محاربة الفساد ...هل ستحل مشاكلنا؟

المتابع للملفات المحلية يجد أن القضية الأولى التي تتناولها وسائل الإعلام، وتشغل مجلس النواب وحتى الرأي العام هي قضية محاربة الفساد والفاسدين، وحتى الآن هناك حديث لا ينتهي عن الفساد، وهناك تهم لأشخاص ومسؤولين على الأغلب شغلوا مناصب رسمية في أوقات سابقة. اضافة اعلان
وهناك بعدان مهمان لهذه القضية، الأول يتعلق بجدية متنامية لمحاربة الفساد، ولكن لا تتضح الحدود الى أين يمكن أن يمتد هذا ضمن الإطار الزمني، ولا أيضا ما يخص الأشخاص الذين قد يساقون إلى المحاكم وهيئة مكافحة الفساد.
البعد الثاني يتعلق بأن كثيرين ممن كانوا يمتهنون ويستسهلون الفساد على مستويات مختلفة باتوا أكثر إدراكا  أن المسألة لم تعد بالسهولة المتخيلة، وهذه نتيجة إيجابية على الدولة ومؤسساتها البناء عليها ومأسسة كيفية محاربة الفساد وكيف يمكن مراجعة المنظومة التشريعية بحيث يتم أيضا القضاء على ما يعرف بـ "الفساد المقنن"، أي الذي يحظى بإطار تشريعي يوفر له غطاء تمت صياغته في مراحل سابقة.
وإذا افترضنا أن محاربة الفساد واستعادة الثقة بالمؤسسات العامة تضعنا على الطريق الصحيح، فماذا عن بقية المشاكل الاقتصادية التي تواجه اقتصادنا، مثل العجز في الموازنة العامة والتوسع غير المبرر في الكثير من بنود الإنفاق العام، ماذا عن تدني مستوى التنافسية وتراجع الإنتاجية في الكثير من القطاعات، ماذا عن سياسة سوق العمل غير الواضحة والأعداد الكبيرة من المتعطلين عن العمل؟، كيف ندير ملف الفقر والفقراء والفجوات التنموية بين مختلف المحافظات؟، ما هي القرارات الواجب اتخاذها في مسألة الدعم العشوائي وعبئه الكبير على النفقات العامة؟ وماذا أيضا عن دور المؤسسات القادرة على إنفاذ القانون وتعزيز دورها، والحد من قدرة الأفراد على الاجتهاد الشخصي في تفسير وتبرير القوانين؟.
ويجب التنبيه في هذا الإطار الى ان هناك مستويات من الفساد، الأول ما يشغل وسائل الإعلام على المستوى الكبير، وذلك الجزء الخفي، والذي نعرف عنه ولكن على مستوى صغار الموظفين والذين يرتبون كلفا إضافية على الاقتصاد إما بسبب عرقلة تنفيذ الأعمال، أو بسبب غياب الحوافز والروادع للقيام بمهامهم الأساسية.
كلها مسائل تحتاج الى قرارات وسياسات واضحة وبرامج زمنية، فالرهان على أن محاربة الفساد لوحدها كافية لحل مشاكلنا وتحدياتنا الاقتصادية كافة، يعد وهما شعبيا، وهذا لا يعني التراجع عن هذا الملف المهم والذي يؤسس لمرحلة جديدة، لكن المطلوب التركيز على القضايا المختلفة بالأهمية نفسها وصياغة برامج تحدد أولويات للتعامل مع التحدي الاقتصادي الذي يشغل الناس، وحتى الآن لا نجد حلولا للتعامل مع المطالب المتنامية والتي تأخذ أشكالا مختلفة من الاحتجاجات الجماعية التي لن تتوقف في ظل غياب وضعف الأطر الرسمية لتمرير المطالب الشعبية الى صناع القرار، فالشارع هو العنوان والطريقة الأقصر لتحقيق المطالب، وسيبقى الأمر كذلك الى حين.