قوات الدرك.. قفزات نوعية في مضامين ومفهوم العمل الأمني الحديث

Untitled-1
Untitled-1

عمان - الغد - من جذور العشق الضاربة في عمق الأرض الأردنية الطاهرة، كان لرجال المديرية العامة لقوات الدرك؛ شرف كتابة الأحرف الأولى في سطور هذه الأرض المعطاءة، المطرزة بالوفاء والحرية، تحت قيادة الملك المؤسس عبدالله الأول طيب الله ثراه.اضافة اعلان
سجلت قوات الدرك، ومنذ تأسيس إمارة شرقي الأردن العام 1921، فصولاً من البطولة، وبقيت مرابطة تذود عن أمن الوطن وتسور حماه بالعزة والكرامة، الى أن جاء العام 1956 ليشهد فصل القوة الأمنية عن الجيش، وإنشاء مديرية الأمن العام، كمؤسسة أمنية مستقلة؛ أنيطت بها واجبات حفظ الأمن في المملكة، ليبتعد اسم الدرك تدريجيا عن خريطة العمل الأمني في البلاد، إلا من وثائق تاريخية، ونصوص قانونية، بقيت شاهدة على عراقة هذه القوة.
وفي العام 2008، وبرؤية تستشرف المستقبل، جاءت توجيهات جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني، بإعادة تشكيلها، كقوة أمنية مستقلة، ذات صبغة عسكرية، لتمارس أدوارها الوطنية، وما كانت الأعوام اللاحقة لإعادة تشكيلها، إلا مرحلة جد واجتهاد، تعامل خلالها هذا الجهاز الأمني، بما هو عليه من تطور وبشكله العصري، مع أنواع جديدة من الواجبات، فرضها واقع المستجدات الأمنية والسياسية في الإقليم، وتأثرت بها الساحة المحلية.
سجلت قوات الدرك قفزات نوعية في مضامين ومفهوم العمل الأمني الحديث، فدشنت العام 2015 مرحلة جديدة من التحديث والتطوير، جاءت بتوجيهات ملكية سامية، ووضعت استراتيجياتها القائمة على تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وانطلقت نحو مراتب التميز المحلي والدولي، واستمدت نجاحها من تتبع وتنفيذ توجيهات جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني، وعملت بفلسفة أمنية شاملة تتعدى العمل الأمني التقليدي، لتسهم بتحقيق مصالح الدولة العليا، وتعزيز الأجواء الأمنية الملائمة، لاحتضان مسيرة النهضة.
مر تاريخ قوات الدرك في المملكة بثلاث مراحل أساسية: الأولى (التأسيس) واستمرت منذ تأسيس إمارة شرقي الأردن العام 1921 وحتى 1956؛ إذ فصل الأمن والدرك عن القوات المسلحة، وتأسست مديرية الأمن العام.
أما الثانية (إعادة التشكيل) فبدأت بصدور الإرادة الملكية السامية، بإعادة تشكيل قوات الدرك العام 2008، واستمرت حتى 2015؛ إذ استلزمت جهوداً كبيرة لبناء القدرات، وتوفير الجاهزية الأمنية، لتلبية التطلعات، وامتدت لفترة زمنية تخللها متغيرات أمنية شهدها الإقليم، وأنواع جديدة ومتزايدة من الواجبات.
والثالثة (التحديث والتطوير)؛ إذ جاءت استجابة للرؤى الملكية السامية بإعادة الهيكلة، والتوظيف الأمثل للموارد، والطاقات، وابتدأت العام 2015 وستستمر حتى العام 2020 بإذن الله، عبر استراتيجيات أمنية وتنظيمية حديثة، تمتاز بالواقعية، فطورت نظامها الإداري، وأعادت هيكلة تشكيلاتها، واستحدثت وحدات جديدة تخدم تطلعاتها المستقبلية، ووزعت قياداتها توزيعاً جغرافياً مدروساً على أرض المملكة، لضمان سرعة الاستجابة، مع الاحتفاظ بتشكيلات أمنية نوعية، تشكل احتياطاً استراتيجياً مسانداً.
