هل تمتلك مدارسنا مقومات تأهيل الطلبة لوظائف المستقبل؟

1708712087486642100
طلبة أثناء الطابور الصباحي في إحدى المدارس-(أرشيفية)

وسط تنامي دعوات منظمات دولية ومقترحات مختصين بالشأن التربوي إزاء التحول إلى نظم تعليمية متطورة تلبي متطلبات وسمات المستقبل، يدعو خبراء تربويون الى ضرورة مراجعة نظامنا التعليمي بهدف إعداد طلبة مسلحين بمهارات حياتية، من قبيل الإلمام جيدا بالتكنولوجيا الحديثة، ومهارات التنافسية العالمية، بحيث تكون أداة قوية بأيديهم من أجل الولوج إلى سوق العمل مستقبلا.

اضافة اعلان


وتساءلوا هل المدرسة ونظامنا التعليمي يواكب العصر بما يتعلق بالمهارات التي يجب اكتسابها؟ مستدركين "إننا بحاجة الى العمل الكبير مع هذا الجيل لأن هناك فجوة ما بين الواقع التعليمي والواقع الفعلي".


وقالوا، "يجب العمل على اكساب الطلاب أدوات تعرّفهم بالعالم من حولهم، وتجعلهم يفهمون ما يدور حولهم عبر التحليل العميق لما يتعلمونه، وهذه الأدوات هي التي تخلق جيلا مبدعا في الفهم والتحليل والاستنتاج".


وبينوا في احاديث منفصلة لـ"الغد"، أن جيل اليوم بحاجة إلى مهارات مختلفة تماما عن المهارات القائمة على الحفظ والتلقين، فهو بحاجة إلى مجموعة من المهارات المرتبطة بكيفية اكتساب المعرفة، معتبرين أن إكساب الطلبة مهارات المستقبل مرتبط ارتباطا وثيقا بتطوير المعلمين.


وشددوا على ضرورة التركيز على المهارات المبنية على البيانات وعلوم التكنولوجيا باعتبارها من المهارات الأكثر طلبا في سوق العمل حاليا.


وفي مؤتمر اليونسكو العالمي لتعليم الثقافة والفنون الذي عقد قبل أيام في امارة ابوظبي، تم التأكيد على أهمية ادراج الثقافة والفنون في الأنظمة التعليمية باعتبارهما محورين أساسيين في تزويد المتعلمين بالمهارات اللازمة و تطوير قدراتهم الإبداعية والتفكير النقدي وتمكنهم من إيجاد حلول جديدة للتحديات التي قد تواجههم مستقبلا.


في مقابل ذلك، اطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وبالشراكة مع "كورسيرا"، مؤخرا مبادرة "مهارات المستقبل للجميع" التي تهدف إلى تقديم منح دراسية لتحسين وصقل مهارات آلاف الاشخاص في جميع أنحاء منطقة الدول العربية، بما يساهم في إعدادهم لوظائف المستقبل ودفع عجلة النمو الاقتصادي في المنطقة.


وبينما تشير الدراسات، إلى أن أكثر من 60 %، من القوى العاملة ستحتاج إلى إعادة تدريب من الآن وحتى عام 2027، توقع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 حول مستقبل الوظائف، حدوث تغيير على ما يضاهي ربع الوظائف الحالية في السنوات الخمس المقبلة، الأمر الذي يتطلب من الحكومات الاستثمار في دعم عملية الانتقال نحو وظائف الغد من خلال الاستثمار في التعليم.


واشار التقرير إلى أن التفكير التحليلي والتفكير الابداعي يعدان من أهم المهارات للعاملين في عام 2023، ومن المتوقع أن يظل كذلك في السنوات الخمس المقبلة، كما وستزداد المعرفة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة اهمية على وجه التحديد. 


بدوره، أكد مدير ادارة التخطيط والبحث التربوي في الوزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد ابو غزلة أن الدول تسعى إلى تطوير انظمتها التعليمية من خلال التحول إلى نظم تعليمية متطورة تركز على الفهم والتحليل والمهارات اللازمة في ظل التطورات التكنولوجية والمتمثلة في الثورات الصناعية المتلاحقة وتوظيف الذكاء الاصطناعي في كافة مجالات.


وبين ابو غزلة ان المنظمات الدولية المعنية بالتعليم لم تغفل عن مواكبة هذه التطورات بل وضعت الخطط والبرامج وقدمت التوصيات الضرورية في الخطط المختلفة، وذلك من أجل تلبية احتياجات المتعلمين لمواجهة حياتهم وسد فجوة المهارات ومتطلبات المستقبل التي أغفلته الأنظمة التعليمية فيما يجب أن يمكن منه الطلبة في المدارس.


