غيرة الجوارح

د محمد غاني، كاتب مغربي.

أليس يغبط  بعضنا بعضا عند حظوة اللقاء بشخصيات كبرى بقصد قضاء الأغراض أو تحسين العلاقات، والغبطة مشروعة في باب التنافس في الخيرات وتعني في قواميس اللغة العربية أَن يتمنى المرءُ مِثْلَ ما للمغبوط من النعمة من غير أَن يتمنَّى زوالَها عنه، وهي مرتبة من مراتب الغيرة التي تختلف درجاتها حسب مقياس المحبة و الكره للشيء. حيث إن الغيرة و المحبة، وجهان لعملة واحدة.اضافة اعلان
فان سلمنا بهاته المسلمة التي لا يختلف فيها اثنان لما عرفناه من قواعد الفطرة الانسانية في تحقيق الطموحات المشروعة، فلم لم نفكر يوما في شعور الجوارح عند ملاقاتها لمولاها عند فعل الصالحات؟ أليس مقصدها أن تزين وجهها أمام ملك الملوك؟ اليس من المنطق أنها تغار من بعضها البعض وتتنافس بل وتتسابق أيها سيكون أولا و أيها سيتبع و أيها سيتأخر؟
أليس قد يغبط البصر حاسة السمع بتلذذها بسماع لذيذ الخطاب الالهي بتدبر وتفكر؟ أولا نستحضر حالة اليد في غبطتها لحاسة البصر ان هي وجدتها تتأمل مخلوقات الله كباب لفهم صفات الحق على هاته الأرض؟ فالمخلوقات ظل الله في الأرض ومرآته، فالتفكر ينبغي أن يجعل موضوعا له آلاء الله عوض ذات الله،  ناهيك عن شعور الرِجل وان قامت بنقل الجسد الى حيث يريد من فعل الصالحات من كِبر شعور القلب عند الخشوع والرهبة من الخالق الجبار.
لا شك ان تفكر العقل في مثل هاته القضايا ينمو بتركيز المجهر على القضايا الصغيرة التي تزيد بالقلب والجسد نحو مولاه ممتطيا مركبة الشريعة متوجها سائرا على طريق المحجة السيار ليله كنهار، مستضيئا بشمس النبوة و قمر التفكر.
أليست الجوارح هاته نوافذ الروح لاستنشاق أنفاس المقدس؟ أليس بذكر الله تطمئن القلوب؟ أوليس تطمئن لما وجدته من أوكسيجين المحبة تحيا به كلما ضاقت بين جنبات قفص المكلف الصدري؟
أليس يُيَمم المكلف وجهه عند كل صلاة لوجهة القبلة لا لشيء الا ليغترف من معين زمزم اللقاء ليرتشف أو يغرف من حوض النبي خمس مرات ويزيد ان شاء حسب عطشه الروحي؟
أوليس يضخ القلب الدماء للجوارح الا ايماء واشارة لضخه دماء المحبة بنزينا في طريق المحبين لمولاهم وشرطيا مراقبا للخواطر والأفكار التي قد تعكر عمل الجوارح في طريقها السيار من أجل الوصول بالروح في معراجها داخل الجسد الى أن تصل الى سدرة منتهاه فيرى ببصيرته مولاه في تجليات خلقه وان لم يكن يراه ببصره فيبتدأ آنئذ فقط عبادته.
فَيَغْبِطُ طَرفي مِسمَعي عندَ ذِكرها** وتَحْسِدُ، ما أفنَتْهُ مِنّي، بقيّتي. (ابن الفارض).