني شامل وقوي، وخرجت عشرات المسيرات في كل الأردن وكانت ضمن السياق.


وقال "لكن البوصلة تنحرف عندما لا يكون التضامن مع غزة هو الهدف ويكون استغلال مشاعر المتظاهرين لغايات إثارة الساحة الأردنية لأهداف لا تخدم غزة وأهلها وتُلحق الضرر بأمن الأردن الذي لم يترك وسيلة لمواجهة الاحتلال ومساعدة أهل غزة إلا ذهب نحوها".


وشدد المعايطة على أنه يجب أن تبقى مساندة غزة هي الهدف الأول والأخير في المسيرات، وأن من لديه أي مصالح يريد تحقيقها عبر مشاعر وصدق الناس، فعليه التوقف عنها وعدم المحاولة.


أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، قال إنه حتى لا تنحرف المسيرات الناجحة لصالح غزة، فيجب على المتظاهرين والقوة المنظمة للمظاهرات، أكانت قوى حزبية أو سياسية أو أفرادا، أن يتذكروا بأن الموقف الأردني هو الأميز تجاه القضية الفلسطينية.


وأضاف الماضي "عليهم تذكر أن المستويات كافة في الدولة الأردنية، عملت ما تستطيع وخارج حدود مقدرتها أيضا، في محاولة دائمة لدعم صمود الأهل في غزة، إما عبر الموقف السياسي للدولة بكافة مكوناتها أو بالموقف الشعبي".


وأكد أنه "عندما نتكلم عن الموقف الشعبي تجاه الأهل في غزة والمساعدات الإنسانية وما يخص الاحتياجات الخاصة في القطاع، بالذات الطبية والغذائية، فإننا نتحدث عن قضية مهمة جداً، وهي الأبعاد الشعبية التي تناغمت مع الموقف السياسي للدولة، والتي بالتالي انعكست على الموقف الأردني باتجاه الضغط على الموقفين الأوروبي والأميركي". 


وشدد الماضي على أنه على المتظاهرين ألاّ ينسوا الموقف الأردني مع الولايات المتحدة وإلغاء زيارة بايدن لعمان، بسبب موقف المملكة الداعم لغزة وفلسطين. موضحا ان "حديث جلالة الملك وخطابه في البيت الأبيض، تجاوز التوقعات بالنسبة لكثيرين حول العالم بخاصة في الولايات المتحدة"، مبينا أن الأردن الرسمي لم يكن يسعى إلى منة أو محاولة للتذكير بما فعله الأردن و"لكن علينا تذكير أنفسنا بأن الدولة تعمل وفق محددات سياسية وجغرافية واقتصادية".


وبين أن هذه قضية مهمة جدا، وعلى المتظاهرين ألا تكون بوصلتهم نحو الأردن فقط للنقد والتجريح، داعيا اياهم ألا ينظروا للمملكة على أنها الدولة التي يجب أن تُلام، وكأن بعضهم يريد وضعها بمرتبة إسرائيل بشأن ما يجري في قطاع غزة.

 

وقال إن هناك شعورا لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية بأن متظاهرين وليس كلهم، يحاولون توجيه البوصلة باتجاه الأمن الأردني وهذا غير مقبول.


ودعا الماضي المتظاهرين لأن يكونوا عوناً وسندًا للموقف السياسي الأردني المتقدم مع وقف عملية التشكيك به، مشيرا إلى أنه على الشباب الوعي بأن الدعوات التي تشحن لهم بقطع العلاقات الدبلوماسية وفتح الحدود وما إلى ذلك، لا تنسجم مع المحددات الدولية والإقليمية للموقف الأردني.


من هنا، قال نقيب الصحفيين السابق الزميل طارق المومني إنه "إذا نظرنا للمواقف العربية تحديدا تجاه العدوان الصهيوني والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يمارسه هذا الكيان الغاصب تجاه الأهل في غزة، فإننا نجد بأن الموقف الأردني شعبيا ورسميا في صدارة هذه المواقف والأصدق والأحرص على إنهاء هذا العدوان الغاشم".


وأضاف المومني، أن هذا ما ظهر من اللحظة الأولى للعدوان "ولا نريد التذكير بما قام به الأردن وفي مقدمته جلالة الملك بهذا الاتجاه". مضيفا "انه لا "يكاد يمر يوم إلا ويخرج فيه الأردنيون الى الشوارع للتعبير عن موقفهم المساند للأهل في غزة، ورفض العدوان، وهو ينسجم مع الموقف الرسمي الذي سمح بكل أوجه التعبير تجاه ذلك ووفر الحماية للمسيرات والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية باعتبار أن ذلك ينسجم مع الدستور والقانون الذي يجب أن يكون احترامه والالتزام به مقدسا".


وحتى يستمر بذلك والسماح للأردنيين بالتعبير عن موقفهم تجاه ما يحصل في غزة، قال المومني إنه لا بد أن يكون القانون والالتزام به وعدم الإساءة والتجريح والتحريض والتطاول على الوطن ورجال الأمن، ممن يوجدون لحماية المتظاهرين وحفظ الأمن والاستقرار هو الأساس، وهم لهم المشاعر نفسها، فضلًا عن عدم الإضرار بمصالح المواطنين وممتلكاتهم وتعطيل حياتهم اليومية، وعدم استغلال مشاعر الأردنيين ممن أثبتوا دوما الحرص الشديد على أمن وطنهم واستقراره، لتحقيق مكاسب ومآرب شخصية، إلى جانب وجود ساحات محددة للتعبير عن حرية الرأي، منعا لتعطيل الحياة العامة.


وأكد أنه لا بد ألا تنحرف البوصلة عن الهدف الأسمى، وهو نصرة غزة والتعبير بحضارية عن الموقف المساند لها، وخدمة أهداف أطراف أخرى لها مصلحة في الإضرار بهذا الوطن الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية أردنية ومسألة داخلية، وفي مقدمة ذلك الكيان الصهيوني الغاصب". 


وشدد المومني على أن التطاول على الوطن ورمزيته والإساءة لرجال الأمن أمر مرفوض ويحرف المسار، وربما يؤدي لأمور لا يريدها من يؤمن بالقانون وسيادته، ويحدّ من حرية التعبير لنصرة أهلنا في غزة. مؤكدا أن كلمة السرّ هي الالتزام بالدستور والقانون من كل الأطراف، بعكس ذلك فإن شريعة الغاب هي التي تسود ونتائجها كارثية على الجميع.

 

اقرأ المزيد : 

تحالف مؤيد لفلسطين ينظم اليوم 100 مسيرة بعشرات الدول