وفي الجانب البشري، أفسح المجال للكفاءات الشابة، ووضعت الخطط لإعداد القيادات المستقبلية الواعدة، وحددت المسارات الوظيفية بخطة جديدة لتصنيف الضباط والأفراد، تبعاً للمؤهلات والمهارات المكتسبة، وعملت على تمكين المرأة.
كما دعمت المبدعين من أبناء الوطن، ووجهت طاقات الشباب، وصقل مهاراتهم، وتبنت الرياضيين الواعدين، ووفرت لهم المناخ المحفز على التفوق، فحقق أبطالها الإنجاز، ووقفوا على منصات التتويج الدولية.
ورفعت هذه القوات زخم التدريب المتخصص، واقترنت مناهجها بالوسائل والأساليب العلمية الحديثة، فأصبح لديها مراكز تدريبية تضاهي نظيراتها في الدول المتقدمة؛ أبرزها مركز الدرك الدولي المتميز لتدريب حفظ النظام، ومدرسة تدريب قوات الدرك.
وفي الجانب العملياتي، عززت التشاركية والتنسيق مع الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، واضطلعت بواجبات ميدانية متخصصة، وشكلت قوة نوعية ومتخصصة لمساندة الأجهزة الأمنية الأخرى في المواقف ذات الحساسية العالية؛ كالتعامل مع المجرمين الخطرين.
كما وفرت مظلة أمنية للفعاليات والأنشطة الجماهيرية، وأمنت الحماية للأشخاص والهيئات والمؤسسات المهمة، والأمن لمخيمات اللاجئين، ولأكثر من 40 مرفقاً حيوياً واقتصادياً.
وترسيخاً لقيمها الجوهرية؛ أولت لمبادئ النزاهة، والشفافية، واحترام حقوق الإنسان الاهتمام، وكانت السباقة بوضع مدونة السلوك وأخلاقيات العمل لمنتسبيها، واستحدثت مكتباً خاصاً لحقوق الإنسان، وانفتحت على الفعاليات الشعبية، ومساندة المجتمعات المحلية، ودعمت مبادرات إنسانية، وقدمت آلاف المساعدات العينية والمادية للمواطنين، وأطلقت الحملات الدورية للتبرع بالدم للمرضى.
وانطلاقا من رسالتها الإنسانية والأخلاقية، احتلت المرتبة الأولى في قوات حفظ السلام الدولية لسنوات متتالية، وبلغ عدد مشاركيها في تلك القوات منذ العام 2009 أكثر من 10 آلاف ضابط وضابط صف.
وتسلم منتسبوها أرفع المناصب الدولية، وكان أهمها تسلم مديرها العام اللواء الركن حسين الحواتمة قيادة واحدة من أهم المنظمات الأمنية الدولية في العام 2017؛ إذ حرصت عبر هذه الرئاسة على ممارسة دور قيادي وفاعل، يعكس احترافية المؤسسة العسكرية الأردنية.
وعملت قوات الدرك، خلال هذه الرئاسة، على تبني موضوع "الهجرة واللجوء"؛ في خطوة أريد لها أن تكون مدعاة للفت أنظار العالم إلى مدى العبء الذي تحمله الأردن بقيادة جلالة القائد الأعلى في هذا المجال.
كما عملت الرئاسة الأردنية على تطوير هذه المنظمة، وتوسيع آفاقها الدولية؛ لتشمل جميع القارات، بعد أن كانت مقتصرة على دول أوروبا وحوض البحر المتوسط، واستضافت عمان قمة أعمال المنظمة، وحظيت بتمثيل دولي غير مسبوق على مستوى القادة الأمنيين الذين تشرفوا بلقاء جلالة الملك عبدالله الثاني.
وبعد مرور عشر سنوات كاملة على إعادة تشكيلها، تقف قوات الدرك على أعتاب المستقبل؛ وقد أصبحت صرحاً أمنياً شامخاً؛ بُني بفكر هاشمي حكيم، وبسواعد أردنية فتية.