حيث الوفرة في المغالطات..!

علاء الدين أبو زينة إذا أراد أحد أن يعثر على أكبر عدد من المغالطات المنطقية في مكان واحد، فما عليه سوى زيارة الحجج والعبارات التي تحيط بالقضية الفلسطينية. مثلاً: “إسرائيل دولة احتلال وفصل عنصري. الاحتلال والفصل العنصري نقائض للديمقراطية. إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. أو “أميركا راعية القيم العليا وحقوق الإنسان في العالم. إسرائيل تمارس الاحتلال، والاحتلاق مناقض للحق الإنساني في الحرية وتقرير المصير. أميركا، برعايتها إسرائيل، تعزز القيم العيا وحقوق الإنسان”. أو، “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني. الفلسطينيون يهددون وجود ’إسرائيل‘ ويمارسون العنف ضدها”… وهكذا. حتى كتابة هذه السطور، ارتقى 134 فلسطينياً في العام 2022 وحده، بينهم نساء وشيوخ وأطفال، برصاص وصواريخ قوات الاحتلال (العدد مرشح للزيادة أثناء كتابة هذه السطور). واعتقلت قوات الاحتلال نحو 4000 فلسطيني. وهذه أرقام حرب إبادة وإخضاع مفتوحة شرسة، أصبحت تمر دون أن تُلحظ لكثرة ما أدخلوها في العادية. إذا كان الكيان الصهيوني “دولة احتلال” بتعريف القانون الدولي والأمم المتحدة، فإن تبرير أميركا وبريطانيا قتل الفلسطينيين على أساس أن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، فذلك يعني للاحتلال، غير المشروع قانوناً، حق الدفاع عن النفس. وإذا كان للشعوب الخاضعة للاحتلال حق مقاومة الاحتلال بكل السبل، انسجاماً مع المواثيق الدولية والإنسانية، فإن مقاومة الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال، دون غيرها، عدوان يستحق معاقبته بالقتل. يُعتقل الفلسطينيون ويُقتلون إذن بتهمة “مقاومة كيان مُعرّف دولياً بأنه كيان احتلال – ومؤخراً كيان فصل عنصري. ويوصف رد فعل الفلسطينيين شبه العزل غير بأنه “إرهاب في حق أناس مسالمين”، بينما كل عمل الآلة العسكرية والأمنية الهائلة لقوات الاحتلال عمل شجاع وحقّ مبرر يمارسه “أكثر الجيوش أخلاقية في العالم”! هكذا ببساطة تُصاغ التعريفات وتُقام القضايا عندما يتعلق الأمر بفلسطين. تنص المادة الأولى، الفقرة الثانية من “ميثاق الأمم المتحدة” على أنه “يدعو الميثاق إلى إنماء العلاقات الودّية بين الأمم، على أساس المساواة في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكلّ منها حرية تقرير مصيرها”. وفي المادة الثانية، الفقرة الرابعة: “يدعو الميثاق إلى امتناع الدول في علاقاتها الدولية، عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأي دولة”. وفي المادة الواحدة والخمسين: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة، على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الأزمة لحفظ السلم والأمن الدولي”. يُفترض في هذه النصوص أن تكون واضحة، لكنها ليست كذلك مطلقاً عندما تُفسر، عمداً، بمعزل عن سياقاتها. وفي حالة فلسطين، سيحق للمستعمِرين المستوطنين، باعتبارهم “دولة” و”أحد أعضاء الأمم المتحدة” الدفاع عن أنفسهم. ووفق هذا التفسير، ليس الفلسطينيون دولة عضواً في الأمم المتحدة، وبذلك ربما يكونون “جهة فاعلة تعتدي على دولة”. وبطبيعة الحال، يُحذف الجزء المتعلق بممارسة الكيان احتلالاً غير مشروع يُجاز مقاومته بكل الطرق الممكنة. وكالعادة، التفسير ملك للقوي القادر إعدام التفسيرات الأخرى. المشكلة أن هناك فلسطينيين يدينون أعمال المقاومة ويعتذرون عنها، كما حدث في مناسبات كثيرة، ويساعدون بذلك قضية تبرير قتل مواطنيهم بتثبيت وصف العدوان على مقاومتهم. بل إن السلطات الفلسطينية تحتجز، وربما تضرب حتى الموت، مواطنيها بتهمة مقاومة الاحتلال أو معارضة ما يساعد الاحتلال. هذه المتاهة المربكة من التعريفات والاضطرار إلى مواجهة المغالطات الرائجة تفاقم بلا شك محنة الفلسطينيين وتشوش بشدة نضالهم الإنساني والتحرري. ولم يعد الأمر يقتصر على تبرير سفك دم الفلسطينيين بالمغالطات، وإنما تم تطبيع قتلهم اليومي وإذلالهم واحتجاز حريتهم كأشياء طبيعية في العالم، ويجري العمل معها كالمعتاد. سوف يسوّق الأقوياء نفس مغالطاتهم ويفرضون شراءها بالقوة. وهذا مفهوم في سياق شريعة الغاب التي تسيّر العالم. لكن غير المفهوم هو شراء فلسطينيين وبعض العرب هذا الخطاب وإعادة بيعه وتوزيعه – مع الأرباح الشخصية. ولا يمكن أن يكون هذا سوى تواطؤ في الحكم بالإعدام على الشعب الفلسطيني وهدر دمه، وتبرير اغتيال مقاوميه وتشويه قضيتهم وتضييع تضحياتهم. وسوف يضع كل من يدين مقاومة الفلسطينيين المشروعة نفسه في معسكر أعداء الشعب الفلسطيني وحريته، على أقل تقدير. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان