بيكيتي: غياب المساواة يقف خلف نشأة وتقدم "داعش"

مسلحون من تنظيم "داعش" يجوبون الشوارع شمال مدينة الرقة السورية- (أرشيفية)
مسلحون من تنظيم "داعش" يجوبون الشوارع شمال مدينة الرقة السورية- (أرشيفية)

ترجمة: ينال أبو زينة

عمان- بعد مرور عام على اجتياح كتابه، الذي يحمل عنوان "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" (700 صفحة)، المراكز الأولى في قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في أميركا، أثار ثوماس بيكيتي جدلاً آخر يتعلق بالدخل وعدم المساواة.اضافة اعلان
وقد تكون هذه القضية الرئيسية حتى أكثر جدلاً مما ضمه في كتابه الشهير المذكور، في ضوء أنها تواصل إثارة النقاشات والتساؤلات في الأوساط السياسية والاقتصادية.
ويدور الجدل، الذي أوضحه بيكيتي مؤخراً في صحيفة "لوموند" الفرنسية، حول الآتي بالتحديد: عدم المساواة هو المحرك الرئيسي للإرهاب في الشرق الأوسط، بما في ذلك هجمات تنظيم داعش التي شنت في باريس مؤخراً -ويوضح كيف أن على الدول الأوروبية أن تلقى الكثير من اللوم على نفسها، لاسيما وأنها جزء مشارك بشكل كبير بكارثة عدم المساواة تلك.
وكتب بيكيتي أن النظام السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط أصبح هشاً جداً، ما يعود إلى تركز ثروة النفط بشكل كبير في بضع دول هناك تملك بواقع الحال تعداداً سكانياً منخفضاً نسبياً.
وإذا ما نظرت إلى المنطقة الواقعة بين مصر وإيران، التي تضم سورية أيضاً، يمكنك أن ترى مراكز النفط تتحكم
بـ60 % إلى 70 % من الثروة، بينما تستضيف ما يتجاوز ما نسبته 10 % بقليل من الـ300 مليون نسمة التي تسكن المنطقة.
وبحسب أرقام بيكيتي، ضمت مراكز النفط في الشرق الأوسط 16 % من سكان المنطقة في العام 2012، وشكلت ما يقارب 60 % من ناتج المنطقة المحلي الإجمالي.
ويقول بيكيتي إن تركز الثروة في الدول التي تملك حصصاً صغيرة نسبياً من السكان، يجعل من الشرق الأوسط المنطقة "الأكثر معاناة لعدم المساواة على وجه الأرض".
وداخل مراكز النفط في الشرق الأوسط، يتابع بيكيتي، تسيطر شريحة صغيرة من الأفراد على معظم الثروة، بينما تبقى أوضاع الشريحة الأكبر -التي تشمل الإناث واللاجئين أيضاً- رديئةً نوعاً ما.
وأصبحت هذه الظروف الاقتصادية مبرراً لنشأة الحركات الإرهابية، فضلاً عن الحروب التي شنتها وتشنها القوى الغربية في المنطقة.
وبدأت قائمة بيكيتي بحرب الخليج، التي يقول إنها أسفرت عن عودة النفط إلى أيدي الطبقة الحاكمة. وعلى الرغم من كونه لا يشرح بالتفصيل هذه الأفكار، إلى أن مقصده الواضح يدور حول أن الحرمان الاقتصادي وأهوال الحرب -التي صبت في مصلحة قلة مختارة من سكان المنطقة- أصبحت ما أسماه "بارود" الإرهاب عبر المنطقة.
ويبدو بيكيتي شديد اللهجة عندما يلقي لوم عدم المساواة في الشرق الأوسط، واستمرار تركيز ملكيات النفط في دول معينة، على عاتق الغرب: "هذه هي الأنظمة الحاكمة التي تدعمها القوات الغربية عسكرياً وسياسياً، وهم جميعهم سعداء للغاية للحصول على بعض فتات التمويل ولبيعهم بعض الأسلحة. وليس من المستغرب أن دروسنا في العدالة الاجتماعية والديمقراطية تلقى القليل من الترحيب بين شباب الشرق الأوسط في الوقت الراهن".
ومن أجل كسب ثقة هؤلاء الذي لا يعدون جزءاً من ثروات المنطقة، ينبغي على الدول الغربية أن تبرهن أنها معنية أكثر بالتنمية الاجتماعية هناك من السعي خلف تحقيق مصالحها وعلاقاتها الشخصية مع الأسر الحاكمة. والطريقة الأفضل للقيام بذلك، وفقاً لبيكيتي، هي ضمان أن تمول إيرادات النفط في الشرق الأوسط "مجالات التنمية الإقليمية"، مع دعم التعليم أكثر.
وينتهي بيكيتي إلى التغلغل داخل فرنسا، منتقداً عنصريتها في توظيف المهاجرين ومستويات البطالة المرتفعة بين هؤلاء السكان.
ويقول إن على أوروبا أن تتحول بعيداً عن سياسة "التقشف" لتنشط نموذج التكامل الخاص بها من جديد وتخلق فرص العمل، مشيراً إلى أن القارة العجوز كانت تستوعب مليون مهاجر سنوياً قبل الأزمة المالية.
ولم تعط الولايات المتحدة حجة بيكيتي حقها حتى الآن. وهي تستند إلى مبادئ مثيرة للجدل، لا تعد أقلها مسألة مدى التفاوت المادي والاجتماعي في الشرق الأوسط مقارنة بالعالم -المشكلة التي تتجذر من رداءة نوعية الإحصاءات الاقتصادية في المنطقة.
وفي ورقته البحثية، وصل بيكيتي ومؤلف مشارك له إلى أن مستويات عدم المساواة مرتفعة جداً في الشرق الأوسط، وربما تواصل ارتفاعها.
الإندبندنت/ جيم تانكيرسلي