لماذا لم يتطور الحراك الشعبي إلى تيارات سياسية حقيقية؟

إنها مسؤولية المجتمعات وليس الحكومات. ولذلك، فإن السياسات الحكومية مهما كانت مشجعة للعمل السياسي الحزبي، ومهما كانت التشريعات المنظمة للعمل السياسي متقدمة في الحريات والتسهيلات للأحزاب، فإنها لن تنشئ أحزابا سياسية فاعلة تتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة. فالعمل السياسي متصل بالمجتمعات، والواقع أن مبتدأ الأزمة والإصلاح في العمل السياسي هو أن المجتمعات ليست مستقلة في مواردها، ولا تملك ولاية كافية على شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا تدير خدماتها واحتياجاتها الأساسية، ولا تشارك/ تؤثر في تنظيم وإدارة السلع والأسواق والخدمات التي تقدم لها على أساس تجاري. ومن، ثم فلن تنشأ تجمعات وتيارات وآراء سياسية واجتماعية تتنافس على ثقة المجتمعات، ولن تتشكل قيادات محلية فاعلة ومنبثقة عن المجتمعات وتمثلها بعدالة وكفاءة لأجل تنظيم وإدارة شؤون الناس واحتياجاتهم، بل وتنعزل عنها وتتناقض معها أحيانا المؤسسات المفترض أن تعبر عنها تماما، مثل البلديات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، لأن هذه المؤسسات المفترض أنها مجتمعية، صارت تجد مصالحها وتدير علاقاتها مع السلطات التنفيذية والشركات وأصحاب العمل. فالمجتمعات تحولت إلى قدر من الهشاشة وضعف التأثير إلى درجة لم تعد تربط بها مؤسساتها وقياداتها ونخبها التي بدأت عملها معها، أو التي اختيرت لمواقعها القيادية والسياسية بصفتها قيادات اجتماعية تمثل المجتمعات والمدن والمحافظات.اضافة اعلان
ولذلك، فإن الإصلاح يجب أن يبدأ بقدرة المجتمعات على الاستقلال وإنشاء موارد تكفي كمؤشر قياسي على توليد فرص عمل لا تقل عن فرص القطاع العام والقطاع الخاص. ولحسن الحظ، فإن لدينا الشروط والمتطلبات الأساسية لتمكين المجتمعات، وهي متطلبات تحتاج/ احتاجت إلى زمن طويل لتشكلها. فالطبقة الوسطى والمجتمع المدني والمهن والأعمال والخدمات والأسواق، موجودة وبمستوى متقدم من الكفاءة. ولكن الأزمة هي في عدم تشكل الأعمال والتجمعات والبرامج المستمدة من قيم ومصالح الطبقة الوسطى والمجتمع المدني، وعجز الطبقة الوسطى والمجتمعات عن الاستقلال في مصالحها ومواردها وفرصها، أو عدم الربط بين استقلالها وبين تشكل برامج ومواقف مستقلة.
هناك بالطبع تخطيط وعمل عن وعي مسبق لربط الطبقة الوسطى والمجتمعات بالدولة وأصحاب الأعمال والشركات، ومنعها من الاستقلال في تنظيمها وتشكلها ومواردها وقدرتها على إنشاء مصالح وفرص توظيف وبناء شراكة وتوازن مع الدولة والقطاع الخاص، ومنحها الولاية الحقيقية على احتياجاتها ومؤسساتها، وتركها تنظم هي بنفسها العمليات والمؤسسات الثقافية والمجتمعية والتعليمية والتنظيمية الأساسية، وتوفير وحماية السلع والخدمات الأساسية برغم ما في هذه الاستقلالية من توفير كبير في الإنفاق العام وحماية للموارد العامة. فعمليات الخصخصة التي جرت، على سبيل المثال، للخدمات والموارد العامة؛ كالمناجم والاتصالات والطاقة والمياه، لم يُسمح للمجتمعات بالمشاركة في امتلاكها، والمؤسسات التعليمية والصحية تنظم في غياب المجتمعات والنقابات والبلديات. والمساجد يمكن أن تديرها المجتمعات بكفاءة، وتوفر الميزانية الكبيرة التي تنفقها الحكومة في هذا المجال.

[email protected]