"بضربه لأني بحبه ولازم أربيه".. أهال يبررون تعنيف الأبناء!

Untitled-1
Untitled-1

ربى الرياحي

عمان- في كل مرة، كانت تنتقد فيها رشا أكرم طريقة أختها في تربيتها لأبنائها الخمسة، ينتهي بهما الخلاف إلى طريق مسدود. فهي تستهجن جدا لجوءها كأم للضرب والتعنيف والشتم دون أدنى تفكير منها لخطورة ما تفعله بأطفالها وإلى أي حد هي تؤذيهم وتكسر فيهم ثقتهم بأنفسهم. وفي الوقت ذاته تستغرب من رد شقيقتها عليها "ما حدا بحب أولادي مثلي.. أنا بضربهم وبعاقبهم لحتى أربيهم ويتعلموا الصح من الغلط".اضافة اعلان
وتتساءل رشا بألم: كيف يمكن للأب والأم أن يجدا في الضرب وسيلة ردع وتأديب؟، تقول "أكثر ما بات يضايقني مؤخرا تبرير أختي للسبب الذي يدفعها للضرب، فهو من وجهة نظرها أسلوب فعال للتربية يشعر الطفل بالرهبة ويقوي شخصيته ويبعده عن الدلال الذي يفسد أخلاقه ويجعله هشا ضعيفا".
ضرب بالأحزمة والعصي والأقدام والركل أيضا؛ تلك مشاهد تتكرر بين أروقة الكثير من البيوت، والذريعة هي تقويم سلوك الطفل وردعه وترهيبه. فقد يلجأ الآباء والأمهات للضرب اعتقادا منهم أنه الحل الأمثل لتخويف الابن ومنعه من أن يقع في الخطأ مرة أخرى من دون التفكير أن ذلك يترك الكثير من الندوب والجروح داخل أعماق الطفل.
تلك الأوجاع تحديدا يصعب محو آثارها من ذاكرة الطفل، وبالتالي قد تتحول المشاعر المرافقة للضرب إلى حقد دفين يبقى ملازما للشخص مدى الحياة تظهر في سلوكيات سلبية من شأنها أن تؤثر عليه نفسيا وجسديا.
جواد طفل لم يتجاوز عمره التسع سنوات تربى على القسوة داخل بيته، لم يعش كما يجب بأجواء من الطمأنينة والحب والحنان، بل هو يتعنف يوميا من قبل والده الذي ينهال عليه بالضرب والشتائم عند أبسط موقف.
طفولته البائسة يتخللها الكثير من الوجع ومبررات ليست في مكانها.. "لازم يتعلم يعيش الحياة"، هكذا كانت كلمات الأب الذي يدافع عن نفسه ويحاول أن يفسر اضطراره للضرب، فهو يصر على أن يتجاهل خطورة ما يفعله بابنه. الأضرار الجسدية التي يلحقها بابنه رافقتها تغيرات أخرى بدأت تظهر عليه في الفترة الأخيرة، فشخصيته باتت مهزوزة يخاف من كل شيء، إضافة للعدوانية والميل للوحدة والصمت في أغلب الأوقات والكراهية باتت المسيطرة على مشاعره.
الثلاثينية والأم هيام عمر هي الأخرى تلوم كل من يقدم على إيذاء طفل، سواء كان ذلك جسديا أو نفسيا أو حتى بالنظرات، فالتربية لا تعني أبدا ضرب الأبناء وإهانة كرامتهم، مبينة أن حب الوالدين لأبنائهما لا يعطيهم الحق في ضربهم وإيذائهم.
وتلفت إلى أن التربية تكون بكلام يجمع بين الحزم واللين، فالأبناء جميعهم بغض النظر عن عمرهم بحاجة إلى يد حنونة تسندهم وتقويهم، واليد التي تعتاد الأذى يصعب عليها أن تطبب الوجع وتداوي تلك الجروح التي هي سببها.
وتنوه هيام إلى أنها تشاهد الكثير من المواقف يوميا لآباء وأمهات يجاهرون بضرب أطفالهم في الأماكن العامة، مشاهد قاسية تخلو من الحنان تبقى عالقة في ذاكرتها، وتؤكد أن الكلمة الحلوة هي أساس كل شيء، وحل لمشكلات كثيرة سواء مع الصغار أو الكبار.
الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة، يبين خطورة لجوء الوالدين للضرب، فذلك لن يكون أبدا حلا لتقويم سلوك الابن وتغيير أفكاره، فالتربية تحتاج إلى بدائل فعالة ودائمة ترافق الطفل في كل حياته. ويشير إلى أن هناك الكثير من الناس الذين يجدون في الضرب وسيلة رادعة لأبنائهم من شأنها أن تعدل سلوكهم وتجنبهم تكرار الخطأ ويتجاهلون بالمقابل انعكاسات العنف البدني واللفظي على هؤلاء الأطفال.
قد لا يدرك الآباء أيضا أن الضرب يزرع في نفس الطفل الخوف والتردد وقلة الثقة، كما يحوله إلى شخص عدواني مع نفسه ومع الناس، فالإنسان ابن بيئته، وحسب رأي نوايسة، فإن على الأهل أن يكونوا قريبين من أبنائهم يعرفون احتياجاتهم جيدا مع ضرورة التقرب منهم فكريا ونفسيا، وخاصة في مرحلة المراهقة.
دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، عرفت العنف الجسدي بأنه الاستخدام المتعمد للقوة البدنية، ما يؤدي إلى أذى قد يلحق بصحة الطفل أو حياته أو نموه أو كرامته. كما عرفت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة أن أي عقوبة تستخدم فيها القوة البدنية بقصد إحداث درجة من الألم والمعاناة حتى وإن كانت خفيفة أو ضربا تأديبيا، فإنها تصب بدائرة العنف.
ووفق المستشار الأول للطب الشرعي الخبير بحقوق الإنسان الدكتور هاني جهشان، ليس هناك أي مجال للمساومة أو التلاعب بالألفاظ لتبرير ظاهرة خطيرة يتعرض لها الأطفال تحت إطار التأديب، فمن المستحيل وضع خط فاصل بين العنف الجسدي ضد الطفل وبين الضرب التأديبي.
ويبين أن كثيرا من الأطفال في الأردن كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى يتعرضون للصفع والضرب بالعصي والركل على يد أحد أفراد أسرهم، وفي بعض الحالات يؤدي ذلك إلى وفاة الطفل أو إصابته بإعاقة أو عاهة دائمة أو ضرر جسدي بالغ، وفي كل هذه الأحوال يكون هناك أثر سلبي على الصحة النفسية للطفل وعلى بناء شخصيته.
وقد أظهرت دراسة ميدانية حول العنف ضد الأطفال في الأردن أجرتها منظمة اليونسف العام 2007 أشكال عقاب الجسدي الذي يمارس ضد الأطفال داخل منازلهم كالصفع والقرص وشد الشعر والدفع ولي الساعد، وهناك أيضا وسائل أكثر خطورة وقسوة كاستخدام الحبال والعصي والأسلاك والحرق.
وكانت النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة هي أن نحو نصف الأطفال في الأردن يتعرضون لإساءات على شكل عقاب جسدي من قبل الوالدين تؤثر عليهم نفسيا وصحيا وتهدد حياتهم وتدمر بناء شخصياتهم مستقبلا، فلا يوجد حد فاصل بين الضرب التأديبي والعنف الجسدي. كما أن هناك ثقافة سائدة تتقبل العنف ضد الأطفال وتعتبره وسيلة للتأديب والتربية، رغم أن هنالك سلوكيات خطيرة تتولد لدى الأطفال بسبب تعرضهم للعقاب الجسدي تشمل النزعة لديهم للهرب من المنزل ونزعة إيذاء أنفسهم والانتحار وارتكاب سلوكيات جرمية.
ووفق رأي جهشان، من المهم التركيز على توعية وتثقيف الآباء والأمهات وتوجيههم لاستخدام طرق بديلة لتقويم سلوكيات أبنائهم بدلا من اللجوء للعنف، وكذلك زيادة وعي الأطفال بحقوقهم في الحياة ومراجعة السياسات وتطوير التشريعات المتعلقة بمواجهة العنف ضد الطفل.