وقال ابوغزلة إن جائحة كورونا كشفت عن الحاجة الماسة للتركيز على المهارات الرقمية في التعليم بدلا من التركيز على الكتب والنصوص المكتوبة، لافتا إلى أن الأنظمة التعليمية في معظم الدول هي من أكثر النظم التعليمية محافظة على أدواتها وأساليب عملها دون تغيير على الرغم من أن رسالتها ووظيفتها تعليم الأفراد وتمكينهم من الحياة، وهذه الأنظمة هي التي يجب أن تعمل وتحرص على تمكينهم من المهارات الحياتية الضرورية والمستقبلية.


وتابع رغم الجهود المبذولة من الدولة لدعم وتطوير للنظام التعليمي في الأردن، إلا أن المحلل لسياسات وخطط وبرامج وعناصر المنظومة التعليمية يجد أن معظم الممارسات التعليمية ما تزال تركز على الأساليب التقليدية من حيث أشكال التعليم وتقييمه، حيث تعتمد في تقييمها على أدوات تقييم تقليدية تقوم على إجراء امتحانات تحصيلية في جميع الصفوف لمقدار ما حفظ الطالب فقط وليس مقدار ما تعلم وتمكن من مهارات ووظف منها في حياته اليومية.


وبين أن هناك تحديات كبيرة يواجها النظام التعليمي من سياسات تحتاج إلى تطوير ونقص في الموارد البشرية المؤهلة، ونقص في وجود مناهج رقمية رغم المحاولات المبذولة من المركز الوطني للمناهج ،اضافة الى ضعف في أداء المعلمين في ترجمة حتى فيما تم تضمينه في المناهج والكتب من بعض المفاهيم والمهارات الحديثة، وذلك بسبب الممارسات  التعليمية التقليدية في تدريس هذه المفاهيم والمهارات، مما يؤدي الى عدم قدرتهم على ترجمة هذه الكتب، بالاضافة إلى غياب التدريب النوعي لهم، في ذات الوقت لا نستطيع ان ننكر حجم الجهود التي بذلت لتطوير نظامنا التعليمي.


ودعا ابو غزلة القائمين على العملية التعليمية في الأردن الى السعي لتمكين الطلبة لمتطلبات مهارات المستقبل والمتعلقة بالمهارات المهارية والمعرفية والحياتية والتفاعل معها ومع متطلبات المهارات التنافسية العالمية التي أصبحت تتطلبها وظائف المستقبل وتمكن الطلبة من سوق العمل المستقبلي ومنها مهارات القيادة، واتخاذ القرار، ومهارة الإبداع الابتكار، والتفكير الناقد والعمل الجماعي والتعاوني والتحفيز، إضافة إلى مهارات التعلم النشط، ومهارات التواصل، ومهارات التحليل والفهم العميق، ومهارات التفاوض وحل المشكلات والاقناع، ومهارة الثقة بالنفس، واحترام الذات، والمرونة والتكيف وغيرها.


واكد على ضرورة التركيز على المهارات المبنية على البيانات وعلوم التكنولوجيا باعتبارها من المهارات الأكثر طلباً في سوق العمل حالياً، لما لها من دور رائد في كافة مجالات ومناحي الحياة الإنسانية خاصة أن التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، اللذين أصبحا يشكلان مطلبين رئيسيين للتعليم.


وشدد ابو غزلة على ضرورة أن يتم مراجعة نظامنا التعليمي بسياساته وأطر مناهجه ومصادر تعلمه، واعدد معلميه وإعادة هندسة بيئاته التعليمية وتنوعها واستراتيجيات وأدوات تقييمه، داعيا المدارس للتوسع في تدريس اللغات التي أضحت الوسيلة الأكثر نفعا للتعلم النوعي والتمكين من مهارات المستقبل لوظائف المستقبل.


وشاطره الرأي الخبير التربوي الدكتور صالح بركات الذي قال إن المهمة الاساسية للنظام التعليمي تتمثل في تلبية احتياجات الاجيال من المهارات الاساسية لكي تكون قادرة على التعامل مع متغيرات العصر في جميع المجالات.


واضاف أن تقرير التنمية الانسانية العربية الصادر في  العام 2019 أظهر أن نوعية التعليم في الوطن العربي ومنها الأردن لا تؤهل الطلبة للمستقبل، حيث إن هناك أكثر من 78 % من الشباب لا يمتلكون المهارات للتعامل مع متطلباب العصر.


وبين أن الدراسات الدولية حددت التصورات لشكل النظام التعليمي الصالح لـ2050 والذي يلبي حاجات المتعلمين ويطور مهارات الحياة المستقبيلة والتي تمثلت ابرز ملامحها في تعليم قائم على المشروعات وزيادة استخدام التكنولوجيا، حيث سيصبح تقويم الطلبة على مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات.


