قانون رسوم طوابع الواردات

المحامي د. محمود عبابنة تتقاضى الدولة الأردنية من الضرائب والرسوم على المعاملات وإصدار الوثائق والشهادات مبالغ تفوق التصور والخيال، متمسكةً بسوء فهم مبدأ من مبادئ علم المالية العامة، والذي يقول بأن «خزينة الدولة جيوب رعاياها»، وتعتقد عصبة الجباية والتحصيل أنّ للدولة الحق في أنْ تستوفي الرسوم والضرائب من جيوب الناس، وفي الحقيقة فإن شُرّاح هذا المبدأ يشيرون الى أنّ هذا المعنى هو مفهوم شائع وخاطئ، فالمقصود من هذا المبدأ أنّ خزينة الدولة تزدهر عندما تزدهر جيوب مواطينها، ومع كل هذا، ونظراً لقلة الموارد الطبيعية في بلدنا، فإننا منذورون للتضحية ودعم الخزينة بالضرائب والرسوم بالغالي والنفيس، لتبقى الدولة تقدم خدماتها وتدفع رواتب موظفيها وتحفظ الأمن والأمان، وحتى لو أوغلت وبالغت في الطلب. هناك شكوى تتردد على ألسنة المستثمرين المحليين والأجانب من المبالغة في رسوم الدعاوى، ويدافع جمهور المحامين أمام المستثمرين عن هذه الرسوم المرتفعة بأن لها سقفاً تتوقف عنده، لكن ما لا نستطيع الدفاع عنه قانون ظالم طارد للاستثمار ويحمل في سماته صفة العناد والتغول وعدم المسؤولية، وهذا القانون هو قانون «رسوم طوابع الواردات»، والذي يقضي بتكليف كل من يُبرز اتفاقية أو يقدمها الى أي مؤسسة حكومية أن يدفع عنها ما يقابل 3 بالألف من قيمة هذا العقد، تورد لوزارة المالية تحت مسمى رسوم طوابع الواردات، ويتم احتساب هذه النسبة مهما بلغ المبلغ دون وجود سقفٍ أو حدٍ يوقف نهمَ هذا القانون في الجباية غير العادلة، ولنا أن نتخيل أن دعوى حقوقية بعشرة ملايين دينار تتقاضى الدولة عليها رسوم تسجيل مبلغ 5000 دينار كحد أقصى، في حين أن تقديم اتفاقية للاطلاع عليها كبينة في الدعوى الحقوقية بمبلغ خمسة ملايين دينار يقتضي دفع مبلغ 150.000 دينار للخزينة، ولعمري أن هذا أكبر مطعن في ضمان المحاكمات العادلة، ففي كثير من المرات قد تتنازل عن هذه البينة لعدم القدرة على دفع هذه الرسوم التي لا تطبق في أي دولة في العالم. من جهة أخرى، فإن هذه الرسوم أكبر عامل طارد للاستثمار في الأردن، وللتأكيد على ذلك نسوق لكم مثالاً حياً حول قصة مجموعة ائتلاف شركات قررت أن تُنشئ محطة لتوليد الطاقة البديلة في جنوب المملكة، وكانت قيمة هذه الاتفاقية تزيد عن( 70.000.000 ) دينار، وبتمويل من أحد البنوك الأجنبية، والذي طلب مقابل ذلك من الشركة المقترضة رهن الألواح الشمسية في محطة الطاقة المزمع انشاؤها، وانتقل أصحاب الشركة الى دائرة مراقبة الشركات لتنظيم رهن على موجودات الشركة من الألواح الشمسية بقيمة 77.000.000 دينار، فتمت مطالبتهم بدفع رسوم طوابع الواردات على الاتفاقية بمئات الألوف، فما كان من الشركة إلا الانتقال لتنظيم الرهن في دولة أخرى ودفع رسوم 50.000 دينار فقط، مما أضاع على الخزينة هذا المبلغ ورسّخ في ذهن هؤلاء المستثمرين أن في الأردن قانوناً قرقوشياً طارداً للاستثمار ومنافياً لمنطق العدالة وسياسة الاستثمار. ننادي ونحن متفائلون ولا سيما أن على رأس وزارة العدل وزيراً على قدر كبير من العلم والنباهة القانونية وبعد النظر، كما وننتظر إطلاق الخطة الجديدة لتعزيز مناخ الاستثمار، أن يتم طرح موضوع هذا القانون الذي مضى على آخر تعديل له أكثر من 20 سنة، تطورت الحياة الاقتصادية خلالها، وأصبح كثير من الاتفاقيات بالملايين، ولا يمكن أن يبقى احتساب نسبة رسوم الطوابع على هذه المبالغ مفتوحة دون سقفٍ أو حدٍ تتوقف عنده، رحمةً بالمتقاضين والمستثمرين.. للمزيد من مقالات الكاتب:  اضافة اعلان