إذا زلزلت الأرض زلزالها

من الأرجح ان الزلزال الذي ضرب شمال غرب ايران، واجتازت ارتداداته حدود العراق في اقليم كردستان، قد ايقظ في صدور الكثيرين منا هواجس نائمة، وبعث في دواخلنا مخاوف لا نود التفكير بها، لشدة هول ما قد يقع في بلادنا المبتلاة بالإرهاب والفساد والاستبداد، من خسائر في الانفس والممتلكات، بعد ان اقتربت الزلازل من رقعة العالم العربي، الذي لم يشهد على مدى العقود الطويلة الماضية –والحمد لله- سوى هزات ارضية متفرقة، ادى القليل منها الى ضحايا بشرية لا تزيد حصيلتها على اعداد القتلى والمصابين في حوادث السير.اضافة اعلان
ولعل البعض منا تحدث الى نفسه، في هذه المناسبة قائلاً؛ ما فينا يكفينا ويزيد، فقد شبعت هذه البلاد من الخراب والدمار والموت الزؤام، فاقت نتائجه المدمرة، في البشر والحجر، نتائج اشد الزلازل عنفاً في تاريخ بني الانسان، فما جرى للعديد من مدن العراق والشام خلال العامين الاخيرين، لا سيما في الموصل والرقة، كان اكبر من اي زلزال حدث في اي مكان، وهو ما يعني ان بلادنا اخذت حصتها الكاملة من الكوارث الرهيبة، حتى وان كانت هذه الكوارث من صنع البشر لا من فعل الطبيعة، التي ما تزال تترفق بنا الى يوم نرجو ان يكون بعيداً.
ومع ان الزلازل لا تعترف بالحدود السيادية، ولا تتوقف عند نوافذ الامن العام ونقاط التفتيش الجمركية، الا ان نفراً من بين ظهرانينا ابتهج علناً، على منصات التواصل الاجتماعي، بما اصاب اطفال وعجائز الايرانيين جراء هذه الهزة الارضية، وراح يفرك يديه استحساناً لما وقع من ضحايا في ذلك البلد الذي لا يكف شره عن العالم العربي حيث تسنى له ذلك، وكأن اولئك الفقراء الذين يعيشون على هامش الارض، بل وعلى هامش الهامش في الحياة الايرانية، هم الذين ارسلوا لنا الحرس الثوري وقوافل الميليشيات الطائفية، واقاموا الهلال الشيعي.
كان كثيراً ان يعرب البعض منا عن سروره بما أوقعته هذه الهزة في ايران، وبلادنا ليست بعيدة عن الصدع الزلزالي، الذي قد يتمخض ذات يوم عن مثيل له هنا او هناك، وكان من المعيب ايضاً الا يميز الكارهون للتدخلات الايرانية في اليمن والعراق والشام، بين شعب لنا قواسم حضارية وثقافية ودينية عريضة معه، وبين طبقة ثيوقراطية حاكمة، ذات نزعة استعلائية وبرنامج توسع امبراطوري فارسي، تسعى الى زعزعة الامن والاستقرار في العالم العربي، وتعيث فيه الانقسامات والفتن المذهبية والحروب الداخلية، والهيمنة على مكة في آخر المطاف.
واحسب ان مثل هذه المشاعر غير المبررة ازاء ايران، حتى وان كانت معبرة عن جروح غائرة في النفس العربية الملتاعة من افعال نظام الولي الفقيه، قد تكون مقبولة تماماً، ومفهومة الى ابعد الحدود، اذا ما عبّرت عن نفسها على اوسع نطاق، لدى حدوث زلزال اعلى درجة على مقياس ريختر، في اسرائيل على وجه الخصوص، خصوصاً واننا في هذه الحالة امام عدو لم نقدر عليه، وقد لا نقدر عليه في المدى المنظور، الامر الذي من شأنه ان يشفي الغليل في الصدور، اذا نقلت شاشات التلفزيون في مستقبل غير معلوم مشاهد موت وذعر ودمار من تل أبيب.
ولمن يتعجلون مثل هذا اليوم، الذي يتمناه الكثيرون بيننا، جهراً وسراً، تقول مصادر الاخبار الاسرائيلية، مؤخراً، ان الجهات ذات الاختصاص في الدولة العبرية تتوقع حدوث هزة ارضية مخيفة في مدى زمني قد لا يزيد على ثلاثة أشهر، مصحوبة بتسانومي في تل ابيب، ينجم عنهما انهيار 28 الف مبنى، وتضرر نحو 290 الف مبنى آخر، الى جانب مصرع 7 آلاف، واصابة 8 آلاف بإصابات بين متوسطة وخطيرة، واكثر من  370 الف اصابة طفيفة، وفضلاً عن ذلك تشريد نحو 170 الف شخص، لن تتمكن مراكز الاستيعاب من تأمين إيوائهم.
يومها، ويومها فقط، فليفرح المقهورون والمكلومون واللاجئون، ممن أمطروا اسرائيل بالدعاء عليها، في الركوع والسجود، ولم يهدأ لهم روع، وقد آن لهم ان يروا يوماً فيها بعد طول انتظار، عندما يشاهدون أمنا الارض وقد انتقمت لهم من عدو طغى وتجبر، وأمعن في قتلهم وتشريدهم دون أن يرف له جفن.