الصداقة.. تضيء ظلمة الأيام وتضفي الصفاء على القلوب

Untitled-1
Untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- الصديق.. ذلك الشخص الذي يضيء ظلمة الأيام، ويضفي البهجة على الأفراح، والصفاء على القلوب والأرواح، يقف إلى جانب صديقه بكل لحظاته وأوقاته، يتقبله كما هو ويرى الإبداع والجمال بداخله. أمام ذلك الصديق، نفكر بصوت عال؛ فهو الملاذ الآمن الأكيد، وأجمل محطات الحياة.اضافة اعلان
"إذا كُنت تَملك أصدقاء.. إذاً أنت غني"، وقيل أيضاً "الصداقة هي الوجه الآخر غير البرّاق للحب ولكنه الوجه الذي لا يصدأ".. كثيرة هي العبارات التي منذ الأزل تعبر عن الجمال والحب الحقيقي لما تحمله مشاعر الصداقة بين الأفراد، لأنها الرابط الأقوى الذي تستند عليه العلاقات البشرية بأرضية متينة.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2011 احتفالاً عالمياً يصادف يوم 30 تموز (يوليو) من كل عام تحت اسم "اليوم العالمي للصداقة".
وما تزال سمر نزال تستعرض العديد من اللقطات والصور السريعة لأصدقائها في مرحلة الطفولة التي تتمنى لو أنهم استمروا جميعاً في عالمها، وهي التي وصلت إلى العقد الرابع من عمرها، وتعتقد أن ارتباطها بأصدقائها خفف عنها الكثير من العناء والمشاكل التي مرت بها خلال فترة معينة من حياتها، لتؤكد أن الصداقة بالفعل هي كنز لمن يملكه.
وتبين نزال، في حديثها عن "اليوم العالمي للصداقة"، أنها منذ سمعت عنه نفذت عملية "جرد" سريعة، على حد تعبيرها، للأصدقاء الذين تتواصل معهم إلى الآن، ومدى أهميتهم في حياتها ولجوئها لهم بشكل دائم في أكثر المشاكل تعقيداً بسبب ظروف "خاصة" في حياتها.
في حين تشدد نداء عدنان على أهمية أن يقف كل إنسان في محطات حياته ويستجمع أصدقاءه الذين كانوا علامة فارقة لديه، فمنهم من استمر وبقي على المدى البعيد، ومنهم من أبعدته ظروف الحياة، ولكن هذا لا يلغي الصداقة التي تشعل فتيلها ذكريات مفاجئة أو مواقف تستوجب أن يكونوا بجانبنا.
نداء، من خلال حياتها، وهي أم لطفلين، ترى أن الكثير من المواقف قد تتطلب وجود صديق نشكو له همومنا أو نطلب منه حلا لمشكلة، هو يراها من منظور آخر بعيداً عن الأسرة والعائلة المقربة، وهنا يكون الحرص على اختيار الصديق المناسب.
الأمم المتحدة تبرر، عبر تقاريرها، عن "اليوم العالمي للصداقة"، "أن العالم يواجه العديد من التحديات والأزمات وعوامل الانقسام مثل الفقر والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها الكثير، والتي تعمل على تقويض السلام والأمن والتنمية والوئام الاجتماعي في شعوب العالم وفيما بينها، ولمواجهة تلك الأزمات والتحديات، لا بد من معالجة أسبابها الجذرية من خلال تعزيز روح التضامن الإنساني المشتركة والدفاع عنها، وتتخذ هذه الروح صورا عدة، أبسطها الصداقة".
الأمم المتحدة، قالت عبر تصريحاتها عن "يوم الصداقة الدولي": "إن الصداقة بين الشعوب والبلدان والثقافات والأفراد يمكن أن تصبح عاملا ملهما لجهود السلام وفرصة لمواجهة أي صور نمطية مغلوطة والحفاظ على الروابط الإنسانية واحترام التنوع الثقافي"، إلا أن تاريخ هذا اليوم لا يرجع إلى العام 2011 فقط، وإنما تم اقتراحه للمرة الأولى العام 1958 في باراجواي باسم "يوم الصداقة الدولي" وأصبح من وقتها احتفالا شعبيا في العديد من دول أميركا الجنوبية، ويتم الاحتفال بهذا اليوم في تواريخ مختلفة في بلدان العالم. ومن المؤلفات النفسية "الصداقة من منظور علم النفس" للدكتور أسامة سعد أبو سريع، يبين فيه مدى الاهتمام الذي تناوله علماء النفس عبر التاريخ في حديثهم عن الصداقة وتأثيرها النفسي على المجتمع ككل، فالأفراد هم من يمثلون المجتمع ويتأثرون بالعلاقات المختلفة كالزواج والحب والزمالة مروراً بالصداقة.
