نسخة العرب الانتحارية من ازدواجية المعايير..!

علاء الدين أبو زينة نحن في عالَم تحكمه المصالِح، حيث القويّ هو الذي يمتلك سلطة تعريف الأشياء. وهوَ يعرِّف نفس الشيء، من دون أن يرف له جفن، بتعريفيَن متناقضَين لا يجمعهما شيء. ومن الأشياء الواضحة مثل الفضيحة في هذه الممارسة، قضيه السلاح النووي. القوى النووية تقول إن حقها امتلاك هذه الأسلحة. إنها ليست لـ»الدمار الشامل»، وإنما للدفاع عن أمنها ومصالحها، والحفاظ على السّلم العالمي، وتوازن الردع. وليس من حقّ أيِّ أحد آخر أن يدافع عن مصالحه، ويحافظ على السلم، ويستفيد من توازن الردع. إنها في يد الآخر «أسلحة دمار شامل» ممكن. والمعنى الضمني هو أن قوى الهيمنة تعطي لنفسها فقط الحق في تخويف الآخرين، وتهديدهم وجودياً، والهيمنة عليهم. والتوازن الذي تديمه الأسلحة النووية هو تقسيم العالم بين كفتي ميزان مائلتين بشدة: المهيمِنين والمستضعَفين. في صدر الأخبار الآن موضوع النووي الإيراني. وهو مثال واحد فقط على الازدواجية الفاضحة في المعايير. وتتجسد الازدواجية بمثالية في أن أعلى الأصوات شجباً لمحاولة إيران النووية هما قوتان نوويتان عدوانيتان: الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. وكلاهما يعتبر نفسه استثناء منزها عن كل عيب ومساءلة. في الأسبوع الماضي، قال رئيس وزراء العدو الصهيوني أن إيران ستدفع ثمنا باهظا إذا هي استمرت في سياساتها النووية «المتحدية»، وتوقع بثقة أن يصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذيرا واضحا لإيران بشأن برنامجها النووي. وشدد على أن «إسرائيل» ستواصل العمل ضد إيران لثنيها عن اجتياز العتبة النووية بكل السبل. وأضاف أن ما وصفها بأيام «حصانة» إيران قد انتهت. ولم يخب ظنه بالوكالة الدولية. يوم الخميس، اعتبر مديرها العام إزالة إيران كاميرات الوكالة من بعض مواقعها النووية «تحديا خطيرا» لجهود الوكالة. ولا بدّ أن يكون رئيس وزراء الكيان قد رأى في ذلك انتصاراً للحق: يجِب أن تُحذَر إيران وتعاقب على محاولتها، ولا يجب أن يسأله أحد عن ترسانة كيانه النووية الهائلة التي لا تفتيش عليها ولا مَا يحزنون، باعتبارها حقاً طبيعياً للمتفوقين المعصومين. في النهاية، ليست سياسات بلده النووية ولا غيرها عدوانية، ولا «متحدية» لأي شيء. و»حصانة» كيانه معطى طبيعيا لا غُبار عليه! المفارقة الأخرى أن العرب، ضحايا ازدواجية المعايير، يشاركون فيها بنشاط عجيب –في خيانة لمصالحهم وأمنهم. بعضهم يهددون بالسعي الجاد لامتلاك سلاح نووي إذا امتلكته إيران –رضي مَن رضي وغضب مَن غضب. والسؤال: لماذا لم يفعلوا ذلك بينما يمتلك الكيان الصهيوني ترسانته النووية التي يهدد بها الإقليم –خاصة العرب- منذ عقود؟ هل هذا مفروغ منه؟ لم يسمح الكيان الصهيوني للعرب سابقاً، ولن يسمح لهم أبداً، بامتلاك سلاح نووي واحد. وقد ضرب بلا تردد مرافق العراق النووية، ومرافق سورية، ويغلب أنه سيضرب في مهدها أي محاولة تبذلها في هذا الصعيد حتى العرب المتحالفون معه الآن بذريعة تهديد النووي الإيراني. ليس دفاعاً عن إيران، ولا عن أي طرف قد يريد أن يهيمن علينا ولا يُعاملنا من موقع النظير. لكن من حق إيران –والعرب بطبيعة الحال- امتلاك سلاح نووي لموازنة القوة الإقليمية النووية الوحيدة حتى الآن: الكيان الصهيوني. ولا يوافق منطق الأمن والمصالح، إذا كانت هي المعيار، على إدارة الوجه عن ترسانة الكيان النووية والصراخ بشأن محاولة إيران النووية. والحقيقة أن المشتركات مع إيران، الجارة القديمة، المسلمة، الموجودة تاريخياً هنا، لا تُقارن مع اللامشتركات المطلقة مع الكيان الصهيوني الطارئ، والمعادي بنيوياً للعروبة والإسلام والإنسانية. هكذا نمارس نحن، أكبر ضحايا الازدواجيات، شكلاً انتحارياً من الازدواجية على أساس تفضيل أحد مُهيمِنَين إقليميَّين طامحين بدلاً من تحرير أنفسنا –بامتلاك قنابلنا الخاصة أو بطلب تجريدهما كليهما مما يهدداننا به. أقول «امتلاك قنابلنا» مع أنه خيار لم نتأمله ولن يُسمح لا بتأمله. وكان غزو العراق وتدميره بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل مزيفة، تحذيراً لأي عربية تحاول النووي وتواجه نفس المصير. كان ينبغي أن يصرّ العرب على إقليم خال من الأسلحة النووية، بدءً، وقبل كل شيء، بتفكيك ترسانة الكيان الصهيوني، والمطالبة بالتفتيش عليه ومعاقبته– أو حق الجميع في امتلاك السلاح، حيث لا تكون لإيران أو غيرها أفضلية في القوة. أما التحالف مع عدو تاريخي، بذريعة تهديد منافس إقليمي آخر على الهيمنة، فانخراط في خطيئة الازدواجية لا تبرره مصلحة ولا منطق. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان