زريقات يحمّل الحكومات المتعاقبة مسؤولية تراجع الدراما المحلية

زريقات يحمّل الحكومات المتعاقبة مسؤولية تراجع الدراما المحلية
زريقات يحمّل الحكومات المتعاقبة مسؤولية تراجع الدراما المحلية

مخرج وإعلامي يحث على توجيه الغناء والموسيقى نحو تعزيز الهوية الوطنية

 

محمد جميل خضر

اضافة اعلان

عمّان- في حديثه عن البدايات، يعود المخرج والإعلامي الأردني عروة زريقات إلى 46 عاما ماضية، عندما قدم في الإذاعة الأردنية أول دور له في مسلسل درامي، ولم يكن قد دخل الجامعة وقتها، كان قد أنهى الثانوية العامة للتو، ولكن ميله الفطري للفن، وحبه له مذ كان طفلا قاداه إلى هناك، حيث رغب، وحيث بقي حتى اليوم: ممثلا، ومن ثم مخرج مسلسلات تلفزيونية، ومنتجا منفذا، ومن قبل ومن بعد معد برامج متنوعة ومقدما لها.

ولا يعلم زريقات في حوار أجرته معه "الغد"، على وجه الدقة، ما الذي قاده إلى عالم الفن، فبعد عودته العام 1967 من بيروت يحمل درجة البكالوريوس في الحقوق، وتعيينه بعدها بعام في التلفزيون الأردني وكان ما يزال بثه تجريبيا، ظل الفن والدراما هاجسه، إلى أن أوفده التلفزيون لدراسة هذا الهاجس في ألمانيا على حساب الحكومة الألمانية، فعاد العام 1972 يحمل الدرجة الجامعية الثانية له بعد الحقوق، ولكن هذه المرة في التمثيل والإخراج.

ولم تمض سنوات طويلة حتى كان زريقات يخرج أول عمل تلفزيوني له، ففي العام 1975 أخرج المسلسل الديني "مواكب الهدى" الذي أنتجه اللبنانيان رشيد علامة وجلبهاب ممتاز لتقديمه في شهر رمضان من ذلك العام.

وانفرط عقد المسبحة، وأخرج زريقات صاحب البرنامج الشهير "مساء الخير"، بعد ذلك عشرات الأعمال التلفزيونية، وقدم للساحة المحلية معظم نجومها الكبار، وكان مسهما أساسيا في انتشارهم العربي بعد ذلك.

وفي سنوات الحصار "الجائر" كما يرى فيه، على الدراما المحلية تسعينيات القرن الماضي، لم يرضخ زريقات، ولم يستسلم للنكوص، وأقنع التلفزيون (رغم انشغاله أيامها بالبرامج وابتعاده قليلا عن الدراما) بإنتاج ثلاثة مسلسلات تعمل على تحريك القطاع قليلا، وتخفف من حدة المعاناة التي عانى منها زملاء المهنة من ممثلين ومخرجين وتقنيين، وكان أول هذه الأعمال "جرح الغزالة" سيناريو وحوار الكاتب الزميل مصطفى صالح، وهو المسلسل الذي حقق تفاعلا غير مسبوق، ومثّل الحد الفاصل بين مرحلتين مفصليتين في مسيرة الدراما المحلية.

وإضافة لعشرات المسلسلات، قدم زريقات مختلف أنواع البرامج التلفزيونية، وكان (عربيا) من رواد برامج (التوك شو) المتعلقة بإقامة حوار مباشر بين المواطن والمسؤول، إن لم يكن أولهم على الإطلاق، قبل انتشار الفضائيات بهذا الشكل المهووس. وبعد النجاح الذي حققه برنامجه الشهير "مساء الخير"، يقدم زريقات منذ أعوام البرنامج الشبابي "الحكي إلنا".

ولا يتردد زريقات بتحميل الحكومات المتعاقبة جزءا كبيرا من مسؤولية تراجع الدراما المحلية على وجه الخصوص، ومختلف أنواع الفنون الأدائية (من موسيقى وغناء وغيرهما) على وجه العموم. ويعود على سبيل المثال إلى فترة الحصار التي لم تقم الحكومة خلالها بواجبها.

زريقات يعلن في سياق ترشيح نفسه لمنصب نقيب الفنانين الأردنيين، أن مشروعه للنقابة التي تجرى انتخاباتها 30 الشهر الحالي فني أولا وأخيرا. ويجب، بحسب زريقات "أن يكون نقيب الفنانين فنانا"، وهو لا يتخيل معادلة أخرى. ويضع مشكلات الفن المحلي في ثلاثة أطر رئيسية: الإطار الدرامي والإطار الموسيقي وبينهما الإطار التقني. ويرى أن لكل واحد منها مشكلاته التي ينبغي العمل على حلها بأمانة ونزاهة وبعيدا عن الشعارات والوعود المجلجلة.

