في الخصام.. كيف تكون صديقا وفيا وأمينا؟

2256
2256
ربى الرياحي عمان- تمر علاقات الصداقة في "مطبات" ومتاعب وربما خلافات تأتي من هنا وهناك، ومواقف تمتحن الانسان في أشد المواقف وأصعبها. هنالك من يبقى وفيا ومخلصا لصداقته، وإن غابت الوجوه يبقى كتوما حتى في سنين الغياب، بالوقت الذي يظهر المعدن الحقيقي لآخرين لا يحفظون السر ولا سنين الود. مشاعر الصداقة، وهي من أنبل العلاقات الإنسانية على الإطلاق؛ قد تختبر فترة صعبة نتيجة خطأ قد يصدر من أحد الأطراف، ليناقض حالة التوافق الروحي وتقاسم الألم قبل الفرح والاهتمام بأحوال الصديق في كل وقت، فتنقلب الأمور رأسا على عقب. ولأن للصداقة دستورا أخلاقيا بحكم العشرة والمحبة الخالصة والأمانة والوفاء، فمن حق الصديق على صديقه أن يأمن جانبه دائما وأن يكون سندا له حافظا لأسراره حتى وإن اختلفا، لا يفجر إذا اختصم ويستغل الموقف لصالحه. بعد تسع سنوات لم يجد الثلاثيني عادل ما يشفع له عند صديقه، كل المشاعر تبخرت وكأنها سراب، إذ إن خلافا نتج عن سوء فهم كان كفيلا بأن ينهي عمر من الذكريات والأسرار والأحلام المشتركة. عادل ظل وفيا للعهد لم يخن الخبز والملح بعكس صديقه الذي تحلل من كل شيء وتبرأ من سنوات طويلة جمعت بينهما ذاقا فيها الحلو والمر معا. هذا الصديق وبكل بساطة نسي تماما شخصا كان له أقرب من أخيه في يوم من الأيام هو لم يكتف بالمقاطعة بل تفنن بالتشهير به ولم يتردد في تشويه سمعته وشتمه أمام الناس المقربين منهما وحتى أولئك الذين لا يعرفونه. ورغم محاولات عادل لإصلاح العلاقة إلا أن صديقه رفض أن يلين أو يسامح فقد بقي متمسكا بقراره بإخراجه نهائيا من حياته وللأبد ملزما نفسه بأن يكون له العدو بعد أن كان الصديق المحب. وتقف العشرينية "هلا" أمام قسوة صديقتها ونكرانها للعلاقة التي ربطتهما لأكثر من 15 عاما. تقول هي كانت جزءا من ماضيها وحاضرها، شاركتها الكثير من التفاصيل لم يفترقا يوما، فقد كانت ملجأها عندما تضيق الحياة بها والكتف الثابت الذي ترمي عليه ثقل همومها. ما يؤلم هلا اليوم هو أن رفيقة الروح وشريكة طفولتها تغيرت وباتت غريبة عنها لدرجة أنها لم تعد تعرفها، فالسنوات ليست مقياسا للوفاء وصدق المشاعر. أبشع شعور يمر به الإنسان، كما تقول، هو غربة القلوب بعد الود والقرب والالتصاق، "أن تغدو الروح التي ألفناها وأحببناها روح أخرى لا نعرفها". هي صدمت بها جدا وخاصة أنها عرفت كيف تستغل ذلك البوح ضدها وتفشي بأسرارها لأشخاص تعلم ضمنيا كراهيتهم لها، فلم تكن السند والأمان والمأوى لها، إنما "السكين" التي تغرز في القلب دون رحمة. ويؤيدها في ذلك كريم عوني الذي يرى أن الصداقة "كنز ثمين تمنحه الحياة لنا لتقوينا وتحيطنا بسور متين من الحب والثقة والأمان". الصديق حسب قوله "هو نصفنا الثاني وملاذ أوجاعنا نهرب إليه لنحتمي به من همومنا ومتاعبنا". ويجد أن الأصدقاء "وطن ثانٍ نلتجئ إليه في كل الأوقات والأحوال، ورغم خلافه مع أحد أصدقائه ومقاطعته له إلا أنه لم يستطع أن ينساه أو ينكره كما فعل هو بل ظل يشعر أن هناك خيطا خفيا ما يزال يربطه به ويجبره لأن يطمئن عليه من بعيد". بطبيعته لا يتقن الخذلان أو الغدر، أصر على أن يكون وفيا لكل الأيام التي جمعتهما، ولأنه يؤمن بأن الصداقة الحقيقية تبقى للأبد لا تحنيها العواصف وتقلبات الزمن، لكن المهم