مع قرب الشتاء.. هل يمكن للأمانة والبلديات السيطرة على البؤر الساخنة؟

1695656479735875000
جانب من الفيضانات التي تعرض لها وسط عمان في شتاء العام 2019 -(أرشيفية)

أسئلة عديدة جرى تداولها حول الفيضانات المائية التي شهدتها مناطق في المملكة، وبالذات وسط عمان، قبل أعوام، وما تزال تتداعى كلما اقترب شتاء من الأبواب، لكنها هذه المرة، ومع تداعيات التغيير المناخي الذي ألقى بتأثيراته على العالم، ولم تكن الأردن خارج نطاقه، فإن أمانة عمان الكبرى، تلقي بثقلها قبيل الشتاءات الأخيرة، استعدادا لعدم تكرار تلك الفيضانات بما تحمله من تأثيرات سلبية على العديد من المناطق العمانية، بخاصة وسطها، وقرب مصبات السيول والوديان.

اضافة اعلان


ويرد بعض المسؤولين هذا الأمر الى عوامل جغرافية وهندسية إنشائية، الى جانب تداعيات التغير المناخي الذي يشهده العالم عموما، داعين الى إعادة النظر في البنية التحتية للعاصمة، والمدن، وكودات إنشاء المباني، وغيرها من البنى التي يجب أن تواكب الكثافة العمرانية للمدن عموما، وترفع من منسوب الضغط على شبكات التصريف الصحي فيها.


وفي هذا النطاق، فقد بدأت مديريات مناطق ودوائر الأمانة استعدادتها لمقدم الشتاء للعام الحالي مبكرا، حتى لا تتكرر أي فيضانات، تؤدي لأي خسائر جراء الهطولات المطرية، وفق تأكيدات ناطقها الإعلامي ناصر الرحامنة، في وقت طالب فيه مهندسون وخبراء البلديات، بأن تنشط في التحضير لاستقبال الشتاء، بخطط وتجهيزات، تحد من أي فيضانات او كوارث.


وقال الرحامنة، إن استعدادات الأمانة، تتمثل بتنفيذ عدة مشاريع بنى تحتية، هدفها تعزيز شبكات تصريف مياه الأمطار والعبارات الصندوقية، في إطار الخطط التنفيذية وملاحظات مناطق الأمانة ومديرياتها.


وأشار الى أن فرق الأمانة، باشرت منذ بداية الصيف الحالي، بأعمال تنظيف مجاري السيول والأودية المفتوحة، وبدات مع مطلع العام الحالي بتأهيل وتنظيف خطوط تصريف مياه الأمطار والعبارات الصندوقية، لافتا الى أبرز مشاريع تعزيز شبكات تصريف مياه الأمطار، يكمن بتنفيذ خطوط عبارات أنبوبية في مناطق: أحد والمقابلين- دوار الحويان، وحي أبو الراغب، وشارع البنيات، وشارع الاميرة مقبولة مع شارع البنيات.


وبين أن الفرق الأمانة، نفذت في منطقة وادي السير- عراق الأمير، عبارات صندوقية، وفي منطقة ماركا- شارع الجيش قرب بن العميد عبارات أنبوبية، وقامت بأعمال صيانة وتأهيل لعبارة سقف السيل - شارع قريش. 


كما لفت الى أن الفرق، بدات استعداداتها للشتاء، بتفقد وصيانة مضخات الأنفاق ومولداتها الكهربائية، وتجهيز الكوادر البشرية والفنية العاملة بخطة طوارئ، الى جانب تجهيزها بالمعدات والآليات بعد تفقدها وصيانتها.


أما مستشار العمارة والتصميم الحضري في الأمانة مراد الكلالدة، فيرى أن استعدادات الأمانة إيجابية، داعيا الى تنفيذ بلديات المملكة ووزارة الأشغال العامة والإسكان مثلها، لأن الأحواض الصبابة كما تسمى، لا تنظر الى التقسيمات الإدارية اكثر مما تنظر الى الطبيعة الجبلية. 


وأضاف، أن الطبيعة الجبلية لعمان ذات انحدارات عالية، والحوض الصباب للمدينة، هو بمساحة كبيرة تصل الى 50 كلم 2، وكلها تصب في وسط البلد، وعبارة وسط البلد التي أنشئت فوق شارع قريش وامتداده نحو الجنوب والشمال، نفذت لتتسع الى كميات مياه كبيرة، ولكن في الأعوام الماضية، ربطت كثير من مصادر المياه، خلافا للمياه الطبيعية كميات الأمطار بهذه العبارة. 


