"حرب أوكرانيا" تفرض "الاعتماد على الذات" أردنيا

f88cff89-untitled-1
f88cff89-untitled-1

سماح بيبرس
عمان– عاد الحديث عن "الاعتماد على الذات" إلى الواجهة مجددا بعدما فرض نفسه إبان أزمة "كورونا" التي كانت بمثابة "بالون" اختبار لمعظم دول العالم في قدرتها على مواجهة الأزمات المفاجئة.

اضافة اعلان


اليوم، بعدما دخل العالم مرحلة ثانية جديدة فرضتها الحرب الدائرة شمال شرق العالم، بات معظم دول "العالم المتقدم صناعيا وعلميا" مشغولا بنفسه، ما يثير مخاوف من تراجع حجم المساعدات التي تعتمد عليها دول مثل الأردن لسد عجزها كل عام.


هذا التخوّف يبرره اقتصاديون من خلال إشارتهم الى أنّ أولويات دول العالم الغربي تغيّرت في ظل الحرب وتداعياتها، وباتت حكوماتها تركز على إيجاد بدائل لمصادر الطاقة في العالم وهي تحمل تكاليف عالية على موازنات هذه الدول، كما أن التضخم العالمي حتم توفير شبكات حماية اجتماعية لمواطني الدول الغنية إضافة إلى بروز الأولويات العسكرية والإنسانية في الحرب.


كل هذا– وفق الخبراء- سيؤدي بالضرورة الى تراجع هذه المساعدات لدولة كالأردن، ما يحتّم عليها اعتماد سياسات حصيفة لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتوفير حالة من "الاعتماد على الذات" وخصوصا فيما يتعلق بالصناعات الغذائية.


ورغم تصاعد التخوّف وازدياد الشعور بالتهديد خصوصا عندما يتعلّق الأمر بـ"سد العجز في الموازنة" والذي يكون في الغالب من خلال المساعدات، فإنّ هناك من يرى أنّ المساعدات الموجهة للأردن "مستقرّة" ولن تتأثّر في المدى القصير والمتوسط بما يدور في العالم وخصوصا أن الداعم الأوّل والأكبر لها هو الولايات المتحدة، والعلاقات معها مستقرّة وثابتة.


وفي هذا السياق يشار إلى أن ثلث المساعدات التي أتت إلى الأردن العام الماضي، باستثناء مساعدات خطة الاستجابة، كانت من دول أوروبية أصبحت اليوم مؤهلة للانخراط في الصراع مع روسيا بشكل مباشر وبمقدار بلغ 877 مليون دولار من أصل 2.7 مليار، بمعنى أن حجم المساعدات هذه مهدد بالتراجع نظرا لانشغال هذه الدول بالصرف على ميزانيتها بشكل أكبر كما يرى خبراء.


على أنّ أصحاب رأي "المساعدات الموجهة للأردن ستكون مستقرّة" لا يقللون من أهميّة اتباع سياسات حكوميّة من شأنها أن تدعم الاستغناء عن المساعدات سواء كانت منحاً أو قروضا، وتكرّس ما يسمى بـ"الاعتماد على الذات"، وهو ما أوضحه وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر المدادحة إذ أكد ضرورة دعم النمو الاقتصادي وتحريك عجلة الاقتصاد.


ووفقا للمدادحة، فإنّ المساعدات الخارجيّة على المدى القصير والمتوسط لن تتأثّر، فالـ "المساعدات المقدّمة للأردن "شبه مستقرّة" منذ سنوات، ومصدرها واضح وهو عادة من الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر المانح الأول للأردن ثم الاتحاد الأوروبي واليابان".


على أنّ المدادحة أشار الى أنّه وفي حال تراجعت هذه المساعدات فإنّ انعكاسها على الموازنة سيكون كبير جداً وليس من السهل على أي حكومة تمويل عجز الموازنة "الفجوة التمويليّة"، حيث أنّ البدائل ومن ضمنها اللجوء إلى الدَّين الداخلي سيكون مكلفا جداً.


