ألف شهيد واتحاد الكتاب العرب يتحدث عن مخططات أجنبية لـ "كسر إرادة سورية ووحدتها"

زياد العناني

عمان- بين الطريقة الوحشية التي قتل فيها الطفل حمزة الخطيب والتمثيل بجسده، وقطع عضوه التناسلي قصدا، وبين موقف اتحاد الكتّاب العرب، تتضح معالم الشيزوفرينيا التي أصابت النظام السوري، ومعه هذه الهيئة الثقافية العربية التي لم تعدْ تفرّق بين الخطأ أو الصواب.اضافة اعلان
كيف يصمت اتحاد الكتّاب العرب على مقتل طفل وقطع عضوه التناسلي ليكون بمثابة رسالة للشعب كله، تخاطبه من خلال عقدة الخصاء، وتذكره بأنَّها ستحرمه من الذكورة إنْ فكَّرَ بتغيير النظام، واستبداله بالديمقراطية التي تعني تداول السلطة والعدالة الاجتماعية. 
ألا يخجل اتحاد الكتاب العرب من قلب مواقفه السياسية القائمة على مواقف مبدئية ثابتة، في الدفاع عن كرامة العرب وعزتهم، وكيف له أنْ يختبئ وراء مقولات النظام مصدقا وباصما بيديه وقدميه، ولماذا لم ينشط عبر مساءلة أركيولوجية تعيد السلطة من مفهومي الناب والغاب إلى مفاهيم تتلاءم مع إنسانية الإنسان بأحلامه وتطلعاته؟
أكثر من ألف شهيد وما يزال الاتحاد يتحدث عن مخططات أجنبية وعربية تدبر لكسر إرادة سورية ووحدتها وحريتها، ويُبرِّرُ الجريمة بمثلها، بدلا من الانخراط في الاحتجاجات الساعية إلى الإصلاح،‏ خصوصا أنَّ الاتحادَ وُجِدَ لكي يشخِّصَ ما يجب أنْ نكونَ عليه، ويصِف لنا الوصفات الساخنة في تناول مساحيق الحرية، وحبيبات الكرامة في كلِّ درس أدبي وفكري.
هل من الكرامة في شيء أن يخير الشعب العربي السوري بين موتين الأول يشمل المعنوي والثاني الفيزيائي، وهل المقاومة والممانعة تعني أنْ يُذبَحَ الناس في دمشق وحوران وحمص واللاذقية وحماة ودير الزور وعامودا والقامشلي وبانياس وريف دمشق وحلب، بدم بارد، وتخضع مدنهم وقراهم لانتصارات حاسمة، فيما الجندي الإسرائيلي في الجولان محمي بلا مواجهة، وكأنه في بيته الآمن.
لقد اكتفى الاتحاد بنظامه الدموي وبذاته وبعزلته عن الواقع، وراح يقول بحقيقة مطلقة تخص النظام وتدافع عن مبدعي الدم، من دون أن يدري بأن الموقف الحر يعد نمطاً من أنماط الثقافة، وأنَّ مقولة المفكر أحمد البرقاوي عن الانحطاط الذي يعبِّر عن نفسه‏ أخذت بعدها، حين دخلت في أروقة هذا الاتحاد ولم تخرج.‏
ربَّما كان على الاتحاد بحسب رسالته وانتمائه أنْ يقبَلَ بشيء من الخوف ونقص من الأموال، ويقف مع تطلعات الناس، ويلهج بما يمنع الظلم والاستبداد، لكنَّه فضَّلَ أنْ يسطر اسمه في قائمة سوداء تتسع كل يوم وتضم آكلي اللحوم واللصوص والضائعين من الشرطة والجيش، والكتاب الذين يجملون العنف ويغطون الجريمة بأياد غير مشمولة بالعفو أو الغفران، ولهذا سيكون على اتحاد الكتاب أنْ يبدِّل في بيانه ويحمر كثيرا، حين يتحدث عن قوى الحرية والمقاومة والكفاح المتمثلة في النظام وعن قوى الشعب الذي يرى أنَّها مجرد دمى متحركة تعاندُ مشروعَ الإصلاح ومحاربة الفساد ولا تريد لسورية أن تظل موئلاً للحرية والتآخي، وموطنا للوحدة والعيش المشترك.
كبر مقتا أنْ ينظر الاتحاد إلى عميم الشعب السوري هذه النظرة القاصرة، والأكبر من المقت كله هو أنْ يُبتلى هذا الشعب بعدو وهمي وتخرصات تنكر حقه في الاحتجاج ضدَّ المهانة والإذلال، وفي الكلام وفي الماء وفي الاتصالات والإنترنت وفي الهواتف المحمولة، وفي السؤال عن كذبة البلطجية الخارجة من الجحر الأمني، كما تخرج الأفاعي في القيظ من جحورها.  
لم يعد اتحاد الكتاب العرب جهة يمكن الوثوق بما تكتب وبما تنشر، بعد أن تسلم ظهرها اللواء علي مملوك، ومن يعرف مملوك، لا بدَّ أنْ يعرف مآل الاتحاد، بما فيه من كتبة استدعايات ودناصير منقرضة، تؤكِّدُ أنَّ الجثث التي نراها ليست جثثا، وأنَّ الصور ليست صورا، وأنَّ الحرب مناورة، وأن قوات الأمن تفرق أشباحا دخلوا عنوة من جهة السماء، وأنَّ الأجواء مهيئة للحوار بين المسلم والمسيحي والدرزي والعلوي، وأنَّ الشعب لا يُريدُ إسقاط النظام، بل إنَّهُ صارَ يخرجُ ليمنع خروج التظاهرات وأنَّ مطلب الحرية أو "أزادي" هو مطلب النظام نفسه الذي شرع في إصلاحات بمجالات الاقتصاد والأمن والسياسة والقضاء، وأنَّ مسألة الاعتقال والتعذيب وسقوط الضحايا التي تتمم هنا وهناك، مجرد مزاعم تنتجها الفضائيات العربية. ..وأخيرا اختلط الحابل بالنابل، وصار علينا أنْ نبحَثَ عن حقيقة واحدة لم تطبخ على نار نظام انتهى حقه في الحياة، وبات عليه أنْ يُدركَ أنَّ زمن القائد الضرورة ولّى، وأنَّ نهاية الطاغية سوف تتشابه مع نهاية الضحية، وأنَّ الفرقَ لا يكمن إلا بالتوقيت فقط.

[email protected]