معيار الثقة بالنفس.. حينما يخضع لآراء الآخرين وتعليقاتهم

Untitled-1
Untitled-1

ربى الرياحي

عمان - الثقة بالنفس مفتاح أساسي للاستقرار والنجاح وإقامة علاقات متينة، كما أنها أحد المحفزات الإيجابية التي تزيد من التمسك بالأحلام والإيمان بالذات.اضافة اعلان
وكون الثقة بالنفس شعورا غير ثابت يصعد ويهبط بناء على المؤثرات المحيطة، فإنه من المهم أن يبقى تحت السيطرة حتى لا يشك المرء بقدراته، أو يجعل الحكم عليه خاضعا لآراء وأهواء من حوله وكأنهم يمتلكون كامل الحق في تقييم ما يصنعه.
وهنا يأتي التنبه لحقيقة أن تقدير الذات يزداد عندما يقرر الشخص عدم الاكتراث بما يظنه الآخرون عنه، ويدفعه ذلك إلى التوقف عن المبالغة غير المجدية والتي تعطي لكلام الناس أهمية كبيرة.
عادة، وحينما يتلقى الفرد إثراء من شخص ما فإنه يشعر بسعادة غامرة وتزداد ثقته بنفسه، ولكن حينما يتلقى تعليقا قاسيا يقلل منه يشعره ذلك بالألم، وبالتالي تتضاءل ثقته بنفسه.
والسؤال هنا: هل الثقة بالنفس تحددها آراء الآخرين بنا، أم إيماننا بذاتنا وبإنجازاتنا بعض النظر إن نالت إعجاب الآخرين أم لا؟!
لا ينكر مازن محمود أنه يتأثر بآراء الآخرين عنه ويعنيه جدا أن يرى نجاحاته بعيون من حوله، رهانه على التميز في عمله والتزامه وجديته، كلها أمور تجعله محط انتقاد زملائه الذين ربما يشعرون تجاهه بالغيرة ويحاولون دائما إحباطه.
هو، وبالرغم من إيمانه بنفسه وبطريقته في الحياة، إلا أنه كان يسمع منهم باستمرار انتقادات أنه لم يتمكن من صنع أي تغيير وأنه “واهم” بنفسه، فبدأ ينزعج من أحكامهم القاسية عليه وأخذ قرار بالابتعاد تدريجيا عن تلك المبادئ التي جعلته غريبا عن زملائه، وحيدا ليس هناك قواسم مشتركة تجمعه بهم.
مازن شعر بالضعف أمام تعليقاتهم واعتبر نفسه المخطئ وأن عليه أن يجاريهم ويكون مثلهم لا يكترث بشيء. تراجعه عن ثقته بنجاحاته لم يكن إلا ردة فعل على كلام يحمل الكثير من الاتهامات والتسخيف.
ولأن معتز غالب يعتمد في نجاحه وتفوقه الدراسي على تحفيز من حوله وكلماتهم الإيجابية، دفعه ذلك ليتقدم ويكون الأول دائما.
لكن خوفه من أن يخفق أو أن يتراجع مستواه قليلا، حمله أعباء إضافية تشعره في كثير من الأحيان بالإرهاق، وذلك بسبب الساعات الطويلة التي يقضيها في الدراسة هو ولكي يحصد الثناء باستمرار من المحيطين به تجاهل أن هناك تفاصيل أخرى يجب أن يعيشها بعيدا عن أجواء المنافسة المتعبة التي باتت تحرمه من الاستمتاع بطفولته.
إحساسه بأنه مطالب أن يكون مختلفا لا يشبه أحدا فرض عليه نمط حياة قاسيا بعض الشيء يفتقد للعفوية وتقبل الخطأ.
معتز اختار أن يستمد ثقته كلها من أهله وأصدقائه ومعلميه، واعتقد أن نجاحه مرهون بآرائهم فقط فكانت النتيجة هي تحوله إلى شخص مسير بأحكام الآخرين يخشى الخطأ دائماً ليهرب من حكم الآخرين عليه.
