توابع سياسية وانتخابية لزلزال تركيا

مواطنون أتراك بعد الزلزال العنيف الذي ضرب بلدهم مؤخرًا - (أرشيفية)
مواطنون أتراك بعد الزلزال العنيف الذي ضرب بلدهم مؤخرًا - (أرشيفية)
تقرير خاص – (أحوال تركية) 9/2/2023 في الساعات الثماني والأربعين الأولى، ترددت الحكومة في نشر الجيش التركي الذي يمتلك موارد كبيرة من الأفراد ومعدات الرفع الثقيلة. وربما يكون هذا التردد قد أدى إلى فقدان الآلاف من الأرواح. وعلاوة على ذلك، فإن وكالة الاستجابة للطوارئ الأولى في البلاد تخضع لمزيد من التدقيق العام. والمنظمة متهمة ببطء غير مقبول في الاستجابة لكارثة وطنية كبرى. * * واشنطن- في الوقت الذي كان فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسابق الزمن قبل أشهر قليلة من انتخابات رئاسية وتشريعية حاسمة، ويعمل على ترميم شعبيته وتعزيز قواعد حزبه الانتخابية استعدادًا لمواجهة صعبة مع معارضة شكلت تحالفات واسعة للإطاحة به في سباق الرئاسة وإنهاء أكثر من عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية، ضرب زلزال مدمر تركيا ووضع الحكومة في مواجهة تحديات صعبة وحملة انتقادات واسعة بسبب بطء التجاوب مع الكارثة. صحيح أن الزلزال كارثة طبيعية لا يمكن التنبؤ بها، ولكن كان على الحكومة أن تكون جاهزة للتعامل مع مثل هذه الكوارث، بالنظر إلى علمها بوجود محافظات تركية في مواقع تجلس على صدع زلزالي، وإلى أنها اختبرت في العام 1999 ذلك في زلزال أدى إلى مقتل 17 ألف شخص. تشرت ، في عددها الأخير، تقريرًا لخبير السياسات التركية سنان سيدي، تحدث فيه عن وجه آخر لزلزال تركيا، مشيرًا إلى الهزات السياسية التي ستعقب هذا الزلزال المدمر. ويقول الخبير والباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمساهم في برنامج تركيا التابع لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومركز القوة العسكرية والسياسية، والأستاذ المشارك في الدراسات الأمنية في كلية القيادة والأركان- جامعة مشاة البحرية وكلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، في تحليل مطول لمآلات الوضع السياسي بعد الكارثة: “ربما تكون تركيا قد عانت للتو من أكثر الكوارث الطبيعية تدميرًا في تاريخها. فقد سوت الزلازل القوية بالأرض عشر مقاطعات في جنوب شرق البلاد في غضون ساعات، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. ودرجات الحرارة مجمدة والناجون معرضون لخطر التجمد حتى الموت قبل أن يتمكن رجال الإنقاذ من إخراجهم من تحت الأنقاض”. وما تزال الكارثة تتكشف. فهناك الآن مشكلة تشرد ضخمة. وحتى في الحالات التي لم يتم فيها تدمير المنازل، سيكون العديد منها غير صالح للسكن بسبب الأضرار الهيكلية. ومستوى الدمار الحضري هائل لدرجة أنه، إضافة إلى فقدان منازلهم، من المحتمل أن يكون سكان المنطقة قد فقدوا وظائفهم أيضًا. وفي حين أن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل لا يمكن التنبؤ بها، فقد كان ينبغي على الحكومة التركية -بل كان من الممكن- أن تكون مستعدة بشكل أفضل لتجنب هذا السيناريو الأسوأ. وفي الأيام المقبلة، سيطالب المواطنون والسياسيون المعارضون بإجابات لثلاثة أسئلة غير مريحة. الأول يتعلق بتوافر أموال الطوارئ المخصصة على وجه التحديد للإغاثة من الزلزال. في أعقاب الزلزال المميت في العام 1999، فرضت الدولة ضريبة دائمة على جميع مالكي المنازل الأتراك للمساهمة في صندوق حتى تكون الدولة مستعدة ماليًا للتعامل مع الزلزال المدمر التالي. وتشير التقديرات إلى أن الدولة جمعت ما يقرب من 40 مليار دولار. فأين أموال هذه الصناديق؟ في العام 2020، سأل الصحفيون الرئيس رجب طيب أردوغان هذا السؤال بالذات، فأجاب بلا إجابة، وقال: “لقد أنفقنا الأموال على ما هو ضروري. ليس لدي الوقت حقًا لشرح ما تم إنفاق الأموال عليه”. منذ العام 2012، تم فرض الرقابة على الإفصاح العام عن الإنفاق الحكومي، مما يجعل من المستحيل عمليًا تحديد كيفية إنفاق هذه الأموال. السؤال الثاني يتعلق بأنظمة البناء. في أعقاب زلزال العام 1999، فرضت الدولة لوائح بناء أكثر صرامة، مصممة خصيصًا لضمان مقاومة المباني للزلازل قدر الإمكان. ويشير تدمير مجمعات سكنية بأكملها في بلدات مثل هاتاي وأنطاكيا وإسكندرون بقوة إلى أن المباني لم تكن في المستوى المطلوب. من المسؤول؟ سوف تميل الحكومة إلى تشويه سمعة المقاولين والبنائين الأفراد، ولكن ليس مسؤولي الحزب الذين يديرون البلديات ويصدرون بالتالي تصاريح البناء والتقسيم إلى مناطق. وبعبارة أخرى، سيبذل حزب العدالة والتنمية، بزعامة أردوغان، كل ما في وسعه للهروب من الإحراج واللوم. وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيفعلون ذلك في ضوء البنية التحتية العامة التي تعرضت أيضًا لأضرار جسيمة وانهارت عشرات المباني البلدية والمستشفيات. السؤال الأخير يركز على استجابة الحكومة للطوارئ أو عدم وجودها من الأساس. من المسلم به أن حجم الزلازل كان هائلا لدرجة أن أي حكومة جاهزة ستكافح من أجل الخروج باستجابة ذات مغزى، لكن المواطنين في المناطق المتضررة يشكون من النقص التام في خدمات الطوارئ، مما دفع البعض للتساؤل “أين الدولة؟”. في الساعات الثماني والأربعين الأولى، ترددت الحكومة في نشر الجيش التركي الذي يمتلك موارد كبيرة من الأفراد ومعدات الرفع الثقيلة. وربما يكون هذا التردد قد أدى إلى فقدان الآلاف من الأرواح. وعلاوة على ذلك، فإن وكالة الاستجابة للطوارئ الأولى في البلاد تخضع لمزيد من التدقيق العام. والمنظمة متهمة ببطء غير مقبول في الاستجابة لكارثة وطنية كبرى. في الوقت الحالي، يبدو أن اهتمام الرئيس الأساسي ينصب على البصريات السياسية (تسويق صورته من خلال الزيارات والتضامن… في أشكال دعائية). بعد يومين من الكارثة، أعلن أردوغان حالة الطوارئ لمدة شهرين في المناطق المتضررة. والتوقيت محرج. وبعبارة ملطفة، ستنتهي حالة الطوارئ قبل أسبوع واحد من الموعد المحدد لإجراء الانتخابات الوطنية في تركيا. ربما يكون، من قبيل الصدفة، أن حالة الطوارئ ستسمح للحكومة بالسيطرة على وسائل الإعلام، وعلى وجه التحديد، السيطرة على التقارير السلبية التي قد تلقي باللوم على إعادة البناء والتحديات الإنسانية اللاحقة على عاتق الحكومة. من المحتمل أن الحكومة تدرك أن هذا الزلزال قد يكون أكبر تحد سياسي تواجهه حتى الآن. وفي ظهور علني ناري، وبدلا من الاعتراف بمستوى الصدمة العامة التي تواجهها البلاد، حذر أردوغان من أنه سيستهدف الأفراد “لنشر الأكاذيب” حول الكارثة الوطنية. مع الكثير من الدمار ووجود الكثير على المحك سياسيًا، يمكن أن يحاول أردوغان الضغط على المكابح في إجراء الانتخابات المقررة في 14 أيار (مايو). وحتى لو بقيت على حالها بلا تغيير، سيهتم المواطنون في المقام الأول بإعادة البناء وتأمين سبل عيشهم. وبالتالي قد تحاول الحكومة استغلال هذا الوضع وإحباط ما كان من المقرر أن تكون انتخابات متقاربة من خلال الاستشهاد بعدم قدرة المواطنين على المشاركة في عملية التصويت. مثل هذه الإستراتيجية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية إلى حد ما. فقد حظي الزلزال باهتمام دولي. وإذا فشلت الحكومة في تلبية احتياجات الشعب ثم حاولت إلغاء الانتخابات، فقد يكون هذا أكثر من أن يتحمله الشعب التركي. وسيكون إحباطهم واضحًا للمجتمع الدولي الذي يعمل لوقت إضافي لجمع الأموال لشعب تركيا المحاصر. إن ما قد لا يفهمه المهنئون تمامًا هو أن حزب العدالة والتنمية في السلطة منذ عشرين عامًا. وعلى الرغم من أن النخبة السياسية قد لا تكون مسؤولة عن كارثة طبيعية، إلا أن التوابع ستكون سياسية بقدر ما هي زلزالية. اقرأ أيضا في ترجمات:اضافة اعلان