إعفاءات أم تجويد القطاع الصحي؟

محمود خطاطبة قصة مُطالبات أعضاء مجلس النواب بضرورة العمل على إعادة ملف الإعفاءات الطبية إلى رئاسة الوزراء بدلًا من الديوان الملكي الهاشمي، تُذكرني بقصة صديق لي يعمل في إحدى المؤسسات الخاصة، حيث لم يكن على وفاق مع مُديره المُباشر، عندما اضطر لأخذ إجازة خاصة، واشترط مُديره وقتها بضرورة كتابتها قُبيل أخذها، على عكس ما جرت عليه العادة بين الزملاء في تلك المؤسسة، ليقول كلمة مشهورة وكأنها أصبحت نبراسًا «كُلشي تمام بهالمؤسسة إلا إجازة ...». ذلك ينطبق تمامًا على «الضجة» الكبيرة التي أحدثها النواب، جراء قرار الحُكومة، المُتضمن نقل ذلك الملف من رئاسة الوزراء إلى الديوان الملكي، الأمر الذي أثار حفيظة مُمثلي الشعب، خلال جلسة عقدها المجلس النيابي، يوم الثلاثاء الماضي، والتي كانت مُخصصة لمُناقشة ردود الحُكومة على 20 سؤالًا نيابيًا، مُتعلقة بقطاعات عدة، أهمها: المياه والسياحة والصحة والمالية والعمل. الأصح، أن تتم المُطالبة بالأصول والأساسيات والإبقاء عليها والدفاع عنها بكُل قوة، لا الاهتمام بأمور ثانوية وفرعيات و»قشور».. فالأفضل هُنا توفير خدمة العلاج إلى المواطن أيًا كان مكان سُكناه.. الأصل هو المُطالبة بتجويد أو تحسين الخدمة الطبية المُقدمة.. الأصح هو تطوير المُستشفيات والمراكز الصحية الحُكومية في مُحافظات المملكة كافة، بما تتضمنه من مُدن وأرياف وبواد ومُخيمات.. الأفضل هو التوسع في الاختصاصات الطبية. وللأمانة الموضوعية، فإن النواب أبلوا بلاء حسنًا بتعليلهم للمُطالبة بإلغاء ذلك القرار، وذلك بالقول إنه «يتأثر به مرضى المُحافظات البعيدة عن العاصمة. وأن الهدف هو التسهيل والتخفيف على المواطنين وتمكينهم من الحصول على حقهم في الرعاية الصحية». كما قدم مُمثلو الشعب تبريرات، منها ما هو مفهوم وواضح المعالم كـ»الحُكومة هي المُكلفة دستوريًا بإدارة مرافق الدولة، ومنها المرافق الصحية، الإعفاءات تُغطي عدم قُدرة الحُكومة عن توفير التأمين الصحي للمواطنين، توسيع حصول المواطنين على التأمين وليس التضييق عليهم».. وبعضها غير مفهوم، ولم يتم تفسيره، من قبيل: «القرار يُقصد منه التقليل من هيبة مجلس النواب، القرار يستهدف رئاسة المجلس الحالي، تأمين المؤمنين من قبل الشركات فساد، ولا ينبغي للحُكومة أن تتحمل نفقات علاجهم، وجود خلل بين التأمين الصحي المدني الحُكومي وصندوق النفقات». أيًا كانت التصريحات والتأويلات المُتعلقة بذلك القرار، أكانت مفهومة أم غير ذلك أم يُقصد بها توصيل رسائل، إلا أنه يبقى من عائلة الفرعيات و»الرتوش»، فالأساس هو إيجاد حل للنقص الحاصل في الخدمات الطبية في المُستشفيات والمراكز الحُكومية، وكذلك بين الكوادر الطبية، وهو الأمر الذي أقره النواب أنفسهم. لا أحد يُنكر بأن التأمين الصحي ليس ترفًا وكذلك الإعفاء الطبي، خصوصًا في ظل أوضاع معيشية واقتصادية أكثر من صعبة يُعاني منها المواطن، إلا أن توفير ذلك التأمين، الذي أقره وكفله الدستور الأردني، مسؤولية تقع على كاهل الحُكومة، التي أقر رئيسها، بشر الخصاونة، بأنها خصصت مبلغا ماليا يُقدر بـ105 ملايين دينار في موازنة العام 2023، للإعفاءات الطبية فقط. كان الأولى بالنواب أن يطالبوا بضرورة استغلال ذلك المبلغ، والذي إذا ما أُضيف إلى ذلك المرصود للعلاج والأدوية في موازنة وزارة الصحة التي تُقدر بنحو 711.4 مليون دينار، فإننا سنحصل على رقم مالي مُرتفع، يكفي لتوفير خدمة طبية جيدة في مُختلف مناطق المملكة. وللتذكير، فإن 105 ملايين دينار سنويًا، مبلغ مالي ليس بقليل، نستطيع من خلاله، إذا ما وجدت إدارة مُنظمة وإرادة حقيقية، إنشاء مُستشفيات في المناطق أو المُدن ذات الكثافة السكانية المُرتفعة، أو إنشاء مراكز صحية شاملة تُوفر للمواطن عناء السفر إلى العاصمة كي يتلقى علاجًا أو يحصل على دواء، إضافة إلى توفير كوادر طبية مُتخصصة، أو على الأقل زيادة الشرائح والفئات المُستفيدة من التأمين الصحي. المقال السابق للكاتب الطبقة الوسطى بلا غطاء حكومي!اضافة اعلان