في حين أن اقتناع الثلاثينية نهى راشد بديكور منزلها ورضاها عن ألوانه الهادئة المريحة التي اختارتها بعناية تلاشى وتحول إلى أمر مزعج جدا بالنسبة لها، ثقتها بتلك اللمسات الأنيقة الخاصة تضاءلت أمام أول تعليق من إحدى صديقاتها.
تقول إن طبيعتها الهادئة والبسيطة والتي تميل في الغالب إلى المزج بين دفء الألوان وتناسقها وأناقة الأثاث لم تحمها من تلك التعليقات المسيئة لذوقها واختياراتها.
وتضيف “رغم ثقتنا الكبيرة بما نحب، إلا أننا نتأثر كثيرا بآراء من حولنا لدرجة أننا نقرر بدون تفكير التخلي عن أشياء هي في الحقيقة تمدنا بالسعادة والراحة”.
وتبين أن ملاحظات صديقتها المتكررة عن الديكور والتي تحمل اتهاما مبطنا لها بأنها شخصية كئيبة وروتينية وأنها تفتقد للفرح والتفاؤل، ضايقتها وجعلتها تكره الجلوس في بيتها بعد أن كانت تراه مملكتها والمكان الوحيد الذي تجد فيه سعادتها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وجدت أن الحل لتستعيد راحتها ثانية وتعاود الثقة باختياراتها أن تلجأ لتغيير كل الأثاث وإضفاء بعض الأفكار الجديدة حتى تنأى بنفسها عن أي تعليقات سلبية من شأنها أن تحبطها.
الأخصائية النفسية الدكتورة سلمى بيروتي، ترى أن لآراء الآخرين أهمية كبيرة في منحنا الثقة والرضا والحافز لتقديم الأفضل، وتشييد المزيد من النجاحات، وهذا لا يلغي أبدا حقيقة أن تكون الثقة نابعة من الداخل ذاتية مبنية منذ الصغر.
وتضيف أن الثقة بالذات وبما يقدمه الفرد من إنجاز وإبداع وقدرته على تقدير آرائه وخياراته تتحقق عندما يكون هناك توجيه سليم وإرشاد فعال يخلو من الانتقاد واللوم والتجريح، لافتة إلى أن الجميع يحتاج إلى الدعم والثناء، وخاصة من أشخاص يعنون لهم ويبادلونهم الحب والاحترام يهمهم جدا نجاحهم وتميزهم.
وتبين بيروتي أن وصول الإنسان إلى الثقة بآرائه وقراراته ونجاحاته يتطلب نضوجا فكريا ونفسيا، كما أن تقديره لنجاحاته الكثيرة حتما يوجد لديه أرضية صلبة يستطيع الوقوف عليها ويمكنه من الإيمان بقدراته حتى وإن لم يرها الآخرون ولم يشيدوا بها.
وهذا التوجه، وفق بيروتي، بحاجة إلى معرفة الذات والآخرين كما يحتم علينا جميعا اللجوء إلى التقييم وتحليل الأمور.
وتلفت بيروتي إلى أنه من المهم أن يكون الشخص واعيا متيقظا يفكر بكل ما يراه ويسمعه حتى لا يؤذي نفسه بانجرافه وراء أحكام البعض وتعليقاتهم التي تهدف أحيانا إلى إشعاره بالفشل والإحباط.
وتنوه إلى أن الأشخاص الذين يكتفون برؤية نجاحاتهم بأعين الآخرين هؤلاء تحديدا يخضعون للخوف والقلق أكثر من غيرهم، ذلك لأنهم يعتمدون فقط على الآخر في بناء ثقتهم، ويلازمهم شعور دائم بأنهم ليسوا قادرين على فعل الصواب وتحقيق النجاح لذا لا بد من إمدادهم بالتغذية الراجعة وكلمات التشجيع والثناء.