الاستقواء والعنف المجتمعي مرفوض ولا بد من تعزيز سيادة القانون

نادين النمري

اضافة اعلان

عمان – غياب الايمان بسيادة القانون والاستقواء عبر التمترس خلف العنف المجتمعي، حالة شهدتها البلاد اليومين الماضيين، في نطاق ردود فعل لفئة محددة بشأن قرار مجلس النواب، تجميد عضوية عضو فيه عاما.


هذه الحالة من الاستهانة بمبدأ سيادة القانون والمؤسسات الدستورية، ليست جديدة، فبين فترة واخرى تشهد البلاد أحداثا كهذه، بحسب خبراء بينوا أن مردها، قناعات مترسخة حول غياب هذا المبدأ، وفقدان مصداقية مؤسسات الدولة عند المواطنين.


ويقول هؤلاء "من حيث المبدأ، لا خلاف بتاتا على أن هذه السلوكيات من أعمال شغب وعنف مجتمعي مرفوضة، بل وتمس الامن المجتمعي والوطني، لكن الاهم وضع خطة وآلية لإعادة بناء الثقة بسيادة القانون، للحد منها، وصولا الى التخلص تماما من الشغب والاستقواء على الدولة".


في هذا السياق، يقول استاذ القانون الدولي بجامعة الاسراء ايمن هلسا، "هناك ثقافة وإرث يفيدان بأن تحصيل الحقوق، يجري عبر أعمال شغب وممارسات مخالفة للقانون، كإغلاق الطرق، كما شهدناها أول من امس، ضمن اعمال احتجاجية على تجميد عضوية احد النواب. هذه المسألة- اي اغلاق الطرق، شهدناها حالات مثلها سابقا في المشاجرات التي تتكرر بين فينة واخرى".

سيكولوجيا العنف المجتمعي والمدرسي: بين الظاهرة والسلوك الفردي (1 – 4)


ويرى هلسا، ضرورة ألا يطبق أو ينفذ القانون انتقائيا، معتبرا بأن الانتقائية بتطبيقه تقود الى هذا النوع من الاستخفاف بسيادة القانون.


ويعتبر هلسا ان الدولة ساهمت ايضا عبر تراخيها بعدم المعاقبة، في تشجع الآخرين للاستمرار باختراق القانون، لافتا في ذلك الى استخدام طرق الحل العشائرية لمواجهة المشاكل، وذلك ضمن مفهوم بعيد تماما عن القانون.

وهذا النوع من الوساطات والتسويات، ساهم بزعزعة مفهوم سيادة القانون وهيبة الدولة.


من ناحيتها، تتفق المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبدالعزيز مع هلسا في الرأي، وتقول إن "المشهد حاليا خطر، ولا يمكن الاستهانة به، فالاستقواء بالعشائر والهويات الفرعية والقناعة بالإفلات من العقاب، وحمل السلاح وتهديد المؤسسات الدستورية وقطع الطرق، لم يأت من فراغ، بل يعود لعوامل عديدة".

العنف الاجتماعي والشباب


وتوضح عبد العزيز أن "هناك حالة لفقدان الثقة، نتيجة السياسات الخاطئة التي وبشكل تراكمي، افقدت مؤسسات الدولة قيمتها واستقلالها، نتيجة التدخلات في المؤسسات الرسمية، ففقدت مصداقيتها، كذلك الخلل التشريعي كعدم القدرة على الطعن في بعض القرارات، ما يدفع بالمواطنين الى الشارع".


وتقول إن "المواطن يخرج الى الشارع عندما يشعر بأنه لا احد يطالب بحقة، فالخروج للشارع يكون عندما يشعر المواطن بان المساءلة تتم انتقائيا وليس بالتساوي، وحين بشعر المواطن بعدم وجود المساواة".


في الجانب التشريعي، تلفت للاشكاليات المتعلقة باللجوء للقضاء الاداري، مبينة إن هذا الامر غير متاح للجميع، لأسباب تتعلق بالتشريع، لارتباطه بمدد زمنية واجراءات معقدة قد تحول دون اللجوء للمحكمة الادارية، فضلا عن كلفته المالية العالية.


