الصراع العقائدي ومستقبل المنطقة

يعتقد البعض أن من الصعب حدوث تحول في علاقات المنطقة وانخفاض معدلات الصراع والتوتر ما لم تجد ايران والسعودية طريقة لإدارة الاختلافات وإدارة المخاطر التي تسببت في هذه الأوضاع. قبل حلول عام 2011 كنا نظن أن لا سلام في المنطقة إلا بحل الصراع العربي الاسرائيلي وإيجاد تسوية عادلة تعيد للشعب الفلسطيني حقه في الأرض والأمن والعيش بسلام؛ لكنّ هذا الاعتقاد تراجع بعد هبوب رياح التغيير العربي وظهور عشرات الفرق والجماعات الجديدة بعد اختفاء النظم السياسية التي أسقطتها الشعوب أو عملت على إسقاطها.اضافة اعلان
لم يدر في خلد الشاب التونسي البوعزيزي الذي ثار لكرامته وحقه في الحياة الكريمة أن الشعب جاهز للتعاطف مع صرخته وأن الاحزاب الاسلامية تنتظر على أول منعطف لتعمل على تسيير الثورة وتوجيهها نحو مسارات غير التي حلم بها الشباب، كما تفاجأ الشباب المصري الذي خيم في ساحة التحرير وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي ليحشد مليونية تلو المليونية بأن هناك تنظيما دينيا ينتظر نضوج الفعل ليتولى تسييره .
التجربتان التونسية والمصرية تكررتا في ليبيا حيث تفسخت المقاومة الليبية الممولة ماليا وفكريا وعسكريا من بعض النظم العربية إلى عشرات الفصائل التي استكملت مشوارها في القتال حتى بعد أن سقط النظام. في سورية اليوم مئات الفصائل المقاومة التي لا تتفق على الكثير من القضايا لكنها تستمر في ممارسة متعة القتل والدمار.
الولايات المتحدة الأميركية التي تراجع حماسها للتغيير في سورية تدرك أن الصراع الشرق أوسطي صراع طائفي أكثر مما هو قتال من أجل الحرية والكرامة وحقوق الإنسان؛ فالكثير من النظم التي جرى العمل على إسقاطها وفّرت استقرارا وأمنا لشعوبها عجزت عن توفيره النظم البديلة أو الفصائل والجماعات التي لم تفلح إلا في فتح الباب لظهور جماعات أكثر تطرفا وعنفا ووحشية من أي نظام عرفته المنطقة.
الكثير من الصراعات الدائرة اليوم  في سورية واليمن وأماكن أخرى في الشرق الاوسط ستستمر ما لم يبحث قادة الدول المؤثرة في الإقليم عن معادلة جديدة لإدارة الخلاف ووقف تفشي التوحش.
من حق سكان الإقليم العيش بسلام وطمأنينة بعيدا عن تهديدات الموت والخوف من تفجر غير متوقع لنوايا البعض في المغامرة أو المباغتة من اأجل الغاء وجود الآخر. التنوع ظاهرة كونية يمكن قبولها والعيش معها وربما أن لا حكمة في إضاعة الوقت للتخلص منها إذا كان بالإمكان الحد من تأثيرها.
من الصعب أن يبقى العالم الإسلامي منشغلا في حسم خلافات نشأت قبل أكثر من اربعة عشر قرنا في حين يسير العالم بخطى متسارعة نحو المستقبل. المتتبع للحملات الانتخابية في الولايات المتحدة وألمانيا والعديد من دول العالم يلحظ تنامي رغبة المرشحين في إدراج رؤية المرشحين للتعامل مع الأخطار التي يمثلها عالمنا العربي والإسلامي لأوروبا والعالم. البعض يقترح منع العرب والمسلمين من دخول بلدانهم في حين يقترح آخرون وقف الهجرة من عالمنا إلى الغرب.
الإيرانيون اتخذوا خطوات مهمة في تسوية خلافاتهم مع الغرب، وقد وضعوا أهدافا جديدة للنهوض الاقتصادي وتوسيع دائرة المشاركة والحريات. والمنطقة التي تشهد انخفاضا ملحوظا لعائدات النفط تحتاج إلى برامج تحول اقتصادي تهيئها إلى مرحلة ما بعد النفط. الحروب المشتعلة في معظم زوايا الإقليم تستنزف مواردنا وأرواح أبنائنا وسمعتنا وتحد من قدرتنا على العمل والعطاء والمشاركة في صناعة المستقبل.
لقد كانت القضية الفلسطينية والصراع العربي الاإسرائيلي أولى أولوياتنا وينبغي أن تتجه بوصلتنا نحو  هذا الهدف الذي يعلو على كل الصراعات الطائفية التي جرى إذكاؤها لصرف اهتمامنا عن القضية الأهم والأكثر وضوحا وعدالة.