الخبير الاقتصادي أحمد عوض اختلف مع ما أشار اليه المدادحة وأكد أنّ المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم تشير إلى أن الدول التي تعتمد على المساعدات الخارجية ومنها الأردن ستعاني جراء التغيرات التي طرأت على أولويات التمويل لدى الدول الكبرى والمؤسسات التي تقدم المساعدات.


وأوضح أنّ ما يجري في شرق أوروبا من نزاعات بين روسيا من جانب والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جانب آخر، دفع إلى تغييرات ملموسة في أولويات التمويل الداخلية والخارجية، فمن جانب، فإن مئات مليارات الدولارات التي كانت تخصص سنويا لإنفاق الدول الكبرى على التنمية والخدمات الاجتماعية والحمايات بمختلف أنواعها، سيتم توجيه جزء كبير منها إلى الإنفاق العسكري، وهذا ما تم إعلانه في أكثر من دولة أوروبية.


كما سيتراجع تمويل العديد من مسارات التنمية المستدامة المختلفة، وستتراجع بالتأكيد مستويات الإنفاق على الحمايات الاجتماعية التي اعتادت هذه الدول على تقديمها.


أما على مستوى قدرات هذه الدول على تقديم منح وقروض إلى الدول ذات الدخلين المنخفض والمتوسط، فإنها بالتأكيد ستتراجع، بسبب الأولويات المستجدة داخلها، وتحويل جانب من هذه المساعدات إلى الدول المتضررة من الحرب الروسية الأوكرانية.


ووفقا لعوض فإنّ العديد من مخصصات المنح لدى الدول المانحة بدأت فعليا بالتحول لرعاية اللاجئين الأوكرانيين في الدول المستقبلة لهم.


وأكد أنّ المنح والمساعدات لن تتوقف، إلّا أنّ حجمها بالتأكيد سيتراجع، ومستوى تراجعها يعتمد على أهمية الدولة المستقبلة لها، وعلى قدرة هذه الدول على الترويج لاحتياجاتها.


وبين انه على الدول التي تعتمد على المساعدات الخارجية من منح وقروض أن تعيد النظر في كيفية تمويل نفقاتها، وإعادة النظر، وهذه تتطلب خطة خروج فعلي من الاعتماد على الدعم الخارجي، إلى جانب تنشيط قدراتها على إقناع الدول المانحة بضرورة استمرار تلقيها المساعدات على المدى القصير.


ووفقا لعوض فإنّ على الحكومات أن تعيد النظر بسياسة "الاعتماد على الذات" التي تراجع العمل عليها خلال السنوات الأخيرة، وهذا يعود لعدة اسباب أولّها سوء ادارة الموارد الماليّة، وزيادة الضرائب وخصوصا غير المباشرة حيث أنّ هذا أضعف من الطلب المحلي.


وأكد ضرورة إعادة النظر في مستويات الأجور التي لا تتواءم مع المستويات المعيشيّة، كما لا بدّ من اعتماد أدوات من شأنها أن تخفض الأسعار، كما لا بدّ على الحكومات أن تكون قادرة على ترويج أولوياتها كاستراتيجيّة الحماية الاجتماعيّة التي أنجزتها الحكومة السابقة عام 2019.


الخبير الاقتصادي زيان زوانة أشار الى أنّ كل أشكال المساعدات والاستثمار العالمي مع الحرب على أوكرانيا وتبعاتها ستتأثّر حيث أنّ الدول التي تقدّم بالعادة مساعدات، ستوجهها لبنود جديدة طرأت لديها وأصبحت ذات أولويّة كالدعم الانساني ولا عسكري الموجه لأوكرانيا.


وأضاف أنّ هناك حجما من رؤوس الأموال تذهب للإنفاق العسكري، سيكون هذا على حساب الحصص المخصصة لباقي البنود، واضافة الى ما سبق فإنّ هناك مشكلة "التضخم" التي يعاني منها العالم، وباتت الكثير من الدول تقوم بعمل شبكات حماية اجتماعيّة مع ارتفاع الأسعار، وباتت مصلحة مواطنيها هي الأوليّة في الإنفاق، وهذا على حساب البنود التي كانت تذهب للمساعدات الخارجيّة.


اضافة الى ذلك فإنّ الأنماط الجديدة المتلعة باستهلاك الطاقة في هذه الدول باتت تتغيّر مع الحرب حيث أنّها بدأت تستعد للتجهيز لاستيراد النفط والغاز المسال من خلال شبكات نقل مختلفة تماما عن السابق، كما بات عليها تجهيز مصاف لتكرير النفط لأن القديمة كانت مصممة على أنواع تستوردها من روسيا واليوم هي أمام معضلة قد تتطلب منها اعادة هيكلة هذه المصافي أو حتى إعادة بناء مصاف جديدة للتعامل مع الأنواع الجديدة التي يتم استيرادها من مصادر جديدة في العالم.


ويرى زوانة أنّ هناك ضرورة للتحوّل نحو سياسات "الاعتماد على الذات" على أنّ يكون هذا التحول بشكل جدّي وسريع.
وأشار الى ضرورة أن يتم التوجه الى دعم الزراعة المعتمدة على التكنولوجيا، ودعم الصناعات الغذائيّة بدرجة أكبر لخلق سلاسل إنتاجية والوصول إلى الاكتفاء الذاتي ومن ثمّ التصدير.


يشار إلى أنّ إجمالي المساعدات الخارجية التي تم الالتزام بها للأردن العام الماضي بلغ حوالي 3.1 مليار دينار(4.4 مليار دولار منها 1.3 مليار دينار كانت على شكل منح فيما بلغ حجم القروض الميسرة حوالي 1.2 مليار دينار، كما بلغ الدعم المقدم لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية 527.4 مليون دينار، بحسب تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي.


وأكد التقرير أنّ حجم المساعدات المقدّم للأردن باستثناء المساعدات الموجهة لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السوريّة بلغ 2.747 مليار دينار (3.878 مليار دولار).


وأشارت الى أنّ 52 % من المنح المقدمة، و78 % من القروض خصص لدعم الموازنة.


وكان 33.7 % من المساعدات الكلية قد خصص لدعم قطاع الحماية والمساعدة الاجتماعية، فيما 17.2 % خصص لقطاع التعليم، كما خصص 15.9 % من المساعدات لدعم قطاع المياه، وخصص حوالي 9 % لقطاع الصحة، ووزعت المساعدات الأخرى على قطاعات مختلفة منها الطاقة والادارة العامة والنقل والعمل والتدريب المهني.


وخلال العام الماضي كانت الولايات المتحدة أول الداعمين للأردن حيث قدمت منحا بحجم 1.2 مليار دولار، ثم البنك الدولي حيث قدم 864 مليون دولار كقروض (840 مليونا كقروض، و24 مليونا كمنح)، يليها ألمانيا التي قدمت 531.6 مليون دولار (300 منح، 231 مليونا كقرض)، والاتحاد الأوروبي 218 مليون دولار (133 مليونا كقروض و84 مليونا كمنح).


وقدم بنك الاستثمار الأوروبي 83.6 مليون دولار (79.5 مليون كقروض، و 4 ملايين دولار كمنح)، وقدمت فرنسا قرضا بحوالي 22 مليون دولار، وقدمت الإمارات منحة بـ50 مليونا والكويت قرضا ب60 مليون دولار، والسعودية منحة ب50 مليونا وبريطانيا قدمت منحة بـ23 مليونا، وكندا منحة بـ11.3 مليون دولار.

إقرأ المزيد :