وتابعت انه و"بشكل عام، يشعر المواطن بانتقائية تطبيق القانون، فمثلا نلمس تشددا في الملاحقة القضائية، تذرعا بمبدأ هيبة الدولة، واحيانا نرى إفلاتا كاملا من العقاب وبدون اي تداعيات، وهذا يخلخل الثقة بسيادة القانون".


وتزيد إن "اهدار سيادة القانون غالبا، يجري عبر مسؤول حكومي، يتغول على القانون باتخاذ قرارات كالتوقيف الاداري، وكذلك حين يجري التعامل بقسوة مع متظاهرين ومنعهم من الوصول لأماكن معينة، وحرمان الاعلام من تغطيات صحفية معينة، ولكن من دون سبب قانوني لهذا الحرمان، ومنع محامين من تمثيل موكليهم امام المراكز الامنية، والتدخل بعمل الاحزاب، وغيره من الاجراءات التي اعطت انطباعا بأن الدولة لا تحترم القانون".


وتختم "المهم الآن، أنه يجب اعادة الثقة بسيادة القانون ومؤسسات الدولة، عن طريق تجنب الممارسات السابق ذكرها، واعتماد تطبيق القانون على الجميع دون انتقائية، وضمان المساواة بين المواطنين وحقهم بالوصول للعدالة".


يقول الخبير البرلماني والرئيس التنفيذي لمنظمة محامون بلا حدود صدام ابو عزام "ان ما جرى من تجمعات، خرق لمبدأ سيادة القانون ولا يعبر عن احترام للمؤسسات الدستورية والقرارات الصادرة عنها، ويؤثر على الايمان الحقيقي بالسلطة القانونية في النزاعات بين الافراد انفسهم والافراد والمؤسسات".


ويتابع ابو عزام "لكنه وفي كل حال، هو ايضا تعبير عن حنق وغضب عام ينتاب المواطن، حيال دور السلطة التشريعية وتحديدا مجلس النواب، فالمواطن ينتابه شعور بعدم الارتياح والاحباط حيال المنظومة الاقتصادية والادارية والمؤسساتية في الدولة.

وتأتي مثل هذه القرارات (تجميد عضوية النائب) لتحفز وتحيي مشاعر المواطنين ويعبرون عنها بطرق تخالف القانون وتخرق مبدأ سيادته، وهذا يعني انها استجابة انفعالية لما يجري".


ويوضح "باعتقادي يجب الايمان بدور السلطات، كالسلطة التشريعية وقدرتها على اتخاذ القرارات ذات الطابع المؤسسي والتنظيمي، وان كان هناك شخص غير راض بها، فلدينا سلطة قضائية بإمكانها الفصل في اي نزاع، ويمكن للمواطن اللجوء اليها للطعن في اي قرار يعتقد بانه مس او هضم ان انتهك حقوقه".


ويبين ابوعزام، إنه "في وقت يعتقد البعض بأن قرار مجلس النواب غير قابل للطعن، لكن برأيي هذا القرار قابل للطعن امام السلطة القضائية، وان لم ينص نظام مجلس النواب على الطعن، لكن الاصل ان الطعن امام السلطة القضائية هو حق، والتظلم للسلطة القضائية والوصول للمحاكمة العادلة ايضا حق، وبالتالي لم يكن هناك ما يمنع من التقدم بشكوى امام السلطة القضائية".


ويرى أن ما حصل على مواقع التواصل الاجتماعي من تفسير وتحليل حول سلامة الاجراء المؤسسي، بتجميد عضوية النائب، جزء من الاجتهاد ويدخل في باب حرية الرأي والتعبير، لكن الخروج واغلاق الشوارع والانطواء تحت الهويات الفرعية اشكالية كبيرة.


وفي المحصلة، يعتبر أبو عزام أن هناك ضرورة ملحة أمام مجلس النواب التاسع عشر برئيسه، لتنفيذ حزمة اصلاحات تشريعية بدءا من النظام الداخلي، وصولا لمدونة السلوك وتنظيم الامانة العامة ونظام عمل الامانة العامة، واللجان والتصويت تحت القبة وآلية تنظيم المداخلات.

ويتابع "لا يجوز بأن تدار القبة، بدون تنظيم حقيقي والاعتماد على شخص رئيس المجلس لإدارة المجلس والحوار المطلوب".