ويصر على صعيد الموسيقى والغناء أن يعمل هذا الحقل على تعزيز الهوية الوطنية، وأن يقدم فنانوه أغنية تعبر عن الهوية الأردنية، وتعكس هموم هذه الهوية وأشجانها وتطلعاتها. ولا ينسى في هذا السياق المظلومين من الفنانين الذين يعملون ليلا (في المطاعم والأماكن الليلية)، ويرى أن ما يتعرضون له من إجحاف واستغلال من قبل "حيتان الخمس نجوم"، أمر غير مقبول ولا إنساني.

وعلى صعيد الدراما، يقول زريقات "المنتج الموجود على الساحة يستغل الفنان (ممثلا ومخرجا وتقنيا) ولا يعطيه حقه ويتركه يعمل في ظروف سيئة، وبعض هؤلاء المنتجين (وهم قلة على كل حال) لا يعطي الفنان نسخة من العقد الموقع بينهما". ويذهب إلى أن على النقابة مسؤوليات كبيرة في هذا الموضوع، والأصل أن تحمي النقابة أعضاءها، وأن توثق عقود فنانيها لديها.

وحول إذا كان ترشيحه لنفسه مجرد سعي إلى منصب، أم لتحقيق مشروع ما، يجيب زريقات قائلا "أنا قادم لأرتقي بالدراما كمشروع اجتماعي اقتصادي سياسي جمالي، ولأرتقي بالفن المحلي عموما، ولأقف في صف زملائي في المهن الأكثر تفاعلا مع الناس وتعبيرا عن همومهم وتطلعاتهم".

وهو يرى أن المواجهة مع المقصرين بحق الفن الأردني ينبغي أن تبتعد عن المجاملة "فمطالب زملائي الفنانين مقدسة ومشروعة ولا مهادنة فيها".

ويصف نفسه في سياق متواصل بأنه "صاحب مشروع نضالي منذ اليوم الأول الذي عمل فيه بالفن". ويعرّف نوع هذا النضال بأنه نضال وطني إنساني "ومن شبابي المبكر وحتى هذه اللحظة وأنا أدافع عن إنسان هذا الوطن وألقي الضوء على مشاكله ولم أهادن المسؤول يوما وتاريخي يشهد على ذلك".

ويستشهد هنا بقصة حدثت معه، فعندما كان يقدم برنامج "مساء الخير"، قابلته سيدة في الشارع، وسلّمت عليه بحرارة وقالت له حرفيا "والله إحنا بنخاف عليك". ويفسر زريقات ذلك بأن الناس تابعوا في البرنامج جرأة غير مسبوقة.

ويقول مواصلا "هل أهمس لك بسر: بعض المسؤولين كانوا يتهربون من سماع اسمي، وبعضهم كانوا يتهربون من المشاركة في البرنامج، رغم سحر الشاشة وهوس الظهور عليها، وواحد منهم ظل طوال عام كامل يتهرب، رغم اتصالاتي المتكررة أنا وزملائي في الإعداد، وبعد ذلك انتقل من المنصب الذي كان فيه إلى منصب آخر".

وعن الروافع التي يستند إليها، يوضح زريقات أن استقامته وإيمانه بالوطن ونظامه وناسه هي الروافع التي يستمد منها قوته، ويواصل من خلالها مواجهته للأخطاء والتجاوزات.

ويأخذ زريقات على ظاهرة شراء الأصوات، ويقول في هذا السياق "تناهى إلى أسماعي (والله أعلم) أن هناك عملية شراء أصوات، فتخيل نقابة فنانين تجري انتخاباتها تحت سلوك شراء الأصوات، فهذه سابقة لم تحدث من قبل".

ويؤكد زريقات في ختام حديثه ثوابت وطنية لا مهادنة فيها، وعلى رأسها التسامح الذي يمثل رسالة أردنية بامتياز، والتآخي بين أبناء الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين ومن مختلف المذاهب والأديان والشرائع والمعتقدات، ويورد هنا التعايش الأهلي والمحبة التي ينبغي أن تكون عنوانا ينطلق فنانو الوطن منه.

ويعود إلى تأكيد أولوياته التي على رأسها إعادة اللحمة بين أعضاء الهيئة العامة في نقابة الفنانين "وأن نحدب على بعضنا ونحب بعضنا".