الاستطلاع وثقة الجنوب

يبدو أن مؤشر ثقة إقليم الجنوب في الحكومة والفريق الوزاري والرئيس في استطلاع المائة يوم على تشكيل الحكومة والذي نفذه مركز الدراسات الإستراتيجية ونشر نتائجه هذا الأسبوع قد لفت الانتباه ويحتاج إلى تفسير موضوعي متأن، وأن يوضع في السياق العلمي والتاريخي بعيدا عن الاجتهادات الآنية.

اضافة اعلان

سجل المستجيبون من إقليم الجنوب في الاستطلاع أدنى تقدير للثقة بالحكومة، وهو أدنى من المعدل الوطني بفرق واضح بنحو عشر نقاط، وكما هو الحال في طريقة تعامل المجتمعات الجديدة مع قياس الرأي العام، فإن المشكلة تبدو عادة في قراءة الاستطلاع وتفسيره أكثر مما يأتي به من مؤشرات.

فإذا كانت استطلاعات الرأي المحترفة هي جهد علمي يقوم على المنهجية العلمية الصارمة والتي تحتاج إلى مؤسسات لديها تاريخ من الصدق والموثوقية، فان قراءة الاستطلاع تحتاج أيضا إلى سياق علمي أيضاً، وهذا ما يعني الحاجة إلى منظور أكثر عمقاً في تناول تحولات علاقة المجتمعات المحلية بالحكومات كما تعكسها حالة الجنوب.

ليس هذا هو الاستطلاع الوحيد الذي يشير إلى أزمة ثقة متنامية بين الحكومات والمجتمعات والنخب المحلية في محافظات الجنوب، بل إن الاستطلاعات السابقة لمركز الدراسات الإستراتيجية ومسوحات أخرى أشارت بقوة على مدى عقدين إلى مؤشرات عديدة تتحدث عن التقييم السلبي لأداء الحكومات كما عبرت عن ذلك الأحداث وآخرها الأزمة الاحتجاجية للمعلمين التي قادها معلمو محافظات الجنوب.

المسألة بوضوح تكمن في نمو الوعي والإدراك المجتمعي لحجم الفجوة التنموية التي تعيشها المجتمعات المحلية في هذه المحافظات وتدني مستوى نوعية الحياة وتراجع دور الدولة بالتزامن مع ضغوط الظروف الاقتصادية التي واجهتها الحكومات على مدى السنوات الماضية، الفجوة مستمرة وليست جديدة والتحولات ترصد في الانتقال من المطالب إلى الاحتجاجات المحلية وصولاً إلى التعبيرات السياسية.

الوعي المجتمعي والإدراك المتنامي يقابله دوران مهلك في العمل الاقتصادي والاجتماعي في حلقة مفرغة لم تصل إلى نتائج حقيقية ملموسة تنعكس في حياة الناس، وفي هذا الإطار يمكن تفسير تصلب معلمي الجنوب في الأزمة الاحتجاجية الأخيرة قبل تفسير معدل تقييم الحكومة.

لسان الحال يقول إن المطلوب هو تحمل نتائج الأزمات الاقتصادية ودفع ثمنها، بينما تحرم هذه المجتمعات بشكل أو بآخر من النجاحات الاقتصادية، حسب الأرقام الرسمية (80 %) من الشركات المسجلة في المملكة توجد في العاصمة و(20 %) توجد في بقية المحافظات منها (2 %) في محافظات الجنوب، و(91 %) من رؤوس الأموال المسجلة في الشركات بكافة الأنشطة الاقتصادية توجد في العاصمة و(9 %) فقط من رؤوس الأموال توجد في بقية المحافظات منها (1 % ) فقط في محافظات الجنوب، بينما تركز(67 %) من المشاريع التي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار خلال (1996-2009) في العاصمة فيما استفادت بقية المحافظات (33 %) فقط.

ولا نريد تكرار الأرقام التقليدية حول البطالة والفقر، التي سجلت في محافظات معان والكرك والطفيلة المعدلات الأعلى في المملكة، وهكذا يمكن مراجعة عشرات المؤشرات التي تدل على استمرار الدوران في حلقة مفرغة في إعادة إنتاج الفجوة التنموية التي لا تستقيم مع معادلة الموارد المحلية ونوعية الحياة.

كما يرتبط التقييم السلبي للأداء الرسمي في هذه المحافظات بسوء إدارة المبادرات والمشاريع التي تنفذ، والعديد منها يسير في طريقه إلى الفشل، في ضوء غياب الكفاءة والاعتماد على الاسترضاء، والأخذ بالخواطر واصطناع الخصوصيات، من الناحية السياسية يرتبط هذا التقييم بتزايد شعور المجتمعات بأن النخب الرسمية في الحكومات ومؤسسات الدولة الأخرى التي تنتسب إلى هذه المجتمعات أصبحت غريبة عليها ولا تمثلها التمثيل الحقيقي.

استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجية يضيف مؤشرا جديدا لسلسلة من المؤشرات السابقة، ولكنه يؤكد تحولا كيفيا نحو التعبير السياسي المباشر في إدراك الفجوة التنموية.

[email protected]