وأكد الكلالدة، "في الأعوام الماضية، تراكمت كثير من الحجارة ومخلفات الإنشاءات والمواد الطبيعية والأغذية واللحوم والدهون التي تصب في هذه العبارة، ما يجعلها عرضة للانسداد"، كما أن هذه الشبكة تحتاج بين فترة وأخرى للتوسعة في مناطق معينة، وللتسليك في مناطق أخرى، لا بل لاستبدال اقطار هذه الأنابيب بين حين وآخر، والا سيؤدي الانسداد لتجمع المياه، ليس فقط في وسط البلد، بل قد يمتد لمناطق أخرى كما حدث في أعوام مضت، ما أدى لإغلاق تصريف العبارات والأنابيب في منطقة الدوار السابع.


وأضاف الكلالدة، يضاف الى ذلك أن سياسة التكثيف العمراني التي تضاعف الأبنية والمساحات المشيدة، تجعل جريان المياه السطحي كبيرا مع الوقت، لأنه بدون هذا التشييد، فإن الأرض المكشوفة ستمتص المياه الفائضة، وتسبب زيادة المساحات المبنية، بتعريض شبكات البنية التحتية للانسداد.


واقترح الكلالدة حلولا لمعالجة السيول، منها العودة عن التكثيف العمراني في عمان، وزيادة المساحات الخضراء وتنفيذ صيانة دورية لشبكات البنية التحتية، وهذا أمر يحتاج لكلف كبيرة، ولكن على إدارات المدن، أن تتحمل هذه الكلف، لا سيما وأنها تأخذ ضرائب من المواطنين لقاء هذه الخدمة.


المقاول علاء حمدان وادي، دعا الى تتنفيذ تجربة فرضية الاستباقية لمواجهة خطر السيول والأمطار الغزيرة في العاصمة، الهدف الرئيس منها، ضمان تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية وتحسين الجاهزية للتعامل مع حالات الطوارئ المحتملة.


واضاف وادي "كما تهدف التجربة أيضا الى قياس مدى استعداد الجهات المختصة، وتحسين الاستجابة السريعة والفعالة لحالات الطوارئ، بتوفير التجهيزات والمعدات، وتتضمن التجربة تنفيذ عدة سيناريوهات محتملة، بما في ذلك سيناريوهات لسقوط أمطار غزيرة وارتفاع منسوب السيول". 


وأكد أن التجربة الفرضية لمواجهة أخطار السيول، تعتبر إجراءات استباقية ضرورية للحفاظ على سلامة المجتمعات، وتقليل الأضرار الناجمة عن الأخطار الطبيعية، كما تعكس هذه الخطوة التزام الأمانة بتعزيز الوعي والتحضير للتعامل مع السيول، وتوفير الحماية للمواطنين وممتلكاته، ومعرفة مكامن الخلل والتخلص من هذه المشاكل، وتحسين ورفع كفاءة وأداء شبكة التصريف والمعدات والكوادر، لمواكبة المخصصات الكبيرة التي رفعت ونفذت.


وشهدت العاصمة في الأعوام الأخيرة، حوادث دهم نتيجة هطل الأمطار، أبرزها ما حدث في شتاء العام 2015، بحيث تسبب هطل مطري غزير استمر 40 دقيقة فقط، بغرق أغلب شوارع العاصمة، ومعظم الأنفاق الرئيسة، فيما داهمت المياه محال وعمارات، وانقطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق، ما تسبب بوفاة 3 أشخاص، وتعطيل أكثر من 250 مركبة، الى جانب أزمات سير خانقة.


كما شهدت العاصمة في شباط (فبراير) 2019، دخول السيول المتدفقة إلى محلات وأسواق في وسط البلد، وأحدثت خسائر مالية ومادية، لسوء التصريف وعدم إجراء الصيانة للبنية التحتية قبل بدء الشتاء، وبلغ إجمالي عدد التجار المتضررين جراء الفيضانات والسيول في ذلك العام 229 تاجرا، قدرت خسائرهم بنحو 5.1 مليون دينار، وفق بيانات سابقة أعلنتها غرفة تجارة عمان.


كما شهدت عدة أنفاق وشوارع في العاصمة بداية العام 2019، ارتفاعا في منسوب المياه لعدم صيانة مجاري التصريف فيها، ما تسبب بإغلاقها وإحداث أزمات مرورية عديدة، وفي تشرين الثاني (نوفبمر) 2013، تسبب تساقط الثلوج والبرد والأمطار بغزارة مع عواصف رعدية، بارتفاع منسوب المياه في شوارع وأنفاق بالعاصمة، وتشكل سيول جارفة ضربت طرقات رئيسة.


