لا تسلموا رقبتنا لـ"الشيطان" الإسرائيلي

لا أتذكر أن حكومة عرضت على مجلس النواب اتفاقية لاستيراد بترول أو غاز ما لم يكن عرضها على مجلس الأمة ملزما دستورياً.
وخلال 24 عاما من مراقبتي للحكومات المتعاقبة والمجالس النيابية، لا أتذكر أن اتفاقية استيرادنا للبترول من العراق رغم تعاقب الحكومات وتغير الأسعار قد تطلبت موافقة البرلمان، ونفس الأمر في اتفاقية الغازمع جمهورية مصر إبان حكم حسني مبارك، وحتى حين كان البترول العراقي يصل تهريبا للأردن قبيل حرب إسقاط صدام حسين، وغض نظر أميركا عن ذلك، لم يطرح الأمر، ولم يأخذ موافقة البرلمان.اضافة اعلان
إذن لماذا أصرّت حكومة الرئيس عبدالله النسور على أن تطرح قضية اتفاقية الغاز مع إسرائيل، وهي تعرف أنها غير ملزمة بذلك، خاصة أن وزير المالية بعد يوم واحد من المناقشات الصاخبة تحت قبة البرلمان أعلن بندوة نشرتها الصحف أن الحكومة ستوقع الاتفاقية؟!
بلا شك في السياسة لا يوجد مبدأ حسن النية، والحكومة تريد توريط النواب في اتفاقية لا يمكن أن تحظى برضا شعبي على افتراض صحة الكلام بأن لها منافع، وهي تدرك أن البرلمان سيثير صخباً  وسيتهم وينتقد ولكنه لن يفعل أكثر من ذلك، وهي وجدت الفرصة من خلال الحديث عن اتفاقية الغاز لتمرير قصة رفع أسعار الكهرباء، وحاولت "ابتزاز" الناس بالتهديد بالقطع المبرمج للكهرباء لمدة تصل إلى 8 ساعات.
والغريب أن كل هذا الكلام يأتي في توقيت انهيار أسعار البترول إلى ما دون 60 دولاراً، وهو حدث جلل يخدم الأردن، ويقلل من فاتورة المحروقات والمديونية المتزايدة بسبب كلف الطاقة.
إذن الهدف الحكومي الإيحاء للشارع بأن البرلمان شريك له في القرار، والنواب أعجز من صد الحكومة وإجبارها على التراجع، لأن أيديهم مشلولة ولا يقدرون على حجب الثقة عن الحكومة إن خالفت توصياتهم.
لست اقتصاديا أو متخصصا في قطاع الطاقة، ولكني مندهش بأن الحكومة تضعنا بين خيارين لا ثالث لهما، وكلاهما مر، فإما أن تقبلوا الغاز من إسرائيل أو سنرفع أسعار الكهرباء وسيبدأ القطع المبرمج، وربما يكون هذا التشاور منطقياً حين يكون المجتمع شريكاً في صناعة خياراته واستراتيجياته، أما حين يكون مغلوبا على أمره فهذا خداع سياسي.
اتفاقية الغاز تأتي في أسوأ الظروف ليس سياسياً فقط، حيث تقدمها حكومتنا عربون صداقة بعد أحداث المسجد الأقصى، واستباحة القدس، والعدوان الظالم على غزة، واغتيال القاضي رائد زعيتر دون محاسبة، وكذلك أيضاً في ظل تراجع أسعار النفط، وتزايد الحديث عن استخراج البترول من الصخر الزيتي، وتمسكنا بالمفاعل النووي لغايات إنتاج طاقة رخيصة، وتوفر منح مشروطة لمشاريع الطاقة المتجددة.
إذن لماذا الإصرار على اتفاقية الغاز الآن، هل هي المخرج الوحيد لأزمتنا، أليس من الممكن إيجاد حل، بعد علاقتنا الاستراتيجية مع نظام الحكم في مصر والزيارات المتبادلة بين الملك والسيسي، للغاز الذي كان يتدفق إلى الأردن وتوقف لأسباب أمنية وقد تكون سياسية؟!
ونتساءل أليس أقل كلفة سياسية أن نطرق مثلا باب الدولة الشقيقة قطر لمساعدتنا على حل مشكلة الغاز، خاصة أن المصالحة الخليجية قد تمت، ولن تغضب علينا السعودية أو الإمارات إن طلبنا من الدوحة مساعدتنا، وللتذكير كان هنالك حديث عن مشروع ميناء غاز قطري في العقبة، ولم نعد نسمع ماذا حدث بعد ذلك؟
هل انعدمت خياراتنا حقاً فلجأنا "للشيطان الإسرائيلي" حتى ينقذنا، ونحن، حكومة وشعبا، نحذّر من مشاريع التوطين وخطرها على الأردن وفلسطين، هل يمكن ببساطة أن نسلمه "رقبتنا"، ومن سيضمنها؛ أميركا وإدارة أوباما التي لا تمون على أحد في العالم حاليا؟
وبما أن حكومتنا حشرت البرلمان والناس بالزاوية، بالقول إما الغاز الإسرائيلي أو رفع الأسعار وقطع الكهرباء، فإني أقترح ومن باب تنويع خيارات الطاقة، وليس فقط تنويع الخيارات الدبلوماسية أن نطلب الغاز من إيران إذا رفضتم الغاز القطري.
تحركوا قبل فوات الأوان ولا تسلّموا رقبتنا للشيطان الإسرائيلي، فإن هذا الطرح قد يدفع البعض لـ"يشطح" ويطالب بأخذ النفط المسروق الذي تبيعه "داعش" بتراب "المصاري" ولا أن نقع تحت رحمة الإسرائيليين!