استقيلوا من العمل عند العدو

النتائج الأولية لانتخابات الكيان الصهيوني، أعادت زعيم الليكود اليميني العدواني بنيامين نتنياهو إلى مكتبه في الحكومة. ولن تحدث انقلابات مهمة على الأغلب في جوهر سياسة الكيان المعادية للفلسطينيين. وقد أكد نتنياهو قبيل الانتخابات أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في عهده. وحتى لو فاز غير نتنياهو، فإن التجربة الطويلة تفيد بأن حكومات "العمل" و"الليكود، واليسار واليمين في مؤسسة الكيان، هي تنويعات شكلية فقط على جوهر واحد. قد تختلف التكتيكات، ولكن الاستراتيجية هي نفسها. لن يوقف أحد الاستيطان؛ سوف يستمر التسويف في "عملية السلام" لزرع الضفة بالمزيد من غابات المستوطنات، التي يكفي القائم منها لجعل المناطق الفلسطينية غير صالحة لإقامة دولة.اضافة اعلان
في التعليق على فوز نتنياهو الجديد، قال صائب عريقات إن السلطة الفلسطينية ستتابع مسعى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، والمواثيق الدولية، والحملة الدبلوماسية. وهذه كانت الخطوات التي عاقبت حكومة نتنياهو السابقة "السلطة" عليها بحجز عوائد الضرائب وخنق الفلسطينيين مالياً. وقد أوصى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهدد الرئيس محمود عباس، بوقف التعاون الأمني مع العدو إذا بقيت الأموال محجوزة. ولم يُنفّذ هذا التهديد حتى الآن. ومن زاوية أخرى، حذر متعاطفون مع الكيان من أن يؤدي حرمان "السلطة" من أموالها، وبالتالي عدم دفع رواتب الأمن الفلسطيني، إلى تحلل جهاز الأمن، ومن بعده تفكك السلطة الفلسطينية نفسها. واعتبروا في ذلك خطراً كبيراً وباهظ الكلفة على الكيان.
لم تكن كلمة "تعاون" مناسبة قط لوصف علاقة جهاز الأمن الوطني الفلسطيني بكيان الاحتلال. التعاون الأمني يحصل عادة بين دولتين، بينهما سلام متكافئ، ولهما شخصيتان. ويتخذ مثل هذا التعاون شكل تنسيق عمل أجهزة الطرفين، لحفظ أمن الناس في المكانين ومصالحهما. لكن "التعاون" في الحالة الفلسطينية مرتب ليعني عمل الأمن الفلسطيني حارساً لأمن الاحتلال وحده، بما يقتضيه ذلك موضوعياً من نزع أمن الفلسطينيين، وحرمانهم إمكانية المقاومة. في هذا "التعاون"، يستطيع جيش الاحتلال مداهمة أي بيت فلسطيني في الليل والنهار، واعتقال ساكنيه -أو حتى اغتيالهم- تحت عين شرطة "السلطة". وفي المقابل، يستحيل أن يدخل أمن "السلطة" بيتاً يعتقد أن فيه مشبوهاً من "مواطني" الكيان، لأي سبب وتحت أي ظرف. وإذا أُوكلت للأمن الفلسطيني مهمة، فستكون تنفيذ أمر من جيش الاحتلال باعتقال فلسطينيين، أو قمع احتجاجات فلسطينية، أو إجهاض أي عمل مقاومة ممكن ضد العدو أو مستوطنيه. وبهذا، أصبح المشارك في "التعاون" الأمني مع الكيان شديد القرب إلى "المتعاون" في الاستخدام الشعبي: أي العميل الذي يشغّله العدو لمراقبة أهله، والتبليغ عنهم.
يعتقد مراقبون أن تهديد السلطة الفلسطينية بوقف التعاون الأمني مع الاحتلال هو مجرد تهويش. والناصحون للكيان يحذرونه من مغبة الدفع إلى نقطة حل جهاز الأمن الفلسطيني، وخسران خدماته الجليلة. وإذا تبع ذلك حل السلطة الفلسطينية، فإن المصيبة ستكون كبيرة؛ سوف تُعاد كلفة الاحتلال إلى الاحتلال -سواء كانت الكلفة المادية الهائلة، أو الكلفة المعنوية لتولي جنود الاحتلال المهمة الصعبة والمرهقة نفسياً في المناطق الفلسطينية، أو الكلفة الأخلاقية والقانونية التي سيعنيها استعادة الكيان وجهه الحقيقي، كاحتلال وحشي غير مشروع وليس كطرف ينسق مع حكومة فلسطينية "حرة".
في مقال حديث عن قصة "التعاون" واحتمال حل "السلطة" نشرته "فورين بوليسي" اعتبر كاتباه آيلان غولدنبرغ ونيكولاس هيراس أن هذه الخطوات قد تهدد وجود إسرائيل نفسه. قالا إن المناطق "غير المحكومة" بعد ذهاب "السلطة" ستصبح مكاناً للفوضى وملاذاً للإرهاب. وأتصور أنهما يعنيان بالإرهاب "المقاومة الفلسطينية" التي لا يريانها مقاومة. وفي الحقيقة، لسنا في حاجة إلى التذكير بالخدمات التي يسديها وجود السلطة الفلسطينية والمفاوضات والأمن الفلسطيني بشروط العدو، لراحة كيان الاحتلال وتسهيل عمله. لقد قطّعت المستوطنات المتكاثرة -بوجود "السلطة"- أوصال الضفة التي كان ينبغي أن تكون دولة فلسطين، بحيث استحالت الآن إقامة دولة قابلة للحياة تحكمها "السلطة". فلأي شيء تبقى السلطة وأمن السلطة؟
لقد آن الأوان منذ وقت طويل لاستقالة "السلطة" وشرطتها من العمل عند العدو. إنهما تقبضان منه/ ومن أميركا رواتبهما، فكيف يمكن الزعم بأنهما لا تعملان عندهما، وبشروطهما. لا يجوز أن يبقى الفلسطينيون "متعاونين" مع عدوهم بهذه الكيفيات المعيبة. وإذا كانت استقالتهم "خطراً وجودياً" على الاحتلال، فليكن الخطر!