معرفة كيف نكون أوفياء لأصدقائنا أمناء على أسرارهم لا نستغل نقاط ضعفهم لنحرجهم، ونسيء لهم سواء كان ذلك أمام الآخرين أو حتى أمام أنفسنا. الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة؛ يبين أن الخصام قد يحدث لأي سبب كان، وفئة من الأصدقاء اليوم قد تغدو أعداء في الغد، لكن رغم كل ذلك تبقى الصداقة علاقة سامية ووفاق روحي ونفسي من الضروري حمايتها والحفاظ عليها من أي أذى حتى لو كان هناك خلاف، فهذا لا يعطي الصديق الحق مطلقا لأن يخون الثقة التي منحت له. ويلفت مطارنة إلى أن الخلافات بين الأصدقاء لا تلغي سنوات العشرة والمحبة والاحترام، فحتى في لحظات الخصام، يجب أن يكون الصديق راقيا أمينا لا يفجر ولا يتمادى في أذاه تجاه من كان سندا وعكازا له في يوم من الأيام وقلبا شاطره الحزن كما الفرح. وينوه إلى أن الجميع يخطئ ولا أحد كامل، لذا لا بد من تقدير الأمور بالشكل الصحيح والمسارعة لتوضيح سوء الفهم والتعامل مع المواقف بحكمة دون تجني أو ظلم أو تشهير بسمعة الصديق والإساءة له، فالكل قد يكون له محطة في حياته تحرجه، ولا يجوز لأحد التطرق لها أو كشف نقاط الضعف أمام الآخرين فقط لمجرد خلاف أو مشكلة ما. ويشدد مطارنة على ضرورة اختيار الأشخاص المناسبين والحرص على أن تكون الخصوصيات والأسرار بمأمن عن الجميع والارتقاء بهذه العلاقة لمستوى يليق بها، وضمن دائرة الأمانة والثقة والعطاء والتضحية. ويقول الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة إن الخصام يتعلق بالشخصية المتزنة، فحتى يكون الشخص صديقا أمينا لا بد من أن يمتلك اتزانا نفسيا وعاطفيا واجتماعيا، يحترم غيره ويكون إيجابيا في نظرته للمواقف. هذا الشخص ومن وجهة نظر نوايسة، يبتعد تماما عن التصيد للصديق والبحث عن عثرات له، بل أكثر من ذلك يحاول دائما إيجاد الأعذار له وفتح طريق جديد له كلما أخطأ، لأنه يرى أن الصداقة لا تنهيها الخلافات العابرة هي أسمى من ذلك وأرقى ومن المفترض أن تكون علاقة أبدية إذا توافرت فيها كل الشروط اللازمة. دراسة دولية تحمل عنوان "أهمية الصداقة حول العالم: روابط للعوامل الثقافية والصحة والرفاهية"؛ ونشرت في الدورية العلمية "فرونتيرز إن سايكولوجي"؛ وجد باحثون أن إعطاء الأولوية للصداقات في الحياة، مرتبط بتحسن الصحة الجسدية، وزيادة السعادة. وتضيف الدراسة: "وأحد مصادر الدعم المهمة هم أصدقاؤنا.. حيث يمنحنا الأصدقاء إحساساً قوياً بالرفقة، ويخففون من مشاعر الوحدة، ويساهمون في احترام الذات والرضا عن الحياة، كما يرتبط إدراكنا للدعم الذي يقدمه أصدقاؤنا، بزيادة إحساسنا بالهدف ومعنى الحياة وزيادة الشعور بالتحكم والسيطرة على مجرياتها. كما ترتبط الصداقة أحيانًا بالصحة بدرجة مكافئة، وفي بعض الحالات، بدرجة أكبر مقارنة بالعلاقات الزوجية والعلاقات بين الوالدين والأطفال". وتضيف الدراسة أن الأصدقاء قد يساعدون أصدقاءهم على ترسيخ سلوكيات صحية في حياتهم، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن الأصدقاء يمكنهم أيضاً نشر الاكتئاب والإحباط والسلوكيات الصحية السلبية. باختصار، يلعب الأصدقاء دوراً مهماً في صحتنا العقلية والجسدية، حسب طبيعة الأشخاص الذين قررت مصادقتهم. اقرأ المزيد: تجاوز الخصام مع شريكك بالمحبة خطوات فعالة لتقوية العلاقة بين الشريكين بعد الخصاماضافة اعلان