التراكمات النفسية "سم بطيء" يقتل العلاقات بصمت

357
357
ربى الرياحي عمان- الحقيقة التي قد نكتشفها مؤخرا وبعد الكثير من التجارب والصدمات هي أننا لا نخسر علاقاتنا عادة بمشاكل كبيرة حاسمة بل بتراكم الخيبات. ومن هنا نستطيع القول إن العلاقات أيا كانت لا تنتهي فجأة وإنما هناك تفاصيل صغيرة قد لا يكترث لها أحد تكون السبب في بناء جدران من الجفاء والبعد والتخلي. هذه الجدران كفيلة بأن تسدل الستار على قصص غلفها الحب لسنوات طويلة وصداقات كانت العشرة في كل مرة هي من ترمم شقوق الألم والخيبة لها. والسؤال الذي يحضر بقوة هنا.. هل التراكمات سم بطيء يقتل مشاعر الحب والود والاحترام؟ وهل هي سبب كافٍ للتنكر لكل اللحظات الحلوة منها والمرة وتلك الذكريات العصية على النسيان؟ الثلاثينية رند داود تستذكر علاقتها بصديقتها قبل أن تنتهي وتصبح من الماضي، تقول: “التراكمات في بعض الأحيان تجعل الشخص يقسو رغم لين قلبه، هذا تماما ما حدث معها، هي لم تتوقع أبدا أن تغلق الصفحة مع صديقتها ولآخر مرة”. الشك والكذب والأخطاء المتكررة تفاصيل كثيرة رغم صغرها، إلا أنها كانت كافية لأن تنهي سبع سنوات من الثقة والدموع والضحكات والأسرار. مشاعر لم تكن مزيفة لكنها تلاشت تماما وكأنها لم تكن. وتبين رند أنها في كل مرة كانت تخطئ فيها صديقتها وتتسبب في أذيتها، كانت تسارع لأن تجد لها العذر حتى وإن لم يكن منطقيا أو مقنعا بالنسبة لها. مواقف كثيرة حصلت بينهما كان التسامح فيها حاضرا دائما. رند، ورغم الخيبات المتكررة، إلا أنها ظلت قادرة على فتح صفحة جديدة مع صديقتها إلى أن جاء ذلك اليوم الذي شعرت فيه أن صديقتها استنفدت كل الفرص، لم تعد لديها حتى هي الرغبة في تبرير أفعالها. مبينة أنها وبعد الموقف الأخير لصديقتها قررت أن تصبح أقسى وتضع حدا لطيبتها الزائدة. كثيرون هم من يعتقدون أن التغاضي عن الخطأ وتبريره والتنازل المستمر هي أمور مضمونة، لن يأتي يوم ويتوقف من يحبهم عن منحها لهم، هؤلاء أنفسهم هم من يتجاهلون أن التراكمات وحدها قادرة على إنهاء أي علاقة وبصمت مهما كانت قوتها، فالإنسان لا يغضب من كلمة ولا يتخلى بسبب موقف واحد بل التراكمات هي من تفعل ذلك، لأن الفرص لا بد لها أن تنفد وأرصدة المحبة حتى وإن كانت غير محدودة ستنضب حتما مع تكرار الأخطاء واللامبالاة. أما العشرينية أسيل فتجد أن علاقتها بخطيبها التي لم تستمر أكثر من خمسة أشهر، انتهت تدريجيا وبصمت دون أن يكون هناك خلافات كبيرة وواضحة. تقول في البداية كانت مشاعر الانسجام والحب طاغية على العلاقة لدرجة أنها لم تتصور أبدا تلك النهاية. لكن وبمرور الوقت أخذت تكتشف حقيقة الشخص الذي ارتبطت به، والذي سيشاركها حياتها. حاولت أسيل أن تنبهه أكثر من مرة، وأن تلفت نظره لبعض الأخطاء إلا أن ذلك لم يغير شيئا. فقد ظل مصرا، حسب قولها، على التجاهل، ولم يفكر حتى بالاعتذار. ردوده الباردة وقلة اهتمامه بها وأنانيته الشديدة وقسوته أحيانا غير المفهومة وإهماله لكل ما يخصها هي كلها تراكمات لم يستطيعا تجاوزها، وجعلت الحياة بينهما مستحيلة. لذا كان الحل هو وضع نقطة آخر السطر وإغلاق الصفحة نهائيا دون رجعة، هو رفض أن يعيد حساباته ويصلح أخطاءه معها فلم تجد سوى الانسحاب حلا لراحتها. وتقول، إن التراكمات سم بطيء يقتل العلاقة بصمت، لذا لا تختبروا قوة تحمل الطرف الآخر ولا تعولوا على حبه الكبير وقلبه الأكبر، ولا تتجاهلوا نفاد صبره، وأيضا لا تتوقعوا أن تكون هناك صفحات جديدة دائما، فأنتم لا تدرون متى تكون الصفحة الأخيرة. الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يبين أن التراكمات ذات أثر خطير على الصحة النفسية وأن عدم الانتباه لها قد يؤدي في أغلب الأحيان إلى حالة من الكبت السلبي، وبالتالي ينتج عنه ضغط وتوتر كبيران. وحسب رأي مطارنة، فإن العلاقات كلها أيا كان نوعها، جميع الأطراف فيها بحاجة لأن يعبروا عما يزعجهم ويضايقهم، وأن يخرجوا أولا بأول ما في دواخلهم حتى لا يقعوا فريسة للكبت والتراكمات التي من شأنها أن توصل الشخص للانهيار في لحظة واحدة، حينها تكون ردود الفعل عنيفة ربما تهدم كل شيء، كالعاصفة التي تقتلع الأخضر واليابس. مشيرا إلى ضرورة أن تبنى العلاقات على الوضوح والصراحة، وهذا بالتأكيد دليل على درجة النضج والصفاء. يقول: “الخطأ يبدأ عندما يلجأ الأطراف إلى إخفاء ملاحظاتهم، والسكوت عن أمور تشعرهم بالظلم والحزن من أجل الإبقاء على الحب أو الصداقة أو أي مشاعر أخرى، هنا فقط تصبح العلاقة مشوهة ومليئة بالتراكمات السلبية التي يصعب تحملها، كل ذلك سيتسبب حتما في تدمير العلاقة وإنهائها”. ويؤكد مطارنة أن الحوار والتفاهم والقدرة على كظم الغيظ في لحظة الغضب، هي كلها أمور مهمة للوصول إلى نقطة التقاء وصفاء، ومن ثم إلى علاقات سليمة وصحية بعيدة عن الكبت والتجاهل. اقرأ المزيد: اضافة اعلان