وفي بداية العام 2020، داهمت مياه الأمطار محلات في وسط البلد، ما تسبب بتكبد أصحابها خسائر فادحة، وحملت غرفة تجارة عمان وقتها المسؤولية للأمانة، لعدم توافر آلات لسحب المياه، ما أدى لارتفاع منسوب الأمطار ومداهمتها للمحال، بينما بررت الأمانة ذلك بغزارة الهطولات المطرية واستمرارها ساعات، وعدم استيعاب شبكات تصريف المياه لها.

 

رئيس هيئة المكاتب الهندسية عبدالله غوشة، قال إنه مع دخول فصل الشتاء، وتأثير مياه الأمطار على البنى التحتية، علينا قراءة الأمر من جانبين، الأول، تخطيط المدينة، والثاني يختص بتصميم أماكنها السكنية ومبانيها التجارية ومتعددة الاستعمال.


وأوضح غوشة بشأن تصميم المدينة، بأن هناك متغيرات عالمية، حدثت الفترة الماضية، أهمها التغير المناخي واختلاف معدلات هطول الأمطار وشدتها وارتفاع درجات الحرارة، ما أثر كمعطيات أساسية على تصميم بنيتها التحتية.


وأشار الى وجوب إعادة النظر في تصميم غالبية المدن الأردنية، مع انعكاس ذلك على تصميم الطرق ووسائل تصريف مياه الأمطار، نظرا لتأثيرها المباشر على المدن، موضحا أن العاصمة، وما شهدته من توسّع كبير،خصوصا عبر استخدام غالبية الأودية الأساسية كطرق وشرايين رئيسة، أثر على معدلات انسياب المياه نحو وسطها.

 

ولفت الى أهمية عمل كود جديد لها، يعرف بـ"كود الهيدرولوجي"، بحيث يكون نافذا بعدما أن يقره مجلس البناء الوطني، مستندا على حاجتنا الى توحيد الطرق والمعايير الفنية عند تصميم المنشآت ومنشآت تصريف مياه الأمطار، وإدارة وتقييم مخاطر الفيضانات، للحد من تأثير السيول على المباني، بحيث يمكن ذلك من الكشف عن المنشآت المعرضة لخطر الفيضانات والواقعة في مجاري الأودية والسيول وحمايتها.


وحذر غوشة من مغبة الوقوع في خوف من الكوارث الطبيعية، أكانت فيضانات أو زلازل أو غير ذلك، مبينا أن تعرض مباني العاصمة للخطر من هذه الكوارث، أقل بكثير كنسب مئوية من تعرضها لأي خطر آخر نتيجة الاستخدام اليومي.


ولفت إلى أنه يجب ألا يكون لدينا مخاوف كبيرة بشأن الزلازل أو الفيضانات، مؤكدا أن "مبانينا بشكل عام، تتميز بارتفاعات قليلة وليست كبيرة"، قائلا "نحن نتحدث عن أن 35 % من مباني عمان، تتكون من 4 طوابق أو أقل، كما أن طريقة البناء والبعد عن الأودية ومجاري السيول وقانون تنظيم المدن والقرى، حدد ذلك، والمخططات الهيكلية متوافرة".


وقال إنه حتى في بعض الدراسات العالمية بشأن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة الباطنية للأرض وتأثيرها على المنشآت والأبنية والأساسات، فإن "مباني الأردن، تختلف عن المباني الموجودة في دول أخرى، بشأن الإنشاءات تحت الأرض المقامة على مسافات وأعماق كبيرة، على غرار مترو الأنفاق الذي يتأثر بارتفاع درجات الحرارة".


وأكد غوشة أن هذه الأعماق، قد تؤثر على الأساسات وتصنع تشققات، استنادا على دراسات عالمية جرت في عدة مناطق، لافتا إلى أنه "يجب ألا يكون لدينا خوف في الأردن، لأن ظروفنا ومبانينا وطرقها تختلف عن ذلك".


وأوضح أن مهندسي الأبنية وقبل تصميم المباني، يدرسون معايير التصاميم التي يمكنها تحمل نطاق درجات الحرارة والأمطار والثلوج والرياح، ومراعاة مخاطر جيولوجية كالزلازل ومستويات المياه الجوفية.

 

اقرأ المزيد :

على أبواب فصل الشتاء.. ما أبرز البؤر الساخنة؟