واوضح بركات أن المستقبل والعصر الذي نعيشه يفرض على النظام التعليمي الاردني أن يأخذ بعين الاعتبار تمكين الطلاب من أدوات ومهارات صياغة المستقبل ومن ابرز هذه المهارات تمكين الطلبة من أدوات المعرفة الحديثة، كالأجهزة اللوحية، والإنترنت المفتوح والسريع، لتسهيل الوصول إلى المعلومات ذات الجودة العالية، لأنَّ هذا هو الأسلوب الذي سيعتمد عليه النمو المعرفي والاقتصادي في المستقبل.


ونوه إلى أن جيل اليوم بحاجة إلى مهارات مختلفة تماما عن المهارات القائمة على الحفظ والتلقين إنه بحاجة إلى مجموعة من المهارات المرتبطة بكيفية اكتساب المعرفة.


وتساءل بركات هل المدرسة والنظام التعليمي الاردني يواكب العصر بما يتعلق بالمهارات التي يجب اكتسابها؟ قائلا "الحقيقة أننا بحاجة الى العمل الكبير مع هذا الجيل لأن هناك فجوة ما بين الواقع التعليمي وما يحدث بالواقع لهذا يجب العمل على اكساب الطلاب أدوات تعرِّفهم بالعالم من حولهم، وتجعلهم يفهمون ما يدور حولهم عبر التحليل العميق لما يتعلمونه وهذه الأدوات، هي التي تخلق جيلا مبدعا في الفهم والتحليل والاستنتاج.


وأكد أن العالم اليوم هو عالم التحليل والفهم، لا عالم الحفظ والتلقين وهذا يجعل إمضاء الوقت في تلقين أمرا لا أهمية له.
واعتبر بركات أن اكساب الطلبة مهارات المستقبل مرتبط ارتباطا وثيقا بتطوير المعلمين، إذ لا يمكننا أن نتحدث عن الإبداع في العملية التعليمية بمعزل عن تطوير المعلمين القادرين على تعزيز التجارب البناءة لدى الطلاب.


بدوره، قال الخبير التربوي الدكتور عايش النوايسه إن الأردن بدء مشروعاً طموحاً في مطلع القرن الحادي والعشرين لتطوير التعليم نحو اقتصاد المعرفة أي بالاعتماد على توظيف التعليم في الحياة من خلال التركيز على إكساب الطلبة مهارات تمكنهم من الاندماج في المجتمع.


وتابع النوايسة لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل جرى التركيز في البداية على إكسابهم ما يعرف باسم مهارات القرن الحادي والعشرين والتي تركز على مهارات التعلم والإبداع من خلال إكسابهم كفايات التفكير الناقد وحل المشكلات، ومهارات الاتصال والمشاركة الإيجابية الفاعلة.


فضلا عن مهارات الابتكار من خلال إكسابهم طرق جديدة في التحليل والتجديد والابتكار والذي يتضمن تطوير أفكار جديدة وتطبيقها في نطاق التعلم والحياة لذا تم تطوير المناهج والكتب المدرسية وادلة التدريس والتقويم وبرامج تدريب المعلمين، إلا أن واقع الحال أثبت أن التحول بالتعليم من التلقين إلى تعلم المهارات واجه صعوبة كبيرة نتيجة مقاومة التغيير وضعف البيئة المتاحة لتعلم المهارات على الرغم من جهود وزارة التربية، مشيرا إلى أن شكل التعليم ظل يركز على التلقين ويقاس تقدم الطلبة بالتحصيل المعرفي.


وبين أن الوزارة تشهد اليوم تحولا كبيرا في تأكيد تعلم المهارات من خلال تطوير المناهج الدراسية بما يرتبط بإكساب الطلبة المهارات الضرورية وتطوير برامج تدريب المعلمين لتحقيق التواقق بين الجانب النظري في تعلم المهارات والجانب المتعلم بعمليات التعلم داخل الغرفة الصفية.


واوضح أن الوزارة أكدت على تعلم المهارات من خلال تطوير المسار المهني من الصف التاسع حتى الثاني الثانوي بالتركيز على تعلم المهارات التخصصية في جوانب تحقق المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، ويرتبط التحول بالتعليم نحو إكساب الطلبة المهارات بمشروع التحديث الاقتصادي الذي يقوده ويشرف عليه جلالة الملك وهذا يعّد حافزا كبيرا في التحول في شكل التعليم بما يحقق النمو والرفاه الاقتصادي ويوفر فرص العمل.

 

اقرأ المزيد : 

المساعفة "ابحثوا على ما تجدون أنفسكم من خلاله و اكتشاف الذات"