وجاء في لسان العرب لابن منظور، قوله "إن الصداقة من الصدق، والصدق نقيض الكذب، وبهذا تكون الصداقة هي صدق النصيحة والإخاء والصديق هو المصادق لك"، ويقول ابن المقفع "اعلم أن إخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا وهم زينة في الرخاء وعدة في الشدة ومعونة في المعاش والمعاد فلا تفرط في اكتسابهم وابتغاء الوصلات والأسباب إليهم".
الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة، يؤكد أن الصداقة حالة إنسانية تندرج تحتها كل المشاعر، وهي حالة من الحب والانسجام والسمو والتفاهم والانصهار الذاتي ولا تشبه أي حالة مشاعر أخرى، لها عمق استراتيجي ولا تخضع لأي من طقوس العلاقات المحدودة والغيرة والأنانية.
لذلك، ينوه مطارنة إلى أن الصداقة بالفعل، هي من أفضل العلاقات التي يكونها الإنسان، ويبث من خلالها الفرد كل ما بداخله من خير أو شر وخطأ أو صواب للصديق، لذا نحتاج إلى صديق يمتلك ميزات الوفاء، فالصداقة معان راقية وهي مكون مهم في الحياة ويصبح الإنسان أعزل بدونها، لذلك إذا توفرت يصبح الإنسان في حالة دائما من السعادة ومن يفقد الصداقة يفقد القوة والسند.
فداء وسماح وحنين، صديقات منذ أول أيام الجامعة إلى هذه اللحظة، ومر 15 عاما من التعارف الأول، يجتمعن بالفرح والهم، لا تتوانى إحداهن أن تكون رفيقة بكل المواقف، فالحياة بدون أصدقاء تكون صعبة.
فداء تقول إنها تعرفت على الكثيرين خلال فترة الجامعة، ولكن اقتصرت تلك الصداقات على سماح وحنين، فثلاثتهن جمعتهن الكثير من الأمور المتشابهة، وتعتبر أنهما الأقرب، بعد أن وقفتا معها في الكثير من مفارقات الحياة، ولم تتأخرا يوماً عن دعمها، وهما الآن بمصاف الأختين الأقرب لها.
وسماح، محظوظة بصداقتها معهما، كونها شعرت بأنها في حالة ضياع في فترة من الوقت، إلى أن أصبحت محاطة بصديقتيها اللتين كانتا على طول الخط معها وداعمتين لها خلال دراستها الجامعية، وحياتها الاجتماعية فيما بعد، حتى أصبحتا مرجعيتها في الكثير من الأمور الخاصة بها، كونهما تقدمان لها النصح بما يتناسب معها ومع ظروفها.
الاستشاري التربوي الدكتور عايش النوايسة، يرى أن الصداقة من أهم العلاقات البشرية وأساس مهم جداً في التواصل وبما ينعكس على أخلاق البشر وتصرفاتهم وسلوكهم.
ويعتقد النوايسة أن الصداقة تحقق التكافل في المجتمع ومصدر أساسي لتعاضد الأفراد وتعاونهم في وقت الشدة، والصديق الصالح تجده في وقت الضيق ومصدر حماية للأفراد من سوء التفكير أو الانحراف.
وفي ضوء ما سبق، ينوه النوايسة إلى ضرورة أن يأخذ الأهل والمدرسة موضوع الصداقة على محمل الاهتمام والمساهمة بشكل إيجابي في اختيار الصديق الحسن، وذلك من خلال امتلاك مهارات التوجيه والمتابعة الإيجابية ورفد الأبناء والطلبة بالأدوات والوسائل التي توضح صورة الصديق الحسن.
وينبغي على الآباء مصداقة أبنائهم، فالبنت صديقة أمها والابن صديق أبيه بحكم التقارب الفكري والفسيولوجي وخاصة في فترات المراهقة، ولا مانع من مشاركتهم حتى ألعابهم وهواياتهم، وبهذه الطريقة يضمن الآباء أن يكونوا قريبين مما يدور في ذهن الأبناء وتوجيههم ومتابعتهم بشكل إيجابي.
ومطارنة يؤكد أن الصداقة الحقيقية تولد حالة نفسية توفر الأمان والاستقرار وتملأ الفراغ ودوائر النقص وتحمي من معوقات الحياة. ومن هنا لها تأثير نفسي إيجابي على الإنسان، وفقدانها يعني فقدان شيء أساسي في الحياة.