القانون ضالة المجتمع

د. نهلا عبدالقادر المومني- دائما ما كانت الازدواجية تشكل لي هاجسًا؛ فكيف ننادي بالمبادئ ونمارس عكسها وكيف نقبل أن يطبق القانون على من يخالفنا أو من لا يعنينا أمره ونقاوم ونحارب في الوقت ذاته إذا كان محل التطبيق يشمل ذواتنا أو أحدًا ممن يهمنا أمره. في الجامعة الأردنية وجدت القانون جزءًا من حياتي اليومية، بدأت الإبحار فيه فأيقنت مع انتهاء عاميّ الأخير أنّ القانون وتطبيقه هو ضالة هذا المجتمع، وحيثما وجد فهو أولى بالتطبيق، ولكن رحلة البحث عن القانون استمرت رغم انتهاء الأعوام الجامعية المقررة، فالقانون داخل أروقة الكتب وبين طيات الدفاتر الجامعية ما زال يبحث عن تطبيق حقيقي يجعل منه الفيصل والحكم وأن يذهب ما دونه من ولاءات فرعية ومحسوبيات أو إساءة لاستعمال السلطة إلى زوال. عادت التساؤلات مرة أخرى فكيف لبعض الأفراد أن لا يدركوا أنّ القانون هو محرك الحضارة، وعجبت ممن لم يتخذ القانون منهج حياة وممن لا يجد في اتباع مبادئه الثابتة والراسخة وسموه خلاصا للشعوب وإنقاذًا لها. أسئلة تستحق أن تطرح بين الحين والآخر، وأن تكون مدار بحث متواصل.. فكيف نفهم القانون وسيادته؟ ما هو موقعه في المنظومة الاجتماعية وما هي مكانته في ضمير الأفراد والمؤسسات والقائمين على صنع القرار وبناء السياسات. كيف نرى بعيوننا تلك السيادة وكيف نمارسها؟ لماذا لا يتشبث الجميع بالقانون وتطبيقه على أكمل وجه، لماذا لا يكون القانون هو ضالة هذا المجتمع والبوصلة التي يتبعون وجهتها؟ قد تكون الإجابات متعددة لا بل معقدة إلى حدّ كبير في ظل غياب واضح للقيم والرواسخ التي كانت تشكل ثوابت لدى المجتمع، ولكن ما يتوجب التأكيد عليه هو أن القانون يولد غضا مقبلًا على الحياة ينتظر من يسقيه بميزان العدل، وينشأ ويترعرع باتباع ما يقضي به دون استثناء أو تمييز، ويكون الموت الحتمي للقانون عندما يطبق بانتقائية أو وفق الأهواء والتأويل، لكن نهايته الكبرى تكون عندما لا يكون منذ البداية ومنذ إقراره صوتا للحق والحقيقة، فيموت في ضمير الأمة ووجدانها وتبدأ الثقة تهتز بأركانه. لذا فإن ولادة القوانين ونشأتها وإبقاءها على قيد الحياة تلعب دورها المنشود عملية تتطلب شراكة بين جميع الجهات الفاعلة، وقبل هذا وذاك تتطلب إيمانًا عميقًا بأن بالقانون ودوره في بناء الأمم والمجتمعات. المقال السابق للكاتبة نماذج قضائية في تعزيز حرية الصحافةاضافة اعلان